تعويم البنزين في مصر

13 نوفمبر 2017
تحرير أسعار البنزين سيكون وبالاً على غالبية المواطنين(العربي الجديد)
+ الخط -


لا توجد مقارنة بين دخل المواطن الأميركي ودخل المواطن المصري، والقدرة الشرائية لمواطن بريطاني تفوق عشرات المرات القدرة الشرائية لنظيره المصري، وبالطبع، لا توجد مقارنة إطلاقا مع دخل المواطن القطري البالغ 129 ألف دولار سنويا وبما يعادل نحو 11 ألف دولار شهريا وهو أعلى معدل دخل للفرد في العالم.

الحكومة المصرية مقبلة على تعويم أسعار البنزين على غرار خطوة تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار، وهي الخطوة التي أقدمت عليها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016 ونجم عنها تداعيات خطرة منها، حدوث قفزات في الأسعار ومعدلات التضخم، وانهيار في قيمة العملة المحلية، وتآكل المدخرات المحلية، وإفلاس آلاف الشركات وخروجها من السوق، وبطء النشاط الاقتصادي ودخوله مرحلة الركود التضخمي.

وحسب تصريحات وزير البترول المصري طارق الملا أمس الأحد فإن الحكومة تسعى لإنهاء دعم البنزين كاملا، وذلك ضمن برنامج الحكومة لخفض دعم المواد البترولية المقدمة للمواطن.

هذه الخطوة تعني ببساطة أن أسعار البنزين سيتم تركها لآليتي الطلب والعرض، وسيتم احتساب قيمتها حسب الأسعار العالمية، وستتوقف الحكومة عن تقديم أي نوع من الدعم من موازنة للدولة للبنزين، حتى ذلك النوع الذي يطلق عليه "بنزين الفقراء" وهو بنزين 80 سيتم وقف الدعم عنه وربما إلغاء تداوله بحجة تلويثه للبيئة، وبالتالي فإنه في حال حدوث زيادة عالمية في أسعار المنتجات البترولية، فإنها ستزيد في السوق المحلية والعكس.

القرار المصري لن يكون الأول من نوعه في هذا الشأن، فهناك عشرات الدول التي حررت أسعار الوقود لديها وأخضعتها للعرض والطلب، ومن بين هذه الدول: أوروبا والولايات المتحدة وكندا وتركيا وجنوب أفريقيا وغيرها من دول العالم التي تتبنى سياسة الاقتصاد الحر.

بل إن بعض الدول لم تكتف فقط بخطوة تحرير أسعار الوقود، بل فرضت ضريبة على استهلاك الوقود تعرف بضريبة الكربون بهدف الحد من تلوث البيئة وانبعاث الغازات وتشجيع الطاقة النظيفة، ونصت القوانين هناك على أنه " يتعين على من يسهم بتلويث البيئة دفع ضريبة تتناسب مع حجم مساهمته"، وبالتالي فإن ما ستقدم عليه الحكومة المصرية ليس أمرا غريبا من الناحية النظرية.

لكن من الناحية العملية، يصبح تحرير أسعار البنزين في مصر وبالاً وكارثة على الغالبية الساحقة من المواطنين، فدخل المواطن المحدود لا يمكّنه من شراء أسعار البنزين والسولار بالأسعار العالمية، أو أن يدفع في لتر البنزين سعرا يتراوح بين 0.73 دولار كما هو الحال بالنسبة للأسعار في أميركا، وبما يعادل 12.8 جنيها مصريا، أو يدفع أكثر من دولار (يعادل 17.6 جنيها) كما هو حال أسعار البنزين في أوروبا، فهذه أسعار تفوق طاقة المواطن المصري وقدرته الشرائية، خاصة أن النسبة الأكبر من دخل المواطن تذهب لبنود السكن والأكل والشرب والدروس الخصوصية والعلاج.

فدخل المواطن في لوكسمبورغ مثلاً والبالغ أكثر من 100 ألف دولار سنوياً قادر على سداد أسعار البنزين حسب الأسعار العالمية، بل ويمكنه تخصيص 500 دولار شهرياً لتموين عدة سيارات تمتلكها أسرته لأنه يتقاضي في الشهر أكثر 8500 دولار، وكذا الحال بالنسبة لمواطن سنغافورة البالغ دخله 87.8 ألف دولار، وإيرلندا نحو 70 ألف دولار، والنرويج 69.3 ألف دولار.

هذه شعوب لديها القدرة الشرائية على سداد أسعار البنزين والسولار والغاز والكهرباء بالأسعار العالمية، وكذا سداد التكلفة الحقيقية للكهرباء والمياه وباقي الخدمات الحكومية المقدمة له، كما أن لديها القدرة على الإنفاق على بنود أخرى مثل الترفيه والسياحة والسفر وغيرها، وإضافة للدخل العالي فإن حكومات هذه الدول توفر لمواطنيها الخدمات الضرورية مثل الصحة والتعليم بالمجان، أو توفرها بتكلفة قليلة مقابل سداد المواطن الضرائب للدولة.

أما في مجتمع لا يتجاوز دخل الفرد به 1200 جنيه (أقل من 70 دولاراً)، وعدد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر يتجاوز 30 مليون نسمة وفقا للأرقام الرسمية و40 مليوناً وفقاً للبنك الدولي، ولا توفر حكومته الحد الأدني من الخدمات المعيشية والضرورية، مثل الصحة والتعليم، فمن المستحيل تحمل المواطن التكلفة الحقيقية للخدمات والسلع.

إذا أرادت الحكومة المصرية بيع السلع والوقود والكهرباء والمياه بالأسعار العالمية، فعليها أولا زيادة الدخول وتحسين الرواتب، والأهم توفير فرص عمل بدخل كريم، هنا تستطيع الحكومة إلغاء الدعم وفرض الضرائب، وعندها سيكون المواطن سعيدا، أما أن تفرض الحكومة عشرات أنواع من الرسوم وتجمع 603 مليارات جنيه ضرائب من المواطنين، وبعدها ترغم المواطن على شراء السلع بالأسعار العالمية فهذا فجور.

المساهمون