أنا زلاتان (9)... الدرجة الثانية ونقطة التحوّل

13 اغسطس 2015
+ الخط -

يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، وندخل سويّاً إلى الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.

كان الأمر رائعاً جداً بالنسبة لي، كنت أحاول جلب الانتباه طوال حياتي، والآن الناس يخرجون لي من كل مكان ويطالبون بتوقيعي بشغف كبير.. كان ذلك هو الشعور الأقوى في العالم. صدّقوني، لقد انفجرت داخلياً وبشكل كبير، كنت مليئاً بالأدرينالين.

لا تصدقوا بعض الناس الذي يتحدثون هكذا "يا إلهي، أمرّ بأوقات صعبة، فالناس يتقاتلون أمام نافذتي من أجل توقيعي، هذا أمر ممل"، هذا هراء؛ اهتمام الناس وانتباههم يجعلك تنفجر، خاصة إذا كنت قد مررت بنفس تجربتي، وكنت ذلك الفتى من ذلك الحي.. بالتأكيد، هناك جانب لم أفهمه في هذا الأمر، مثل الأمور المتعلقة بالغيرة والحروب النفسية التي تُشن عليك كلاعب، خاصة إذا كنت من المكان الخاطئ، ولم تتصرف مع الجميع بطريقة لطيفة، مثل أي شخص سويدي.

حاولوا إحباطي كثيراً "من تظن نفسك؟ أنت فقط محظوظ".. لكن إجابتي على هذه الأشياء، هو أنني أصبح أكثر غروراً أمامهم، وفي الحقيقة، لم يكن أمامي أي إجابة أفضل من ذلك التصرف. ماذا أفعل إذاً؟ هل أعتذر، هذا أمر مستحيل، في عائلتي لم نكن نعرف الاعتذار أبداً بل كنا نتقاتل إذا اضطررنا إلى ذلك. أشخاص مثل هؤلاء لم نكن نثق بهم، لهذا لا نتعامل معهم بلطافة.

والدي كان يقول "لا تتصرف بطريقة طيبة مع الناس، لأنهم سوف يستغلونك". استمعت لوالدي وتعلّمت منه، لكن الأمر لم يكن سهلاً، خاصة في ذلك الوقت، لأن هاس بورغ كان لطيفاً معي وكان يقدم لي بعض الخدمات، ويحاول أن يوقّع معي عقداً مبدئياً يربطني بالنادي.. كان فعلاً مهتماً بي وكنت مرتاحاً لهذا لأنني شعرت بأني مهم جداً للفريق. في ذلك الوقت جاء مدرب جديد للنادي، وهو ميكي أندرسون. لكن لم يبدُ بأنهُ كان سيعتمد عليّ أساسياً في الفريق، لأنه يبدو بأنهُ سيفضّل كيندفال وليلينبيرغ ويضعني احتياطياً، وأنا لم أكن جاهزاً للعب في الدرجة الثانية، كبديل أيضاً.

ناقشت هذا الأمر مع المدير الرياضي هاس بورغ.. بإمكانكم أن تقولون عنه أي شيء، لكن بالنسبة لي لست متفاجئاً من نجاحه في حياته نظراً لأنني تعرّفت على قدراته وطريقته.. كان مباشراً وصريحاً، وبإمكانه أن يقنعك بأي شيء، وقال لي وقتها "كل الأمور ستكون على ما يرام زلاتان، سنعوّل عليك كثيراً، والدرجة الثانية هي المكان الأنسب لك لكي تنمو، ستجد الفرصة لتطور من نفسك.. فقط وقّع ولا تتردد". كنت أعلم بأنني سأوافق في النهاية؛ لقد كان مقنعاً، قلت لنفسي "لمَ لا؟ كان الرجل يهتم بي حقاً ويتصل بي في كل الأوقات ليهديني النصائح". لذلك فكرت في أن هذا الرجل يعرف أكثر مني ولديه الخبرة، فلقد لعب في ألمانيا وجرّب الاحتراف، بالإضافة إلى أن نصائحه تبدو منطقية، فلقد قال لي مرة "الوكلاء لصوص". ولقد صدقته في ذلك.

في ذلك الوقت كان هناك شخص يدعى روجير ليونغ، كان وكيلاً للاعبين، يريد ان أوقّع معه.. لكن والدي تكفّل بأمره ولم أكن أتحدث معه أبداً. وافقت أخيراً على توقيع العقد وقمت بذلك، وكان العقد براتب شهري 16 ألف كراون. استأجرت شقة في لورينسبورغ بغرفة واحدة، وقمت بشراء هاتف خاص لي، وكان هذا الأمر مهمّاً بالنسبة لي. شقتي كانت قريبة من الملعب. كنت قد عزمت على الانطلاق أخيراً في هذا الاتجاه ورؤية ما سيحدث لاحقاً.

لكن البداية كانت سيئة.. في أول مباراة ضد أحد الفرق الصغيرة خارج ملعبنا، كان يتوجب علينا أن نفوز بنتيجة كبيرة. لكنني جلست على دكة الاحتياط، وأصبت بإحباط كبير وتساءلت "هل هذا ما ستكون عليه الأمور؟".

