تصاعد سريع في "أزمة زبيدة"... الحرب الباردة بين النظام المصري والإعلام

01 مارس 2018
أورلا غويرين معدة وثائقي "بي بي سي" (جيف أوفيرز/BBC)
+ الخط -
انتابت حالة من القلق، العاملين في الحقل الإعلامي والصحافي، في أعقاب القرار الصادر من النائب العام المصري، نبيل صادق، الخاص بـ "متابعة وضبط وسائل الإعلام التي تبث الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية"، فيما حاولت قيادات برلمانية محسوبة على النظام التأكيد أنّ القرار "لا يمس حرية الصحافة". 
وجاء في البيان الصادر عن مكتب النائب العام، أمس، أن "قرارًا بتكليف المحامين العامين ورؤساء النيابات، كل في دائرة اختصاصه، باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والجنائية ضد وسائل الإعلام والمواقع التي تبث عمداً أخبارًا وبيانات وشائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، أو إلقاء الرعب في نفوس أفراد المجتمع، وما يترتب عليه من إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية".
وطالب النائب العام، وفقاً للبيان، الجهات المسؤولة عن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وانطلاقاً من التزامها المهني ودورها الوطني، إخطار النيابة العامة، بكل ما يمثل خروجاً عن مواثيق الإعلام والنشر.

من جانبه، أكد عضو بمجلس نقابة الصحافيين المصرية أن القرار بمثابة إعلان وفاة لمهنة الصحافة والإعلام، مؤكدا أنه يمثل سيفا على رقبة كافة العاملين في هذا المجال، خاصة أن المصطلحات المستخدمة في قرار النائب العام فضفاضة للغاية، ومن السهل تطبيقها على أي مادة صحافية أو إعلامية لا تُرضي جهات الرقابة الجديدة.
وأكد عضو مجلس النقابة، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن النظام الحالي لم يكتفِ بالعودة مجدداً إلى نظام الرقيب على الصحف، بل باتت هناك إدارات يقودها ضباط في الجهات الرقابية، يوجدون في مطابع الصحف القومية، من شأنهم إيقاف ومنع نشر أي مواد بدون إبداء أي أسباب.
وتابع "في أسوأ الظروف، لم ترَ مهنة الصحافة هذا الكمّ من التضييق والملاحقة للصحافيين"، مضيفاً "الأخطر هذه المرة أنه يتم تقنين التجاوزات الحكومية والملاحقات بقرارات من النائب العام"، مشيراً إلى أنّه "حتى في أوقات الحرب التي مرت بها مصر، على مدار تاريخها الحديث، لم تصدر قرارات مثل هذه بشأن الصحف ووسائل الإعلام".

في المقابل، قال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب، اللواء كمال عامر، إنّ قرار النائب العام بمتابعة وضبط وسائل الإعلام، لا يمسّ حرية الصحافة في مصر، مضيفاً أن القرار يستهدف متابعة وسائل الإعلام، للتأكد من الالتزام بالمعايير المهنية وعدم تشويه صورة البلاد، ولن يتم ضبط إلا وسائل الإعلام المغرضة التي تتعمّد بثّ الشائعات أو المعلومات غير الصحيحة التي من شأنها تكدير السلم العام للبلاد، مشيراً إلى أن القرار لا يؤثر من قريب أو بعيد على حرية الصحافة التي تؤمن بها مصر.
وتابع عامر أن القرار يأتي نتيجة لما وصفه بـ "الشائعات التي بثتها الـBBC حول وجود حالات اختفاء قسري"، مؤكداً "أننا في مرحلة فارقة تواجه فيها مصر الكثير من التحديات، ويتم استخدام أساليب مختلفة من قبل القوى الكارهة، منها بث الشائعات لتشويه صورة مصر، لا سيما الادعاءات في ما يخص ملف حقوق الإنسان، وعلينا مواجهه هذه الافتراءات".
من جانبه، أشار النائب مصطفى بكري إلى أنّ القرار لا يقتصر فقط تأثيره وتداعياته على وسائل الإعلام، بل يمتد ليشمل مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً "قرار النائب العام بضبط كل من يرتكب جريمة نشر معلومات كاذبة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، هو قرار يهدف إلى حماية المهنة والحفاظ عليها من تجاوزات الدخلاء وأصحاب الأجندات السياسية"، مضيفاً أن القرار يضع حدّا للفوضى ويحمي الحرية المسؤولة ويحمي أمن البلاد واستقرارها، مشدداً على أن القرار جاء متوافقاً مع ميثاق الشرف الصحافي والإعلامي وقوانين الهيئات الثلاث المسؤولة عن إدارة المشهد الإعلامي.

