ترسانة القوانين تقمع ما يُحزن السيسي

31 يوليو 2018
ولاية السيسي الثانية شهدت تضييقاً أكبر على الإعلام(صلاح مالكاوي/Getty)
+ الخط -
في 22 ديسمبر/كانون الأول 2015، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في لقاء تلفزيوني أُذيع مباشرة قبل ذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، نصّاً: "أنا جئت بإرادتكم واختياركم وليس غصباً عنكم أبدًا.. وبالمناسبة؛ الكرامة الوطنية والأخلاقية والإنسانية، لا تجعلني (أقعد) أبقى ثانية واحدة ضدّ هذه الإرادة.. أنا أقولها لكلّ المصريين.. كلام واضح والله والله والله، ولا ثانية واحدة ضد إرادة الناس". 

بعد ثلاث سنوات، تحديداً في 20 مارس/آذار 2018، وخلال موسم الدعاية الانتخابية له قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها باكتساح في معركة أمام منافس كرتوني، قال السيسي أيضاً في حوار تلفزيوني مع المخرجة ساندرا نشأت "المصريون هم أصحاب قرار خوضي الانتخابات الرئاسية، ولو قالوا (أمشي همشي) إرحل سأرحل".

منذ أيام، وتحديدًا في 28 يوليو/تموز 2018، علّق السيسي لأول مرة على وسم "#ارحل_ياسيسي" الشهير، وذلك خلال مؤتمر الشباب في جامعة القاهرة، قائلاً "إحنا دخلونا في أمة ذات عوز، أمة الفقر، دخلونا فيها، ولما آجي أخرج بيكم منها يقولك هاشتاج ارحل يا سيسي، لما آجي أخرجكم من العوز، وأخليكم أمة ذات شأن تقولوا ارحل يا سيسي، أزعل ولا ما ازعلش، في دي أزعل".

هكذا، لم يتمالك السيسي نفسه من إخفاء مشاعره الحقيقية تجاه مجرد وسْم عبْر منصات التواصل الاجتماعي استمر قرابة 48 ساعة، وجابهه وسم آخر مضاد دشّنه مؤيدو السيسي ولجانه الإلكترونية، بعنوان "#حقك_علينا_يا_سيسي"، دفع به المذيع المقرّب من النظام وأجهزته الأمنية، أحمد موسى، لكنّه لم يستطِع المنافسة على "الترند" المصري.

كما ظلّ وسم "ارحل يا سيسي" متصدرًا مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً "تويتر"، بعدما فشلت اللجان والكتائب الإلكترونية التابعة للنظام المصري في الترويج لوسوم أخرى مثل "السيسي زعيمي وافتخر"، و"السيسي مش هيرحل".

ما يمكن اعتباره "هزيمة" للنظام أمام وسم عبر منصات التواصل الاجتماعي، يؤكّد فعالية هذه المنصات في التعبير عن نبض الشارع الحقيقي، وتحولها لوسائل إعلام بديل، بعدما باتت وسائل الإعلام المصرية في قبضة النظام يديرها بأذرعه، تمامًا كما قال السيسي نفسه بعد تولّيه الحكم.
ومنذ سنوات، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا ومهمًا في التصدي لحالة الخنق العام التي يعيشها المجال العام في مصر. ولم تعد تلك الوسوم والمنشورات المتداولة مجرد تعبير عن خنق أو غضب، بل تحوّلت لآلية جديدة فرضتها الظروف السياسيّة المكبّلة للحريّات، ويبدو أنها تصنع تغييرًا، وتؤثر على السياسيين وأولهم الرئيس الذي "حزن" من الوسم.

لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو "هل يقود هذا الحزن من وسم إلى مزيد من خنق وتكبيل الإعلام والحريات"؟ الإجابة عن هذا السؤال ظهرت مبكرًا، مع إصدار مجلس النواب المصري، حزمة تشريعات يصفها مراقبون ومنظمات حقوقية بـ"مكبّلة للحريات". وبالفعل شهدت الفترة الرئاسية الثانية للسيسي مزيدًا من قمع حرية التعبير، وكذلك إقرار البرلمان لقانون الجريمة الإلكترونية الذي يعد بمثابة تقنين للرقابة على الإنترنت وأيضًا مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي يعد ضربة جديدة لحرية الإعلام، بحسب توصيف مؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة مجتمع مدني مصرية).
وقالت المؤسسة في تقريرٍ لها: "لا شك أن هذه التطورات التشريعية ستترك تأثيرًا كبيرًا على حجم الانتهاكات، في ما يتعلق بالحقوق الرقمية وحرية الإعلام، وهي ملفات تهتم السلطة الحالية بتقييدها، خاصةً في ظل السعي لتعديل مواد الدستور المصري، بما يسمح ببقاء الرئيس الحالي في السلطة، بعد انتهاء فترته الثانية، وكذلك من أجل تمرير الإجراءات الاقتصادية المرتبطة بقرض صندوق النقد الدولي".


