وأظهرت بيانات وزارة العمل الصادرة، صباح الجمعة، في واشنطن أنّ السوق التي ظهرت، خلال الشهور الماضية، كالقاطرة التي تجر الاقتصاد الأميركي، ما تزال تعمل بقوة، على الرغم مما شهدناه، في الفترة الأخيرة، من تراجع الإنفاق الرأسمالي للشركات، واستمرار تعثر المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وعلى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، عبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سعادته بأرقام الوظائف الجديدة، وقال إنّه "بأخذ بعض المراجعات في الاعتبار، وإضافة المضربين في جنرال موتورز، يصل الرقم إلى 303 آلاف وظيفة، وهو ما يفوق التوقعات. أميركا تضرب بقوة".
Twitter Post
|
ولم يشهد معدل البطالة الأميركية تغيراً ملحوظاً، خلال الشهر الماضي، حيث استقر عند مستوى 3.6%، والذي يراه بعض الاقتصاديين قريباً من التوظيف الكامل، لكن غاريد برنشتاين المستشار الاقتصادي لجو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق، عارض هذه الفكرة، وبعد نشر البيانات مباشرةً قال "لكي نقول أنه توظيف كامل، لابد من وجود ضغط من الأجور على سوق العمل، وهو ما لا يتوفر في الوقت الحالي".
وأشاد مايكل جابن كبير الاقتصاديين ببنك باركليز، بقوة تقرير وزارة العمل، واعتبر أنّ بيانات التوظيف هي الأهم للاقتصاد الأميركي، وقال، لشبكة "بلومبيرغ" الأميركية، إنّ الأرقام الأخيرة تؤكد "نجاح الاقتصاد الأميركي المنتعش في الهبوط الآمن حتى الآن"، متوقعاً عدم احتياج بنك الاحتياط الفيدرالي لتخفيض معدلات الفائدة مرة أخرى قبل نهاية العام الحالي.
وأظهرت البيانات أيضاً استمرار تجاوز معدل نمو أجور الأميركيين لمعدل التضخم، إذ ارتفعت الأجور، خلال الشهر المنتهي، بمعدل 3%، مقارنة بمستواها خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وفي حين سجل المتوسط للعام الحالي، بعد تعديل بيانات شهر سبتمبر/ أيلول، إضافة 167 ألف وظيفة، مقارنةً بمتوسط 223 ألف وظيفة، خلال العام الماضي، انخفض معدل البطالة للأميركيين من أصل أفريقي إلى 5.4%، وهو أقل مستوى في تاريخه.
وكان بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي قد خفض معدل الفائدة على أمواله، يوم الأربعاء الماضي، بخمسٍ وعشرين نقطة أساس، أو ربع بالمائة، ملمحاً إلى عدم القيام بتخفيضات أخرى، ما دام الاقتصاد الأميركي مستمراً في نموه المعتدل، واحتفظت سوق العمل بقوتها، الأمر الذي فسره بعضهم على أنه إشارة إلى الإكتفاء بما تم بالفعل من تخفيضات وصلت بمعدل الفائدة إلى نطاق 1.5% - 1.75%.
ورغم دخول العام الحالي بتوقعات برفع معدلات الفائدة بما لا يقل عن نصف في المائة، عكس البنك الفيدرالي مساره، ولم يجر أي تغييرات بها خلال النصف الأول من العام، قبل أن يخفضها ثلاث مرات، بإجمالي 0.75%، اعتباراً من يوليو/ تموز الماضي، لأول مرة منذ انتهاء الأزمة المالية العالمية في 2009.
وتسبب تباطؤ الإنفاق الاستثماري للشركات الأميركية، واستمرار النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ أكبر اقتصادين في العالم، في استشعار البنك ضرورة تخفيض معدلات الفائدة، رغم رفضه لشهور إملاءً رئاسياً في ذات الاتجاه، من أجل حماية الاقتصاد من الانكماش.
ومع تناقص السيولة في سوق المال الأميركية، في الفترة الأخيرة، أوقف البنك الفيدرالي سياساته الهادفة لإنهاء عملية التيسير الكمي التي بدأها بعد الأزمة المالية العالمية، وتسببت في تضخم ميزانيته بصورة غير مسبوقة.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تدخل البنك بصورة شبه يومية، لشراء أذون خزانة لفترات قصيرة، ساهم بها في تخفيض معدل الفائدة على عمليات الريبو، الذي تجاوز عشرة بالمائة في بعض الأحيان.
وعلى صفحته على موقع التواصل الإجتماعي "تويتر"، أكد الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان، أنّ السوق توقعت تخفيض الفائدة الأخير، مشيراً إلى أنّ جيروم باول رئيس البنك الفيدرالي، "حاول الإيحاء باستبعاد إجراء تخفيضٍ آخر قريباً".
Twitter Post
|
وخلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب الإعلان عن قرار لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية بالبنك FOMC، أوضح باول أنّ "مسؤولي البنك مرتاحون الآن لدخول مرحلة الانتظار والترقب"، مشيراً إلى تراكم تخفيضات معدل الفائدة، التي قام بها مجلس الاحتياط الفيدرالي في الآونة الأخيرة، والتي قال إنها ستوفر دعماً كبيراً للاقتصاد، ومؤكداً أن تدخلات البنك الفيدرالي تحتاج لبعض الوقت قبل إحداث التأثير في الأسواق.
وجاء قرار البنك الفيدرالي، يوم الأربعاء، بعد ساعات قليلة من إعلان وزارة التجارة الأميركية نمو الاقتصاد الأميركي بمعدل 1.9% خلال الربع الأخير من السنة المالية الأميركية، المنتهية بنهاية سبتمبر 2019، بعد استبعاد أثر التضخم، مقارنةً بمعدل 2% في الربع السابق.
ورغم انخفاض معدل النمو عما وعد به ترامب، إلا أنّه جاء أعلى من التوقعات، بعد أن تسبّب الإنفاق الاستهلاكي والحكومي، والاستثمارات العقارية، وزيادة الصادرات، في محو آثار تراجع الإنفاق الاستثماري للشركات، الذي انخفض للربع الثاني على التوالي.
وأرجع دين بيكر؛ كبير الاقتصاديين بمركز بحوث السياسة والاقتصاد بواشنطن، انخفاض معدل النمو إلى انحسار تأثير التخفيضات الضريبية، التي أقرها ترامب، مطلع العام الماضي 2018، بعد أن سببت دفعة مؤقتة للاقتصاد الأميركي، خلال العام الماضي.