أنا زلاتان(4)..بدون الكرة لكنت مجرماً..وعندما قررت تقليد محمد علي

08 اغسطس 2015
+ الخط -

يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، ونستكمل معاً الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.

البيت كان خاليا، والأهم الثلاجة كانت خالية دائما.. كنت أخرج ألعب كرة القدم وأسرق الدراجات.. وأعود متعبا وجائعا كالذئب، وقبل أن افتح الثلاجة أقول: أرجوك، أرجوك، أريد ولو شيئا بسيطا بداخلك.. لكن لا.. أفتحها ولا أجد شيئا.. وعندما أجد شيئا، أجد أشياء معتادة: حليبا، زبدة خبزا.. وفي أحسن الأحوال عصيرا موضوعا في حاويات عربية، لأنها كانت الأرخص.. بالإضافة إلى البيرة بكل تأكيد.. كارلسبيرغ.. وفي أحيان كثيرة لا أجد في الثلاجة سوى البيرة فقط.. كان هناك ألم بداخلي من تلك المرحلة لن أنساه.. اسألوا هيلينا، فأنا أخبرها عن ذلك دائما.

والدي كان متقلبا معي بسبب الشراب، كان يشرب كثيرا والبيرة كانت متواجدة في كل مكان في البيت، في بعض الأحيان أعرف أنهُ من غير المجدي الطلب منه، خاصة عندما يشرب، وأحيانا يكون كريما ويمنحني بعض النقود.. كنت أشتري علبة لبان، ويمنحوني معها ثلاث صور للاعبين كبار.. كنت أتحمس: أووه سأحصل على صورة من، مارادونا؟.. لكن يخيب أملي غالبا.. خاصة إذا ما حصلت على صور نجوم مملين من السويد لا أعرف عنهم شيئا.

في مرحلة ما فقدت صبري وبدأت الشجار مع أبي حول وضعيته: "أبي، أنت تشرب كثيرا.. كانت تحدث مشاجرات كبيرة جدا، وكان الصراخ يتعالى من البيت عندما يشرب، كان يهددني إذا تكلمت: "سأطردك من البيت".. لكنني لم أتوقف عن الجدال معه لأنني أردت أن أظهر أن بإمكاني أن أتحدث عن نفسي.. كان يشتمني، لكنهُ لم يضربني أبدا أبدا.. حسنا، مرة وحيدة رفعني لمسافة قدمين في الهواء ومن ثم أطاح بي على السرير بسبب سانيلا أختي.. لكنهُ رغم كل ذلك، وبعد أن كبرت أدركتُ أنهُ الشخص الألطف في العالم، أخي كان يقول لي: "والدي يشرب لكي يتجاوز أحزانه".. وعلى الرغم من أن هذا لا يخبر الحقيقة الكاملة، إلا أن والدي عانى كثيرا من الحرب.

الحرب! لم أفهمها.. لم أكن أعرف شيئا عنها.. والدي كان منخرطا فيها.. فجأة أرى والدتي تلبس الأسود حزنا، ومن ثم بعض العلامات التي لا أفهمها.. جدتي ماتت بانفجار قنبلة في كرواتيا، وكان هناك نعي كبير لها.. بالنسبة لي، لم يكن يزعجني ما يحدث لأنني لم أفرق بين الصرب وبين الكروات وبين البقية.. لكن المشكلة الكبرى كانت لوالدي.

والدي جاء من بيليينا من البوسنة وحصل على عمل هنا، لكنهُ ترك أصدقاءه وعائلتهُ هناك في البوسنة، بعد ذلك قام الصرب بإعدامات واغتصاب في مدينة بيليينا بأكملها، قتلوا وأعدموا الكثير من المُسلمين هُناك.. ولا عجب أن والدي أطلق على نفسه لقب مسلم مرة أخرى.. لقد قتلوا الكثير من أصدقائه وأهله، واستولوا على بيوتهم هناك، وتحديدا سلبوا مستودعا خاصا لوالد أبي.. فهمت أن والدي لم يكن لديه الكثير من الوقت لأجلي، كان هناك دائما أمام التلفاز يتابع الأخبار.. يغلق الأبواب ويعاقر الشراب.. كنت أعيش عالمين مختلفين، عند أبي، الأبواب مغلقة وأنا وهو فقط، مع أمي كنت أعيش في فوضى، أناس قادمون وخارجون.. خاصة بعدما انتقلت للعيش في الطابق الخامس مع عمتي هانيفا وأنا وسانيلا وكيكي.

