دخلت المفاوضات بين عملاق النفط الجزائري "سوناطراك" والشركات العالمية، حول تجديد عقود استغلال الحقول الجزائرية، في حالة من الجمود، في ظل المخاوف المتزايدة لدى الشركات من امتداد فترة الغموض السياسي التي تشهدها الدولة الغنية بالنفط.
ومنذ 22 فبراير/شباط الماضي، وعلى امتداد أكثر من ستة أشهر، لم يغادر الجزائريون الشارع، للمطالبة بتغيير النظام السياسي ورحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ورفع الجيش يده عن السلطة.
وتضع حالة عدم الاستقرار الحالية، المجمّع النفطي الجزائري الذي يحوز 96 بالمائة من عائدات البلاد من العملة الصعبة، في مأزق تفاوضي مع الشركات الأجنبية، من أجل ضمان استقرار الإنتاج لتغطية الطلب الداخلي وعقود الإمدادات الخارجية مع دول جنوب القارة الأوروبية.
وتناقلت وسائل إعلام دولية مؤخراً خبر تجميد المفاوضات بين "سوناطراك" وشركائها الأجانب، في مقدمتها العملاق الأميركي "إيكسون موبيل"، بسبب مخاوف لدى الشركة الأميركية من عدم وجود بوادر في الأفق لحلحلة الأزمة السياسية، وهو ما دفع سوناطراك إلى الخروج عن صمتها.
وأكد المدير العام لمجمّع سوناطراك، رشيد حشيشي، في تصريحات صحافية قبل أيام، أن "الوضع السياسي الذي تمر به الجزائر ليس له أي تأثير على العلاقة والمفاوضات بين سوناطراك وشركائها الأجانب، والأخبار التي تفيد بوجود خلل في العلاقات أو المفاوضات غير صحيحة تماما".
لكن مصدرا مسؤولا في سوناطراك قال، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن "العديد من الصفقات التي كانت على وشك الانتهاء مع الشركات النفطية العالمية لاستغلال حقول الغاز والنفط جُمدت بالفعل، بسبب تردد الأجانب في ضخ استثمارات جديدة، بحجة ضبابية الأوضاع السياسية".
وأضاف المصدر أن "أهم الصفقات المجمدة هي مع إكسون موبيل وشيفرون الأميركيتين، وبريتيش بتروليوم البريطانية، وشل متعددة الجنسيات، وكو ايتوشو اليابانية، وإيني الإيطالية، فالكل يريد إبرام صفقات بعد انتخاب الجزائر رئيسا شرعيا، يريدون ضمانات من رئيس وحكومة شرعية حول مستقبل البلاد، إنهم يتخوفون من قدوم نظام لا يعترف بتلك الصفقات".
وليست هذه المرة الأولى التي يبدي فيها شركاء الجزائر النفطيون مخاوفهم من الأوضاع السياسية التي تعيشها البلاد منذ نهاية فبراير/شباط الماضي، حيث سبق لفرنسا أن عبّرت عن قلقها حيال الوضع الحالي، حيث كشفت مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية، على لسان مسؤول في قصر الإليزيه في فبراير/شباط، أن "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قلق جدا مما تعيشه الجزائر، لعدة أسباب منها احتمال تضرر جنوب فرنسا خاصة، من احتمال حدوث اضطرابات في إمدادات الغاز، لاسيما أن الجزائر تعدّ الممون الأول لفرنسا".
وتعدّ مدريد، ثاني عاصمة أوروبية تبدي مخاوفها من احتمال انفلات الأوضاع الأمنية في الجزائر، وتأثير ذلك على تدفق الغاز، إذ كشفت عدة صحف، في مقدمتها "الباييس"، عن وجود مخاوف لدى السلطات الإسبانية من تضرر العلاقات التجارية والاقتصادية والطاقة بين البلدين، في حال سقوط البلاد في مستنقع الفوضى، أو التغيير المفاجئ للنظام، فالجزائر تعدّ ثالث مستورد من إسبانيا وأول ممون للدولة الأوروبية بالغاز الطبيعي.
وتعتبر الجزائر من أهم مموني أوروبا بالغاز الطبيعي، إذ يستورد الأوروبيون قرابة 30 في المائة من احتياجات الغاز من الجزائر عبر ثلاثة أنابيب.
وفي مقابل مخاوف شركات النفط العالمية والدول المستوردة للطاقة من الجزائر، أكدت مصادر جزائرية أن بإمكان سوناطراك ضمان استمرار العقود والإمدادات، مشيرة إلى أن الشركة استطاعت تجديد عقود كبرى لتصدير الغاز في خضم الحراك الشعبي وضبابية المشهد السياسي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
وأشاروا إلى أن الأشهر الماضية شهدت تجديد عقود لتصدير ما يقارب 16 مليار متر مكعب نحو إيطاليا والبرتغال وإسبانيا، عبر شركات "إيني" و"إينل" الإيطاليتين و"غالب" البرتغالية و"سيبسا" الإسبانية.