سباق الخطوات الأخيرة... المهن الحرة تضغط لإسقاط موازنة تونس

15 ديسمبر 2018
من حراك الشارع التونسي ضد تفاقم الأعباء المعيشية (Getty)
+ الخط -

تطالب جمعيات المهن الحرة التونسية، التي تمثل قطاعات المحامات وأطباء القطاع الخاص والخبراء المحاسبين، بسحب فصل من قانون المالية يتعلق بكشف السر المهني لعملائهم. 

الاتحاد التونسي للمهن الحرة، الذي يضم كلاً من "الهيئة الوطنية للمحامين بتونس" و"هيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسية" و"هيئة المهندسين المعماريين" و"مجمع المحاسبين" و"نقابة أطباء الاختصاص والممارسة الحرة" و"النقابة التونسية لأطباء الأسنان الممارسين بصفة حرة"، كلها تؤكد رفضها القاطع لقانون المالية الذي تعتبره "خرقاً واضحاً" لمقتضيات الدستور والقوانين الجاري بها العمل.

جمعيات المهن الحرة تعتبر أن إفشاء السر المهني يُعد اعتداء واضحاً على أصحاب المهن الحرة والمواطنين على حد السواء، باعتباره يمسّ المعطيات الشخصية للأفراد والمؤسسات بما يفتح المجال لاستفحال اللوبيات واستشراء الفساد وتغلغل الاقتصاد الموازي، بما يعنيه ذلك من تكريس أكبر لعمليات التهرّب الجبائي (الضريبي).

تكثيف المساعي لإقناع الرئيس

وفي الأمتار الأخيرة قبل المصادقة النهائية من رئيس الدولة على قانون المالية ودخوله حيّز التنفيذ، تُكثف المهن الحرة من تدخلاتها وضغوطاتها من أجل سحب فصل كشف السر المهني الذي تعتبره الحكومة أساسياً في إطار خطتها الإصلاحية للنظام الضريبي وتعقّب المتهربين من الجباية لمصلحة خزينة الدولة.

رئيس اتحاد المهن الحرّة، محمد عيّاد، أكد لـ"العربي الجديد"، عدم دستورية هذا الفصل الذي يتعارض مع مبدأ حماية المعطيات الشخصية، مشدداً على أن المجمع سيواصل بذل مجهودات من أجل إقناع رئيس الدولة بعدم المصادقة على قانون المالية ودعوة البرلمان إلى إعادة النظر فيه.

وأفاد عياد بأن اتحاد المهن الحرة طالب منذ بداية مناقشة الموازنة في البرلمان، بعرض محتوى الفصل 33 من مشروع قانون المالية لسنة 2019 على مجلس المنافسة والهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، والاستئناس برأي المعنيين بهذا الخصوص، غير أن الكتل البرلمانية الداعمة للحكومة لم تكترث للمقترح، ومضت قُدماً في تمرير هذا الفصل "الخطير"، على حد وصفه.

السر المهني... خط أحمر

ويعتبر اتحاد المهن الحرة أن السر المهني يظل خطاً أحمر، معتبرين أن قانون المالية 2019 جاء ليعمّق الارتهان للإملاءات الخارجية ويمعن في تفقير المواطن، إزاء مزيد من الانهيار للقدرة الشرائية وتفاقم عجز الميزان التجاري والتدهور المتواصل للدينار التونسي.

الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، كان قد قال الأربعاء، لدى مشاركته في الذكرى العاشرة لتأسيس المعهد الأعلى للمحاماة بتونس (باعتباره محامياً)، أن السر المهني والحصانة ضروريان للمحامي، مُفصحاً عن موقفه "الرافض" للفصل 33 من قانون المالية.

لكن على الرغم من كل الانتقادات ومحاولات العرقلة، تسير حكومة الشاهد قُدماً في تنفيذ إصلاحات كانت قد بدأت بها سنة 2016 من أجل "عدالة جبائية" أكثر وتشديد الرقابة على المهن الحرة، والهدف من ذلك رفع إيرادات الضرائب وتقليص العجز المتعاظم في الموازنة العامة للبلاد، وسط ضغوط قوية من المقرضين الدوليين الذين يهدّدون بوقف القروض إذا استمر تعطل ما تعتبره الحكومة "إصلاحات" ضرورية.