ومن أبرز تلك التشريعات قانون تنظيم الصحافة الجديد الذي يتضمن "توقيع عقوبة الحبس في قضايا النشر سواء الحبس الاحتياطي أو الحبس الحكمي ولا يقتصر على الصحافيين والإعلاميين؛ ويمتدّ لكل مواطن مارَس حقه في التعبير عبْر وسائل الإعلام المختلفة سواء قنوات أو صحف ورقية أو مواقع إلكترونية، بل يشمل أيضًا مواقع التواصل الاجتماعي إذا تجاوز عدد معجبي الصفحة 5 آلاف معجب". 

من جانبه، اعتبر المرصد العربي لحرية الإعلام (منظمة مجتمع مدني مصرية) أنّ تمرير هذه القوانين سيضع المزيد من القيود على حرية الصحافة التي تعاني بالفعل من قمع غير مسبوق، تسبب في وضع مصر ضمن المنطقة الأكثر اسودادًا في هذا المجال، كما أن هذه القوانين تطلق يد النيابة العام في الحبس.
كما اعتبرت مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، أن مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، بمثابة ضربة جديدة لحرية الإعلام، وقالت إنه "يبدو أن مجلس النواب بصدد تحويل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى جهة تقوم بالمراقبة الشاملة على مستخدمي الإنترنت في مصر، بالإضافة إلى صلاحيات المجلس في الرقابة على المحتوى الإعلامي. وهو ما سيزيد من ممارسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للانتهاكات ضد حرية الإعلام وحرية الإبداع والحقوق الرقمية، خاصة أن الأعلى للإعلام يرسخ من خلال قراراته للرقابة على الأعمال الدرامية، وهذا ما سيتناوله التقرير في موضع لاحق".
هذا فضلًا عن إقرار البرلمان لقانون الجريمة الإلكترونية الذي وصفته مؤسسة حرية الفكر والتعبير بـ"تقنين للرقابة على الإنترنت"، وقالت إن توقيته الذي أُقرّ فيه يحمل دلالة على تخوّف السلطة الحالية من الإنترنت باعتباره المساحة الأخيرة، التي يستخدمها منتقدو السلطة لنشر آرائهم، وتداول المعلومات بشأن تطورات السياسة الداخلية في مصر.
وأضافت المؤسسة "سيزيد قانون الجريمة الإلكترونية من فرص السلطة الحالية في استهداف المواطنين، بسبب استخدام الإنترنت في التعبير عن الرأي، وخاصة مع وجود عقوبات قاسية ضمن مواد القانون، إلى جانب مراقبة المستخدمين، عبر إلزام الوسطاء ومزودي الخدمة بتسجيل بياناتهم لمدة 180 يوما. ويمنح القانون السلطة التنفيذية والجهات القضائية صلاحية الرقابة على الإنترنت. وقد استخدمت السلطة الحالية، منذ 24 مايو/أيار 2017، ممارسة حجب مواقع الوِب على نطاق واسع، لم تشهده مصر من قبل". 
ويشمل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات 45 مادة، وهو قانون مُقدّم من قبل الحكومة، ووافق عليه مجلس النواب نهائيا في 5 يونيو/حزيران 2018. 

ويغلب على مواد القانون عدم تحديد المقصود من المصطلحات المستخدمة، ما يجعل هناك غموض وعدم انضباط. ويتيح ذلك إمكانية امتداد عقوبات القانون إلى أي فعل اعتيادي أو مخالف لسياسات السلطات المصرية، فعلى سبيل المثال لم يحدد القانون المقصود بمصطلح "الآداب العامة" الوارد بالمادة (27)، وكذلك ما تناولته المادة (35) والتي تشدد العقوبة إذا وقعت بغرض الإخلال بالنظام العام، أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو الإضرار بالأمن القومي للبلاد أو بمركزها الاقتصادي، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.
المساهمون