سورية: محاضر ضبط تموينية ضخمة تستهدف التجار فماذا وراءها؟

21 أكتوبر 2024
من أسواق العاصمة السورية دمشق، 10 فبراير 2024 (جيوفاني ميرغيتي/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد سوريا حملة مكثفة من محاضر الضبط التموينية تستهدف التجار، مع تسجيل مئات المخالفات أسبوعياً وفرض غرامات ضخمة، بهدف تحميلهم مسؤولية التدهور الاقتصادي.
- يستغل بعض التجار الكبار الحملة لتحقيق مكاسب شخصية بالتعاون مع إداريين في الأجهزة الرقابية، مما يؤدي إلى تغريم وإغلاق متاجر منافسة، مع تعرض التجار للابتزاز والرشاوى.
- يعاني صغار التجار من ضغوط كبيرة، حيث يتم استهدافهم بشكل أكبر، بينما يسيطر التجار المدعومون من النظام على السوق، مما يزيد من معاناة التجار الصغار والمستهلكين.

تشهد سورية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد محاضر الضبط التموينية التي تستهدف التجار والفاعلين الاقتصاديين في مناطق سيطرة النظام. وتشير التقارير اليومية الصادرة عن مديريات التموين في المحافظات، إلى أن دوريات حماية المستهلك تسجل مئات المخالفات أسبوعياً، مع غرامات مالية ضخمة تصل إلى مئات الملايين من الليرات السورية.

ويرى مراقبون وخبراء أن هذه الحملة المكثفة تأتي بإيعاز من النظام للتعمية على الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وتحميل التجار مسؤولية التدهور المعيشي. وقد منحت الحكومة صلاحيات واسعة لوزارة التجارة الداخلية في تنظيم الضبوط، مما يتيح لعناصرها تفتيش المحال التجارية دون إذن من أصحاب المحال وتوقيفهم وإحالتهم للقضاء.

وقالت مصادر مطلعة من الأجهزة الرقابية في محافظات اللاذقية ودمشق وريف دمشق لـ"العربي الجديد" إن الأسبوع الفائت شهد في المحافظات المذكورة فقط تنظيم أكثر من 550 ضبطاً، منها 291 ضبطاً معلناً تجاوزت غراماتها 600 مليون ليرة سورية. وذكرت أن البلاغات عن المخالفات التموينية كانت تأتي عبر مواطنين وتجار، فيما كشف مصدر من دمشق، طلب إخفاء اسمه لأسباب أمنية، عن ضلوع تجار كبار محسوبين على متنفذين في المحافظات الآنفة الذكر بتنظيم هذه الضبوط، حيث يتفق ويدفع هؤلاء التجار رشاوى لإداريين في الإدارات الرقابية لتغريم وإغلاق بعض متاجر الجملة لإخضاعها وكبح المضاربة في السوق، ما يضمن تحكمهم بأسعار المواد.

وسيم الأحمد تاجر من دمشق قال لـ"العربي الجديد" إنه فوجئ قبل أسابيع بدخول دورية لمتجره وتفتيش المتجر بتهمة بيع وحيازة بضائع استهلاكية مهربة والإخلال بالاقتصاد الوطني، وجرت مصادرة بعض البضائع منها معلبات، وتغريمه بأكثر من 24 مليون ليرة سورية. وكتابة ضبط بالمخالفة. ليعلم فيما بعد أن من وشى به هو أحد كبار التجار الذي يبيع بضائع مماثلة بأسعار أكبر ويحاول احتكار سوقها، وأشار دون ذكر الأسماء إلى أن هذا التاجر له أقارب متنفذون في الجيش النظامي.

وأضاف الأحمد "إنني لست الوحيد في السوق الذي أبيع هذه البضائع، وهي عبارة عن معلبات مستوردة، أشتريها من تجار جملة، لكني كنت الوحيد الذي قد وضعت هامشاً بسيطاً للربح عليها ما أثار نقمة التجار عليّ، وخاصة ذلك التاجر المدعوم". وكشف التاجر لـ"العربي الجديد" عن حديث دار بينه وبين رئيس الدورية الذي أفصح له عما ذكر قائلاً: (يا أخي إدفع وريح راسك؛ من السهل تنظيم ضبط يودي بك إلى محكمة اقتصادية. الأمر أكبر مني ومن الدورية نحن لسنا إلا عبيدا مأمورين).

