إنتاج قياسي... الجزائر تواجه معضلة تصدير الإسمنت

20 أكتوبر 2017
توقعات بفوائض كبيرة في إنتاج الإسمنت (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -



رفعت الجزائر أخيرًا الحظر المطبق منذ أكثر من عشرين سنة على تصدير مادة الإسمنت، وذلك بعدما حققت شبه توازن بين العرض والطلب، ما اعتبره مراقبون رضوخا لضغوط المنتجين الأجانب الناشطين في البلاد.

وكشف مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة الجزائرية أعطت الضوء الأخضر للمنتجين الجزائريين والأجانب للشروع في عمليات تصدير الإسمنت الرمادي و"الكلنكر" - المادة الأساسية في صناعة الإسمنت - وذلك بعد تسجيل أرقام إنتاج تفوق توقعات الحكومة هذه السنة.

واستندت الحكومة في قرارها إلى تقرير أعده خبراء وزارة الصناعة والمناجم، اطلعت عليه "العربي الجديد"، والذي كشف أن القدرة الإنتاجية للجزائر من الإسمنت ارتفعت من 20 إلى 25 مليون طن بين عامي 2015 و2017، في حين أن الطلب المحلي ازداد من حدود 20 مليون طن في عام 2010 إلى 22 مليون طن السنة الماضية، ثم إلى 26 مليون طن سنة 2017. وتتوقع الحكومة تسجيل فائض في الإنتاج بين 12.5 و13.5 مليون طن بحلول عام 2020.

ووفق التقرير، فإن العجز المسجل بين العرض والطلب والمقدر بأقل من مليوني طن سيُتدارك السنة القادمة مع دخول وحدات إنتاج إسمنت جديدة في الجزائر، وبالتالي يستبعد حدوث اختلال في السوق.

ويرجع ارتفاع قدرة إنتاج مادة الإسمنت في الجزائر من 20 مليون طن قبل سبع سنوات إلى 25 مليون طن سنويا، إلى تضاعف عدد المصانع بعدما فتحت الحكومة باب الاستثمار في هذا القطاع الذي ظل مُحتكرا من طرف شركة عمومية واحدة تابعة للدولة لعقود.

وحسب بشير عرباوي، مسؤول المديرية العامة لترقية الاستثمار بوزارة الصناعة الجزائرية، فإن عدد مصانع إنتاج الإسمنت بلغ 17 مصنعا، منها ما تم فتحه مطلع هذه السنة بعد خضوعه لعملية توسعة لرفع طاقة الإنتاج، كمصنع "عين الكبيرة" بمحافظة سطيف، التابع لمجمع "جيسكا" العمومي، بطاقة إنتاج تبلغ مليون طن سنويا، ومصنع "سيلاس" بمحافظة بسكرة بالشراكة مع مستثمرين فرنسيين بطاقة إنتاج تبلغ 2.7 مليون طن.
وعن المصانع المنتظر استلامها بداية السنة القادمة، كشف عرباوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عدة مصانع ستدشن قريبا، منها مصنع بمحافظة الشلف، بطاقة إنتاج تقدر بمليوني طن سنويا، ومصنع "زهانة" بمحافظة برج بوعريريج، بكمية إنتاج تبلغ 1.5 مليون طن سنويا.
كذلك من المنتظر أن يدخل الخدمة مصنعان آخران بالجنوب الغربي للجزائر، تحديدا بمحافظة بشار، بطاقة إنتاج تقدر بمليوني طن لكل مصنع.

وصادقت الحكومة عن طريق المجلس الوطني للاستثمار، أخيرا، على منح رخص بناء ثلاثة مصانع أخرى بالشراكة بين مستثمرين جزائريين وشركة "هوندا سيمنت كومباني" بطاقة إنتاج تبلغ 10 ملايين طن.

ولفت المتحدث نفسه إلى أن رفع الحكومة يدها عن قطاع صناعة الإسمنت جاء لسببين، أولهما استحالة مواصلة السير على طريق الاحتكار العمومي للإنتاج في وقت تزخر فيه البلاد بكميات كبيرة من الإسمنت خاصة "الكلنكر"، أما السبب الثاني فيعود إلى ضرورة كبح واردات البلاد من الإسمنت وتوفير الأموال في عز الأزمة المالية.

وبالرغم من فتحها لباب الاستثمار في إنتاج الإسمنت أمام الشركات، إلا أن الجزائر ظلت متمسكة بقاعدة (51/49) الاستثمارية، التي تلزم الأجانب بالاكتفاء بما يعادل 49% من حجم المشاريع، على أن يحوز الطرف الجزائري سواء أكان حكوميا أم خاصا على 51%، وذلك حفاظا على ما تسميه الحكومة "السيادة الوطنية" على الممتلكات والثروات.

وكان عملاق صناعة الإسمنت الفرنسي "لافارج" قد هدد في فبراير/ شباط الماضي، بتقليص حجم استثماراته في الجزائر إذا لم تفتح له الحكومة باب التصدير، وذلك بعد تسجيل نسب إنتاج فاقت توقعاته، وهو الطلب الذي سرعان ما استجابت له الجزائر تحت ضغط الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.

إلا أن الإشكال يطرح عند الخبراء على مستوى التصدير بعد تحقيق الجزائر لشبه اكتفاء، فالبلاد غير مستعدة لتصدير كميات كبيرة من الإسمنت في المدى القريب بالنظر لافتقارها لشبكة نقل بري وبحري، بالإضافة إلى عدم امتلاك الجزائر لزبائن دائمين.
وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي فرحات علي، إن الجزائر لا يمكنها أن تصدر أكثر من مليوني طن من الإسمنت سنويا بالنظر إلى ضعف شبكة النقل وعدم وجود سكك الحديد من المحافظات المعنية بإنتاج الإسمنت.

وتابع قائلا لـ"العربي الجديد": "لو نأخذ مثلا محافظة بسكرة، أكبر المحافظات إنتاجا للإسمنت، نجد أن أقرب الموانئ يبعد عنها نحو 400 كيلومتر ولا توجد فيها سكك للحديد".
وأضاف أن الجزائر تفتقد أيضا لأسواق خارجية تصدر لها الإسمنت، فحسب دراسة قامت بها شركة "لافارج" الفرنسية، فإن الأسواق الممكن الوصول إليها هي ليبيا وموريتانيا ومالي التي تعد أسواقا واعدة مستقبلا من جهة، ومن جهة أخرى لكونها دولا جارة للجزائر ويمكن نقل الإسمنت إليها برا عن طريق الشاحنات.

وكانت الجزائر قد جمدت عمليات استيراد الإسمنت في يناير/ كانون الثاني الماضي، وذلك عقب إخضاع عمليات استيراده إلى نظام الرخص، في مسعى لكبح فاتورة واردات البلاد.
واستوردت الجزائر 3.5 ملايين طن من الإسمنت السنة الماضية بقيمة 260 مليون دولار، مقابل 448 مليون دولار سنة 2015، بعدما استوردت ستة ملايين طن من الإسمنت.

دلالات
المساهمون