العجز المالي يضغط الحكومة

من جهتها، تُصرّ الحكومة على تفعيل عمليات الجباية، بدافع من حاجتها المالية إلى تحصيل مزيد من الإيرادات، كي تتمكن من كبح عجز الموازانة الكبير إلى 3.9% العام المقبل، لتخفيضه من 5% تقريباً التي من المتوقع أن يسجلها بنهاية العام الجاري.

أما البرلمان الذي أقر هذا الأسبوع موازنة العام المقبل التي لم تتضمن ضرائب جديدة، بما يُسهم في عدم إغضاب الشارع التونسي، أقرّ معها أيضاً بعض الفصول المثيرة للجدل، ومن بينها الفصل الذي يعتبر أنه يزيد الشفافية الضريبية في بعض المهن الحرة، بما يتناغم مع التوجهات الحكومية على هذا الصعيد.

يأتي ذلك بعد انتقادات وجهتها الجمعيات المدنية وحتى الأحزاب السياسية، لما تعتبره تجاهل الحكومة طيلة السنوات الماضية لضرائب قطاعات تحقق مكاسب مالية كبيرة والاكتفاء بالزيادة في ضرائب الموظفين، مع اعتبارها أن رواتب الموظفين باتت "رهينة" لدى الدولة.

وزير الإصلاحات الكبرى، توفيق الراجحي، قال إن الحكومة تعتقد أنه بمقتضى الفصل الجديد سوف تتعزز الشفافية في المجال الضريبي وكذلك الالتزام بالمعايير الدولية واحترام التزامات تونس على مستوى تبادل المعلومات في هذا المجال.

ويرى الوزير أن هذا الفصل هو إجراء مهم من أجل استكمال خطوات شطب تونس من القائمة السوداء للبلدان غير المتعاونة في عمليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

جيوب الفقراء... هدف دائم

على مرّ التاريخ دفع فقراء تونس إلى خزينة الدولة أكثر مما دفع أثرياؤها، حيث تفيد المعلومات المُتاحة أن متوسّطي الدخل والمستهلكين يؤمّنون نحو 70% من الموارد الضريبية التي تحصّلها الدولة.

وكشفت بيانات ومؤشرات عن واقع التهرب الضريبي والجبائي في تونس، استفحال الطبقية بين العمال والموظفين وعدد من المهن الليبرالية الحرة الخاضعة فقط للنظام "التقديري" (الاستنسابي).

صحيح أن هذه البيانات غير رسمية، لكنها تفيد بأن العامل في تونس يدفع في الشهر ضرائب بقيمة 100 دينار (34 دولاراً)، بينما يدفع التاجر ما معدّله 3 دنانير، أي في حدود دولار ونصف الدولار فقط، في حين أن حوالى 8 آلاف طبيب لا يدفعون ضرائبهم إلا بمعدل 500 دينار (أي زهاء 172 دولاراً) لكل واحد منهم سنوياً.

غياب الدقة في الأرقام

سنة 2016، بدأت الحكومة، بمقتضى قانون المالية، بمطالبة الأطباء والمحامين بتقديم البيانات الحقيقية حول حجم أنشطتهم ومداخيلهم نهاية كل سنة، وذلك عبر كرّاس خاص سيضبط لهذا الغرض، حتى يتمكن أصحاب مصالح الضرائب من تحديد المبلغ الحقيقي للضرائب المفروضة عليهم.

وثمة بيانات تؤكدها مصادر موثوق بصحتها، تفيد بأن أكثر من 40% من الشركات في تونس لا تدفع الضرائب، وأن أكثر من 60% من الشركات المصدرة معفاة كلياً من التكليف الضريبي.

وعلاوة على ذلك، فإن 20% من أصل 616 ألف شركة تونسية تُصدر نتائج مالية سلبية في موازنات وهمية لا تعكس واقعها، حتى تتهرّب من الضرائب، في حين أن 1% من الشركات فقط توفر 80% من المداخيل الجبائية في البلاد.

ويدفع العمال في تونس ضرائب بحدود 3 مليارات و200 مليون دينار سنويا، منها 8% فقط يدفعها الأطباء والمحامون.
دلالات
المساهمون