أتذكر أنهُ في إحدى المرات، كنا نعتقد أن أمي قد تجاوزت هذه المشاكل، كنت هناك معها أحتفل بعيد ميلادي، ولقد قامت بشراء هدية لي.. وأثناء ذلك الاحتفال، أردت الذهاب إلى الحمام في شقتها الخاصة.. أوقفتني فجأة ومنعتني وبدأت بالبكاء.. أدركت أن هناك شيئا ما وأنها كانت تخبئ المخدرات في الحمام.. استمرت تلك المشاكل.. وكنت دائما أقول لنفسي: لديهم مشاكلهم، ولدي أشيائي: كرة القدم، دراجاتي، وأحلامي بـ محمد علي كلاي، وبروس لي.

والدي كان لديه أخ أكبر منه يدعى صباح الدين، كان في يوغوسلافيا حينها.. كان ملاكما، كان موهوبا حقا وكان يشكل أملا كبيرا للعائلة لأنه في ذلك الوقت كان قد حصل على بطولة يوغوسلافيا مع فريقه الخاص.. لكن فجأة بعدما تزوج وهو بعمر الـ 23 عاما ذهب ليسبح في نهر نيريتفا، حصلت له بعض المشاكل في القلب وغرق.. تخيلوا حجم الصدمة لعائلة أبي ولأبي نفسه.. الذي تأثر كثيرا في الأمر.. لكنه أصبح أكثر تحررا بعد ذلك، وأتذكر أن والدي كان يقتني جميع ألعاب الفيديو وبعض الأشرطة لـ بروسلي ومحمد علي وتايسون وأيضا جاكي شان.

كان عمري 20 سنه عندما شاهدت أول فيلم سويدي، لم نكن نشاهد التلفاز السويدي، ولم أكن أعرف عن الأبطال السويديين أبداً.. خاصة الأبطال الرياضيين، لكن بالنسبة لبطل مثل محمد علي كلاي: أووه نعم .. يا لهُ من أسطورة.. لم يكن يهتم لما يقال عنه، لم يكن يعتذر، كان بطلا كبيرا بالنسبة لي وأعتقد أنني قررت أن أقلده.

عدت إلى الركض والتحرك في كل مكان، كان هناك شيء يحترق في داخلي، وأبي كان يحذرني بأسلوب غير لطيف، تعلمت الكثير من التضحية.. أتذكر أن أبي ذهب بي إلى إيكيا لكي يشتري لي سريرا جديدا صغير.. بعدما اشتراه لم يكن يملك المال لتوصيله للمنزل.. كان مبلغا بسيطا لكن لم يكن يملكه.. لهذا قرر أن يضع السرير على ظهري! انطلقنا طوال تلك المسافة حتى وصلنا وهو يساعدني على ذلك الأمر.. كان لديه هذا الأسلوب الغريب.. كان يلبس أحيانا ملابس رعاة البقر ويأتي إلى اجتماع الآباء في المدرسة.. كان الجميع يلاحظه: من هذا؟ كان يخيفهم.. خاصة المدرسين الذين لم تكن لديهم الجرأة لمعاقبتي بسببه.

 بعد كل هذا.. ربما يسألني شخص ما: ما الذي كنت ستفعله لو لم تصبح لاعب كرة قدم؟ لا أعلم في الحقيقة.. ربما كنت سأكون مجرما! نعم.. في ذلك الوقت كانت الجريمة تحيط بنا أكثر من أي شيء آخر.. كنت أسرق، وأكثر ما كان يسرني أن والدي لم يكن يعلم بذلك الأمر.. كان يشرب نعم لكن لديه بعض الخطوط الحمراء: يجب على الرجل ألا يفعل الأشياء السيئة ومنها السرقة.. كان سيقتلني لو علم بأنني احترفت السرقة حتى.

لم أكن عاطفيا فقط.. كنت عصبيا منذ صغري أيضا، وكنت أقوم بتلك الأمور القاسية وأتعامل مع زملائي بشدة.. هذه القسوة هي التي قد تجعلني اليوم أصاب بالجنون وأغضب عندما يتعلق الأمر بـ أبنائي فينسنت وماكسمليان.. أعتقد القسوة أعطتني بعض الأمور الجيدة.. كانت لدي تلك الفلسفة المكونة من الانضباط والتجاوز.. كنت أتحدث، ولا أتحدث فقط، بل كنت أنفذ ما أتحدث به.. بإمكاني أن أكون الأفضل، وبإمكاني أن أكون مغرورا أيضا.. ليس لأن هذا ما يجب أن يكون عليه النجم، لا إطلاقا.. أنا أفعل ذلك لأنني أعتقد أنني مختلف قليلا.. كنت فوضويا، مجنونا.. لكن كانت لدي شخصيتي الخاصة.
اقرأ أيضا..أنا زلاتان(1)... غوارديولا اشترى فيراري واستعملها كـ "فيات"!
أنا زلاتان(2)...عندما صرخت بوجه غوارديولا "أنت تخاف من مورينيو"!
أنا زلاتان (3).. سرقة الدراجات والطفولة القاسية

دلالات
المساهمون