الجماهير كانت مستاءة. وعندما دخلت إلى أرض الملعب تعرضت فوراً لضربة كوع في ظهري، ورديت بعدها بضربة للمنافس، وبتلفظ بالكلمات السيئة على الحكم، الذي منحني بطاقة صفراء. كانت هناك فوضى كبيرة حيال هذا الأمر في الملعب وخارجه وفي الصحف.

أتذكر هاس ماتيسون، قائد فريقنا، قال لي إنني أمتلك طاقة سلبية، كما تفوّه بالكثير من التفاهات التي اعتدت سماعها، عن أنني لست النجم الذي كان يؤمن به، وأنني لا يجب أن أتصرف وكأنني مارادونا. كنت قد غضبت حينها، وتوجد لي صورة توضح ذلك بشكل كبير وأنا خارج من الباص بعد اللقاء. لكنني تجاهلت كل ما حدث، وعدت لأركز على كرة القدم فقط.

- لعبت وتطورت مع الوقت كثيراً. ويجب عليّ أن أنصف بورغ، فكما قال تماماً، الدرجة الثانية منحتني وقتاً أكبر للعب، وفرصة أكبر للتطور. ومع سير الأمور على ما يرام بالنسبة لي، بدأت أرى بأن الهبوط كان شيئاً إيجابياً في مسيرتي؛ تطورت كثيراً، والأمور أصبحت أكثر جنوناً مع كل أسبوع أقدم فيه أفضل ما لديّ. لم أكن رونالدو، لكن الصحف السويدية التي لا تهتم عادة للدرجة الثانية، عنونت "عازف كبير في الدرجة الثانية".

الناس أصبحوا سعداء عندما يشاهدون حركاتي. بدأت أستمع لآهات الجماهير إعجاباً بتحركاتي الكثيرة في المباريات. شغف الناس ازداد تجاهي وبت المقصد الكبير لجميع المشجعين. الفتيات أيضاً كانوا حولي دائماً، والأطفال يركضون بدفاتر للمطالبة بتوقيعي.

- بعد ذلك، بدأت ألاحظ أن هناك أشخاصاً لا ينتمون إلى هذا المكان، يتواجدون في مباريات الفريق لمشاهدتي.. لم أفهم ذلك بشكل سريع، لكن الناس تحدثوا كثيراً عنهم، وعن أنهم كشافو المواهب للأندية الأوروبية.

الجميع قال بأنهم جاؤوا من أجلي. ذلك الفتى من توباغو أعدّني جيداً للفكرة منذ ذلك الحين.. لكنني رغم ذلك لم أكن أصدق ذلك، لهذا تحدثت مع هاس بورغ بهذا الشأن:

- "هل هذا صحيح بورغ؟ أندية أوروبية تريدني؟".

- "على مهلك.. اهدأ".

- "من هم؟ ومن أي نادٍ؟".

- "لا شيء. نحن لن نبيعك على الإطلاق".

قلت لنفسي: حسناً، أنا لست مستعجلاً أيضاً. سأنتظر بعض الوقت وأناقش عروضاً أفضل. لكن بورغ قال لي "أريدك أن تقدم لي 5 مباريات على التوالي بمستوى مميّز، وسأقدم لك عرضاً مميّزاً".

قلت له: لا بأس. وهذا ما قمت به بالفعل. لعبت خمس، ست وسبع مباريات بأفضل مستوى؛ ومن ثم جلست أنا وبورغ على الطاولة. قمت برفع مرتبي بمقدار 10000، ومن ثم رفعته مره أخرة بالمقدار نفسه. اعتقدت أن الأمور أصبحت جيدة. ذهبت إلى والدي وأنا فخور، لكنهُ لم يكن مندهشاً. والدي تغيّر ولم يصبح يهتم بالحرب، فقط يهتم بي وبكرة القدم. وعندما قرأ عن الأندية الأوروبية واهتمامها بخدماتي، تحرك عندما شاهد عقدي الجديد "ما هذا.. لا يوجد أي شيء يشير إلى المبلغ الذي ستحصل عليه عندما تنتقل، يجب أن تحصل على الأقل على نسبة 10% من قيمة الانتقال. إنهم يستغلونك".

- فكرت في ذلك.. لكنني لم أعرف كيف يمكنني أن أطلب هذا البند في عقدي. أعتقد أن بورغ سيحدثني عن هذا الشأن، لكنني سألته بكل الأحوال عن هذا الموضوع:

- "هيه... بورغ".

- "ماذا؟".

- "هل يمكنني مناقشة العقد الجديد؟ أريد 10% من مبلغ انتقالي إلى أي نادٍ لاحقاً".

- "آسف يا بني.. الأمور لا تسير بهذه الطريقة".

