انقلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على حلفائه الأوروبيين وكندا، مهددا إياهم بفرض رسوم جمركية كبيرة على منتجات دولهم، وذلك بعد قمة لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي انتهت بالفشل، ما يزيد من الردود الانتقامية للدول التي يستهدفها ترامب ويشعل حربا تجارية عالمية وربما حرب عملات، ما ينذر بضربات موجعة لأسواق المال الأوروبية والأميركية بشكل خاص.
فقد سحب ترامب فجأة مساء السبت موافقته على البيان الختامي لقمة مجموعة السبع، التي استمرت يومين في مالبي في مقاطعة كيبيك الكندية، على الرغم من تسوية تم التوصل إليها بعد جهود شاقة حول القضايا التجارية.
وبدت الولايات المتحدة معزولة أكثر من أي وقت مضى أمام الدول الست الأخرى، بسبب سياستها التجارية العدائية تجاه حلفائها وفرض رسوم جمركية جديدة على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي.
ولأول مرة منذ تأسيس المجموعة (مجموعة السبع) عام 1976، تفشل القمة، في مؤشر واضح على الخلافات الشديدة مع السياسة التجارية، التي تتبناها إدارة ترامب، بينما ظلت واشنطن على مدار عقود طويلة صاحبة أكبر المبادرات لإرساء مبادئ التجارة الحرة التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي اليوم.
وكان الوفد الأميركي والرئيس نفسه وافقا على هذه الوثيقة التي تتضمن 28 نقطة خاضت "مجموعة السبع"، التي تضم الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، مفاوضات شاقة من أجل إقرارها.
وبرر ترامب ضربته هذه التي وجهها إلى حلفاء الولايات المتحدة التجاريين، بتصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الذي يستضيف القمة في المؤتمر الصحافي الختامي.
وكان ترودو، الذي فرضت واشنطن رسوماً جمركية على وارداتها من الألمنيوم والفولاذ من بلده ومن أوروبا، قد أكد في المؤتمر الصحافي أن هذه الرسوم "مهينة". وكما فعل الاتحاد الأوروبي، قال ترودو إن إجراءات انتقامية ستتخذ في يوليو/تموز، مضيفا أن "الكنديين مؤدبون ومنطقيون، لكننا لن نسمح بإيذائنا".
وبعد ساعات قليلة، أعلن ترامب الذي أغضبته تصريحات ترودو في تغريدة من الطائرة الرئاسية، أنه أمر ممثليه بسحب الموافقة الأميركية على البيان الختامي للقمة. ووصف ترامب ترودو بأنه رجل "غير نزيه وضعيف"، مع أنه صرح قبل يوم واحد أن العلاقة الثنائية لم تكن يوما أفضل مما هي عليه اليوم في تاريخ البلدين.
وجدد ترامب تهديداته خصوصاً تهديده بفرض رسوم جمركية على السيارات الأوروبية والأجنبية المستوردة إلى الولايات المتحدة، وهو قطاع أهم من الألمنيوم والفولاذ الذي طاولته الإجراءات الأميركية الأخيرة.
والولايات المتحدة هي أول سوق خارجية للسيارات الأوروبية. وتشعر ألمانيا خصوصا بالقلق لأن السيارات تمثل من حيث القيمة، ربع صادراتها إلى الولايات المتحدة. وقال الاتحاد الألماني للسيارات إن حصة السيارات الألمانية الفاخرة من هذه السوق تتجاوز 40%.
وتشكل الرسوم الجمركية موضوع خلاف حاد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتفرض أوروبا رسوما تبلغ 10% على السيارات المستوردة من خارج دوله، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تفرض رسما جمركيا نسبته 2.5% على السيارات الأجنبية.
وكتب بيتر نافارو مستشار الرئيس الأميركي للشؤون التجارية، في مقال في صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرًا إنه "ليس مستغربا أن تبيعنا ألمانيا كميات من السيارات أكبر بثلاث مرات مما نصدره إليها".
واشتكى ترامب في جلسات خاصة مرات عديدة من وجود عدد كبير من سيارات مرسيدس في نيويورك، وعدم انتشار عدد كاف من السيارات الأميركية في الشوارع الأوروبية.
ولتقييم مدى عدالة المبادلات التجارية مع شركائه، يركز ترامب على سؤال واحد: هل تعاني الولايات المتحدة من عجز أو فائض تجاري مع هذا البلد أو ذاك؟ والميزان التجاري مع ألمانيا يسجل فائضا لمصلحة برلين.
وألمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى طريقة تفكير الملياردير ترامب. وقد صرح خلال المفاوضات في مالبي أن فرنسا تطبق التبادل الحر مع ألمانيا مع أنها تعاني من عجز تجاري معها.