مصدر أمني من محافظة اللاذقية استطاع "العربي الجديد" التواصل معه، أكد أن الأمور تجري وفق سياق اتفاقيات بين رؤساء الدوائر الرقابية وتجار مدعومين، كاشفاً أن معظم هذه الضبوط تجري عبر صفقات بينهم، لابتزاز صغار التجار وسلبهم الأموال، وأحياناً يتقاضون منهم مبالغ إضافية خارج الضبط رشوة، لتخفيف الغرامة والعقوبة التموينية. وقد يتقاضى رؤساء الدوريات مبالغ تصل لنصف مليون ليرة سورية لتفتيش متاجر بعينها، عدا عن المبلغ الذي يجري ابتزازه من التجار الصغار (رشوة).

وأضاف المصدر أن بعض الدوريات التي وصفها بالفاسدة، تصادر بضائع خارج المضبوطات ثم تبيعها مجدداً بالأسواق، للحصول على مبالغ إضافية، وأن التاجر لا حول له ولا قوة ومجبر على الخضوع كيلا يخسر رزقه أو يُغلق متجره. وأشار إلى أن من لا يرضخ ويدفع رشوة أو يحاول الاعتراض على الضبط فإنه يصار إلى إغلاق متجره وختمه بالشمع الأحمر وتقديمه للمحاكمة بجرائم اقتصادية، وكل ذلك إرضاء لما أطلق عليهم اسم "حيتان السوق" وهم غالباً من أقارب المتنفذين في المحافظة.

ويقول علي العلي، واحد من تجار اللاذقية، إنه تجرأ واعترض على محاولة إحدى الدوريات إغلاق محله، فقام رئيس الدورية بكتابة ضبط اعتداء على الدورية، إضافة لضبط بمخالفة تفوق المئة مليون ليرة، بالإضافة لقرار إغلاق بالشمع الأحمر، ليضطر أخيراً للخضوع ودفع مبلغ إضافي قدره 50 مليون ليرة لقضاة ودورية حتى جرى تخفيف الضبط إلى غرامة مالية فقط مع مصادرة كمية من البضائع.

ويضيف العلي: "الكحل أحلى من العمى، إذا توقفت عن العمل سينقطع رزقي ورزق ستين عائلة يعمل أفرادها في متجري، والأمر ليس سهل أبداً". ويصنف التجار في السوق بمحافظة اللاذقية إلى أربعة أصناف "متكسبين" وهم الصغار الصغار، وهؤلاء يمتلكون متاجر صغيرة، و"الصغار" ويمتلكون متاجر من نوع "سوبر ماركت" يبيعون بالجملة والتجزئة، وتجار جملة من الصنف "المتوسط" يعملون بتجارة الجملة وتوزيع البضائع، وتجار كبار "حيتان" كما يطلق عليهم، وهم يمسكون الاستيراد وجملة الجملة، وهم المتحكمون بالسوق، وغالباً ما يكونون مدعومين من قبل متنفذين في السلطة لهم حصصهم من الأرباح.

وعلى الجانب الآخر، تحدث أحد عناصر الدوريات في ريف دمشق أن التفتيش لا يطال إلا صغار التجار أو المصنفين بالدرجة المتوسطة منهم أحياناً، ويكون التعامل ضدهم أبسط وأكثر يسرة، ولكن الدورية في حال دخلت بمحاولة لضبط تاجر كبير بسبب وشاية آخر منافس له، فإن الدورية ستكون "مكسر عصا"، وفي كثير من الأحيان تتعرض للضرب من قبل "شبيحة" يعملون لصالح ذلك التاجر، وقد لا ينفع مع ذلك بلاغ بالضرب أثناء مزاولة العمل.

وفي النهاية، يكتشف السوريون بطرق عدة أن التجار المتحكمين بالسوق، هم جزء من الشبكة الاقتصادية التابعة للنظام السوري، وهم جزء من المكتب الذي أنشأته أسماء الأخرس، للتحكم بمفاصل العمل في سورية، وما زال يعمل حتى هذه اللحظة.

المساهمون