وقبل أيام، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية، وثائقياً بعنوان "سحق المعارضة في مصر"، تحدثت فيه عن حالات تعذيب واختفاء قسري، وكشفت فيه تعرُّض فتاة مصرية تُدعى زبيدة، للاغتصاب والتعذيب على يد قوات الأمن المصرية بعد اختفائها قسريًا واعتقالها.


وما إن انتشر تقرير "بي بي سي"، حتى تحركت الآلة الأمنية والإعلامية في مصر، تحاول بشتى الطرق تكذيب الواقعة من الأساس.

وتلقفت وسائل الإعلام المصرية، زبيدة، في محاولة لدحض رواية والدتها التي كانت البطل الأساسي في تقرير "بي بي سي". وخرجت زبيدة مع الإعلامي المصري عمرو أديب تنفي حديث والدتها عن اعتقالها وتعذيبها واغتصابها، ممتنعة عن تعليل ادعاءاتها، مكتفية بردود مقتضبة بدت وكأنها "مُلقّنة" أثناء استضافتها في "بيتها" الذي تكشّف فيما بعد أن اللقاء تم في مقر وزارة الداخلية المصرية.


وأصدرت الهيئة العامة للاستعلامات (مؤسسة حكومية) عدة تقارير متتالية، خلال الأيام القليلة الماضية، تكذّب فيها مجمل تقرير بي بي سي، ومطالبتهم بالاعتذار، وسط مخاوف من أنباء متداولة بشأن "الاتجاه نحو غلق مكتب بي بي سي في القاهرة، وحجب موقعها الإلكتروني"، أسوة بمئات المواقع الإخبارية المستقلة المصرية والعربية والدولية.

ودعا رئيس الهيئة، الكاتب الصحافي ضياء رشوان، في بيان الثلاثاء، جميع المسؤولين المصريين ومن يرغب من قطاعات النخبة المصرية، إلى مقاطعة هيئة الإذاعة البريطانية، والامتناع عن إجراء مقابلات أو لقاءات إعلامية مع مراسليها ومحرريها، حتى تعتذر رسمياً وتنشر رد الهيئة العامة للاستعلامات على ما ورد في تقريرها قبل يومين، وتضمن أخطاء وتجاوزات مهنية ومزاعم بشأن الأوضاع في مصر.
وأكدت الهيئة، في بيانها، أن "هذه المقاطعة لا تشمل ولا تمس حق بي بي سي وغيرها من وسائل الإعلام الأجنبية المعتمدة في مصر في الحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لعملها، فهذا حق أصيل لها، وواجب على الاستعلامات تسهيل حصولها عليه".
بل وكلف رشوان "المركز الصحافي للمراسلين الأجانب، باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة مع مكتب هيئة الإذاعة البريطانية في القاهرة، لمتابعة تنفيذ هذا القرار، طبقا للقواعد المنظمة لعمل هؤلاء المراسلين في مصر".

وسط كل هذا الزخم الإعلامي والسياسي حول قضية زبيدة بشكل خاص وقضية الاختفاء القسري في مصر بشكل عام، تواردت أنباء عن اعتقال والدة زبيدة التي أصرّت على موقفها من أن "ابنتها تعرضت للتهديد للظهور مع عمرو أديب وتكذيب الواقعة".