وردًا على سؤال عن إمكانية تغيير ترامب رأيه وإطلاقه حربا تجارية مع مجموعة السبع، قال ماكرون "إذا كان صادقاً في تصريحاته الثنائية ومع ما وقعه، فلن تكون هناك إجراءات أحادية سلبية"، مضيفا "إنها النتيجة المنطقية التي استخلصها".
وقال مكتب ترودو في بيان "نركز على كل ما تم إحرازه في قمة مجموعة السبع"، مضيفا أن "رئيس الوزراء لم يقُل (خلال مؤتمره الصحافي) شيئا لم يسبق أن ذكره سابقا بشكل علني وفي المحادثات الخاصة مع الرئيس" ترامب.
وبين القضايا الخلافية الأخرى، رفضت مجموعة السبع اقتراح ترامب إعادة روسيا إلى صفوفها التي استبعدت منها في 2014 بسبب ضمها شبه جزيرة القرم التي انفصلت عن أوكرانيا، داعية موسكو إلى الكف عن "تقويض الأنظمة الديموقراطية".
ومن المرجح أن يؤدي مضي الرئيس الأميركي قدما في سياسات الحماية التجارية، إلى تصعيد مماثل من الدول الأخرى بشكل أكثر حدة ما يشعل حرباً تجارية عالمية شاملة.
وأعلن ترامب من قبل رسوما على سلع صينية تصل قيمتها إلى 150 مليار دولار، بسبب شكاوى الولايات المتحدة من ممارسات بكين التجارية وسرقتها المزعومة للتكنولوجيا الأميركية، فيما تعهدت الصين بالرد بإجراء مماثل.
وتمضي كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي أيضا في فرض رسومها الخاصة على السلع الأميركية. لكن الرسوم الأميركية المفروضة على السيارات وقطع غيارها ستلحق الضرر بقطاع السيارات الكندي الذي يتكامل بشكل كبير مع قطاع السيارات الأميركي. كما أنها قد تلحق أضرارا باليابان وألمانيا.
وأعلنت إدارة ترامب قبل أسبوعين أنها ستجري تحقيقا بشأن ما إذا كانت واردات السيارات تلحق ضرراً بالأمن القومي الأميركي، في أول خطوة صوب فرض رسوم مماثلة لتلك التي فرضها ترامب على واردات الصلب والألومنيوم.
والسبت الماضي، قال ترامب للصحافيين إنه سيكون من "السهل جدا" تبرير فرض رسوم على واردات السيارات باستخدام مسوغ أنها تهدد الأمن القومي.
ومن شأن تلك الخطوة أن تجعل من المستحيل تقريبا إعادة التفاوض بشأن شروط اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) المبرمة في عام 1994 بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
وتتزايد المخاوف في أسواق المال العالمية من تداعيات الحرب التجارية العالمية، التي يدق الرئيس الأميركي طبولها. ونصح بريان وين، نائب رئيس شركة بلاكستون للاستشارات، إحدى الشركات التابعة لمجموعة بلاكستون العملاقة، المستثمرين بالحذر.
وقال وين في لقاء له مع قناة سي إن بي سي: "إحساسي يقول إن هناك شيئاً في الأفق قد يؤدي إلى انزعاج سوق الأسهم، وغالباً سيكون أمراً له علاقة بالأحداث الجيوسياسية".
وجاءت كلمات وين بينما كان مؤشر "مقياس الخوف" في أسواق الأوراق المالية، يسجل أقل مستوى له منذ يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي مذكرة اطلعت "العربي الجديد" عليها، نصح مايك رايان، كبير مسؤولي الاستثمار للأميركيتين في بنك يو بي أس السويسري بنيويورك، عملاءه بالتركيز على أسهم التكنولوجيا الحديثة على المدى الطويل، وحدد لهم خمسة تقنيات ضمن هذه النوعية من الأسهم، يتوقع أن تكون لها الغلبة في المستقبل.
وأشار إلى أن "هذه التقنيات الخمسة تمهد الطريق للعديد من التطبيقات التي تعيد تشكيل كل الصناعات الرئيسية تقريبا، ومن المرجح أن تحقق عوائد مرتفعة للمستثمرين".
بدوره، دعا توم ناراتي، الرئيس المشارك لقسم إدارة الثروات في بنك يو بي أس، المستثمرين إلى تنويع استثماراتهم عالمياً، بدلا من قصرها على الأسواق الأميركية.
وقال ناراتي إنه "ليس من مصلحة المستثمرين اتخاذ قرارات سريعة تستند إلى تحركات السوق اليومية، حيث أن أوقات تقلبات الأسواق توفر فرصًا للنظر في الاستثمارات التي لا يراها الآخرون أو التي يختارون ألا يروها".