اللاعبون بين فيروس كورونا ووباء الاكتئاب

09 مايو 2020
توقف كرة القدم بسبب كورونا سبب أيضاً تداعيات نفسية(Getty)
+ الخط -
في استطلاع للرأي أجراه المركز الطبي لجامعة أمستردام لصالح الاتحاد الدولي لكرة القدم، شمل أكثر من 1000 لاعب و500 لاعبة كرة القدم من 16 دولة خلال فترة الحجر والحظر التي يعيشها العالم، تبين بوضوح وجود أعراض اكتئاب وملل في أوساط أكثر من 20% من اللاعبين واللاعبات، بسبب القلق المتزايد جراء تفشي فيروس كورونا الذي أوقف نشاطهم وعزلهم عن محبيهم وألزمهم بيوتهم فجأة بعدما كانوا نجوماً يشار إليهم في كلّ مكان ويتصدرون شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية، ليجدوا أنفسهم في عزلة اجتماعية تقودهم للتفكير في مستقبل غامض إذا استمر الحال على ما هو عليه، أو حدث لهم مكروه يضطرهم لاحقاً للاعتزال. 


صحيح أن الفيروس وضع قرابة ثلاثة مليارات نسمة في الحجر الصحي، وجعل العالم بكلّ أطيافه يعيش أجواء كئيبة بدرجات متفاوتة في مختلف المجالات، تتزايد حدتها من يوم لآخر، رغم بوادر الأمل التي تلوح في الأفق بعودة الحياة التدريجية لبعض النشاطات في كثير من البلدان، لكن الدراسة أثبتت بالأرقام أن نجوم الكرة يواجهون مخاطر أكبر تؤثر على صحتهم النفسية وحتى العقلية نتيجة انتقالهم من نمط حياة مليئة بالنشاط إلى العزلة بكلّ ما تسببه من ملل جراء توقف النشاط وابتعادهم عن جماهيرهم، ما أدّى بهم إلى فقدان الشهية والوزن وافتقادهم مشاعر الاعتزاز والافتخار بالنفس التي كانوا يشعرون بها في الظروف العادية.

دراسات مماثلة خاصة بالصحة النفسية في بريطانيا مثلاً ذهبت إلى تحليل مدى تأثير الحجر والبقاء في المنزل لفترة طويلة على نفسية وصحة الناس، إذ توصّلت الدراسة إلى أن عدم المشاركة في أي نشاط أو فعالية مجتمعية يؤثر سلباً في الصحة النفسية للإنسان، ما ينعكس على صحته الجسدية أيضاً ويؤدي إلى التوتر والاكتئاب اللذين ينعكسان على المقربين ثم المحبين من خلال انتقال مشاعر فقدان السرور والثقة بالنفس وتقدير الذات، وعدم القدرة على التركيز وفقدان الشهية والإرهاق، إلى غير ذلك من التأثيرات النفسية وحتى العقلية التي تقودهم إلى ممارسات غير لائقة تدخلهم عالم الجنس والخمر والتدخين وكلّ الأمراض الأخرى المترتبة على الاستخدام السلبي للتكنولوجيات الحديثة.

الدراسات خلال هذه الفترة تعددت وتنوعت، وقد أجمعت كلّها على أن الاكتئاب يزداد أكثر في صفوف اللاعبين الذين تنتهي عقودهم في نهاية الموسم ويفكرون في مستقبلهم الغامض نتيجة غموض الرؤية الاقتصادية والمالية للأندية ومدى انعكاسها على سوق التحويلات، كما تزداد مشاعر الاكتئاب والتوتر في أوساط اللاعبين الذين يتقاضون رواتب عالية وعليهم التعامل مع تخفيض رواتبهم وخسارة موارد مالية كبيرة جراء توقف النشاط، بينما يتعيّن على اللاعبين ذوي المداخيل القليلة التعامل مع خسارة جزء من مداخيلهم نتيجة توقف اللعب، ما ينعكس سلباً على نمط ومستوى حياتهم الاجتماعية التي قللت من فرص البحث عن فرص لتحسين ظروفهم.

قرار تأجيل الدوريات وإلغاء المسابقات الدولية كان لهما أيضاً تأثير كبير على معنويات الرياضين الذين يفقدون قيمتهم من دون منافسة ودون تشجيع والتفاف الجماهير حولهم، وكلّما طالت فترة غيابهم عن الساحة الكروية واستمر الحجر ازدادت لديهم مشاعر اليأس، لذلك لجأت "فيفا" بعد اطلاعها على نتائج الدراسات الأولية إلى مطالبة الجميع بمزيد من الصبر والتعامل بشكل إيجابي مع العزلة الاجتماعية حفاظاً على المعنويات والمهارات، خاصة أن لاعبي الكرة يعتبرون قدوة لكثير من الشبان الذين تتأثر معنوياتهم عندما يسمعون عن الإحباط الذي يعاني منه الأرجنتيني ليونيل ميسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو والبرازيلي نيمار وغيرهم من نجوم الكرة ونجوم الغناء والتمثيل ومختلف الفنون التي تحظى بشعبية كبيرة.

صحيح أنّ الالتزام بإجراءات الحظر والبقاء في المنزل يقلل من فرص الإصابة بفيروس كورونا، لكن بالمقابل يقلل أيضاً من فرصة نجاة لاعبي الكرة وغيرهم من الاكتئاب والتذمر والملل وربما الانهيار العصبي بالنسبة لبعض الذين يتوجسون من المستقبل، في ظل أوضاع ستخلف تداعيات نفسية وعقلية ومهارية تحتاج إلى اختصاصيين نفسانيين لمرافقة النجوم في المرحلة المقبلة التي قد تتطلّب ذلك، ومرافقة كلّ أطياف المجتمع مادياً ومعنوياً لفترة قد تطول تحت تهديد استمرار تفشي الفيروس طيلة مرحلة تخفيف إجراءات الحظر والحجر إذا لم يلتزم كلّ الناس بالإجراءات الوقائية المفروضة من الحكومات والمنظمات الصحية.

بين فيروس كورونا ووباء الاكتئاب يصعب الاختيار لأن أحلاهما مرّ، مثلما يصعب الاختيار بين الكوليرا والطاعون لأن كليهما قاتل، لكن شتان بين من يخسر كلّ شيء في هذه الظروف، وبين من لا يملك شيئاً يخسره في عالم ليس فيه سعادة دائمة ولا حزن دائم.

المساهمون