ذهبت لأخبر أبي.. وأبي جن جنونه، لم نكن لنستسلم في الحقيقة. وطلب والدي رقم هاتف هاس بورغ مني. واتصل به مرة ومرتين وثلاث مرات ولم يتقبّل إجابته بالرفض؛ لذلك طلب اجتماعاً معه لمناقشة العقد، وافق بورغ على ذلك. جئت مع والدي إلى النادي ذلك اليوم، ولكم أن تتخيّلوا أنني كنت متوتراً.

كنت أخاف أن يجن جنون أبي ومن ثم يفسد كل الأمور. في النهاية أنا أعرف والدي في حالات الغضب. الاجتماع بدأ، وأبي ضرب الطاولة بيده ونهض من الكرسي متسائلاً "هل ابني مُجرد حُصان لديكم؟"، ليرد بورغ "بالتأكيد لا"، ليجيبه أبي بسؤال "إذاً لماذا تعاملونه بهذه الطريقة؟"، ليرد "نحن لم نعامله بطريقة سيئة".

واستمر النقاش طويلاً بهذا الشكل.. لكن في النهاية، والدي أكد لهم بأنهم لن يروني مجدداً إذا لم تتم إعادة صياغة العقد. هددهم بأنني لن ألعب بعد اليوم، وفي النهاية حصل على مراده؛ بعدما استجاب بورغ له ووضع نسبة 10%. في النهاية لا يمكنك أن تعبث مع أبي؛ إنهُ أسد، وبورغ فهم ذلك جيداً منذ الدقيقة الأولى.

الأمر كان يعني الكثير بالنسبة لي. الأمر تم بفضل والدي.. وكان بمثابة الدرس الذي سيفيدني في المستقبل. رغم ذلك، بقيت مقتنعاً بأن الوكلاء لصوص، وواثقاً بهاس بورغ.. كان مستمراً بنصحي، ولقد كان يدعوني دائماً للخروج معه إلى مزرعته خارج المدينة. كان بمثابة الأب الثاني بالنسبة لي.

اللافتات والأهازيج الخاصة بي من المدرجات كانت تعطيني القوة. أتذكر أنهُ ضد نادي فاستيراز على ملعبه، كنا نلعب في الوقت بدل الضائع، لكنني استلمت تمريرة من ماتيسون، قبل أن أستملها رأيت أن هناك إمكانية لأن أقوم بشيء جميل، لهذا قمت برفع الكرة من فوقي ومن فوق عدة مدافعين من بينهم ماستوروفيتش، كانت حركة رائعة أمتعت الجميع. أتذكر أنني سجلت 12 هدفاً في البطولة، وكنت هداف الفريق وقتها.

تأهلنا بفضل تلك الأهداف إلى الدرجة الأولى، وكنت بكل تأكيد واحداً من أهم اللاعبين في تلك المرحلة. لم أكن مجرد لاعب استعراضي، كنت قد بدأت إحداث الفارق، لهذا ازداد الصخب حولي. وكنت أتعامل مع الإعلام الذي اهتم بي في تلك المرحلة بشكل طبيعي، كنت أتحدث بشخصيتي الاعتيادية وكنت أقول أموراً لم تكن في غاية التواضع مثل "لا يوجد سوى زلاتان واحد وأنا زلاتان إبراهيموفيتش". وتصرفات مثل هذه اعتبرها الكثيرون أمراً جديداً من لاعب شاب.

كنت أتحدث أمام الجميع من قلبي بدون تعقيدات، كما أفعل بالمنزل، وهذا ما أكسبني شعبية جارفة. حتى هاس بورغ حينها اعترف لي أنني أصبحت مشهوراً بهذا الشيء، لكنه قال لي "يجب أن تبقى هادئاً".

وفي أحد الأيام، أخبرني بورغ بأن هناك وكيل أعمال يسأل عني بشكل يومي. تحمّست للأمر، وأعتقد أن بورغ أيضاً أدرك أن هذا هو الوقت المناسب لكي يتم بيعي، وخاصة أن قيمتي ستنقذ ميزانية النادي. كنت الفتى الذهبي لهاس بورغ كما كتبت الصحافة، وبعد عدة أيام، جاء لي بورغ وقال "ما رأيك بالقيام برحلة؟"، وأجبته "بالتأكيد، لنقم بذلك".. كانت رحلة بسيطة للأندية التي أبدت اهتمامها بالتعاقد معي. كيف كان شعوري؟.. اللعـنة! هذا يحدث بالفعل.

اقرأ أيضاً:

أنا زلاتان(1)... غوارديولا اشترى فيراري واستعملها كـ"فيات"!

أنا زلاتان(2)...عندما صرخت بوجه غوارديولا"أنت تخاف من مورينيو"!

أنا زلاتان (3).. سرقة الدراجات والطفولة القاسية

أنا زلاتان(4)..بدون الكرة لكنت مجرماً..وعندما قررت تقليد محمد علي

أنا زلاتان (5)...عندما صرخت"كلكم حمقى، وكرة القدم حماقة"

أنا زلاتان (6)... عندما تعلمت تقليد مهارات البرازيليين

أنا زلاتان (7).. رحلة الصعود للفريق الأول مع مالمو

أنا زلاتان (8).. ما الذي حدث في هذه الحياة؟

المساهمون