كما ترددت أنباء عن اتجاه النظام المصري لغلق مكتب "بي بي سي" في القاهرة وحجْب موقعها الإلكتروني، خاصة بعد البيان الأخير الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات، ظهر الأربعاء، والذي حمل رسالة "تهديد مبطنة" لبي بي سي، ونص على "ارتباطاً بالبيان الذي أصدرته الهيئة العامة للاستعلامات بشأن تقرير هيئة الإذاعة البريطانية الذي بثته ونشرته في 23 فبراير/شباط الجاري، وفنّدت ما جاء فيه من أخطاء وتجاوزات مهنية ومزاعم بشأن الأوضاع في مصر، خصوصاً الادعاء الكاذب بالاختفاء القسري للمواطنة المصرية زبيدة إبراهيم أحمد، وهو ما أكد كذبه نهائياً اللقاء التليفزيوني الذي أجراه معها الإعلامي المعروف عمرو أديب يوم 26 فبراير/شباط".
وأعلنت الهيئة أنها "قامت بترجمة كامل اللقاء إلى اللغة الإنجليزية وبادرت بإرسال وتوزيع وبث هذا اللقاء المترجم بصورة واسعة لكي يصل إلى مختلف الجهات الإعلامية وأوساط الرأي العام خارج العالم العربي، من أجل تعريفهم بزيف الادعاءات المرتبطة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، والتي يعد تقرير مراسلة الـ "بي بي سي" نموذجاً مثالياً لها".
وجددت الهيئة مطالبتها لبي بي سي بالاعتذار "الفوري عن التزييف الذي ورد في تقرير مراسلتها"، وأن "تأخذ في الاعتبار بجدية وسرعة ملاحظات وانتقادات بيان الاستعلامات المهنية لما ورد في التقرير المعيب، وأن تتخذ كل ما هو لازم من إجراءات مهنية وإدارية لتصحيح ما ورد فيه من أخطاء وتجاوزات، وفقاً لكودها المهني والقواعد التي تعتمدها هيئة الإشراف على الإعلام المرئي والمسموع البريطانية المستقلة المعروفة بـ"أوفكوم (Ofcom)".


تزامناً، جاءت الدعوى القضائية التي أقامها المحامي المعروف بتقديم بلاغات كيدية، سمير صبري، أمام محكمة القضاء الإداري، طالب فيها بترحيل أورلا غويرين مراسلة الإذاعة البريطانية بالقاهرة، ومعدة برامج بقناة "بي بي سي" إلى خارج البلاد.
وقال صبري، في دعواه، "بثَّت هيئة الإذاعة البريطانية BBC، تقريرًا كاذبًا، أعدته أورلا غويرين، المراسلة السابقة للإذاعة البريطانية بالقاهرة، ونشرته قناة BBC- وهي قناة، بحسب الدعوى، عميلة تعمل ضد مصر وتتعمّد نشر أخبار عارية من الصحة، عن اختفاء الفتاة "زبيدة" قسريًا، عبارة عن لقاء مع والدتها قالت فيه وادّعت كذباً، إن ابنتها اعتقلت وهي بالقرب من إحدى التظاهرات الإخوانية التي لم تشارك بها عام 2014، ومكثت في السجن 7 أشهر من دون محاكمة، وتعرضت للضرب والتعذيب والاعتداء الجنسي من قِبَل عناصر الشرطة".
وأضاف: "لم تكن هي الحالة الأولى للقناة، ولكن سبقتها محاولات عديدة من جماعة الإخوان، للترويج لاختفاء مجموعة من الأشخاص قسريًا، والاستعانة بفضائيات مثل "بي بي سي" لهذا الغرض؛ بهدف زعزعة الاستقرار في مصر، وأن تلك الجماعة الإرهابية والمنبثقة من رحمها، وراء هذه الشائعات، تشن حملة دعائية ضخمة بتمويل من التنظيم الدولي؛ لاستغلال عدد من منظمات المجتمع المدني، سواء الدولية أو المحلية، والترويج بوجود حالات اختفاء قسري في مصر؛ من أجل تشكيل ضغط على الحكومة المصرية، وغَلّ يدها عن إحباط مخططات التنظيم لبث الفوضى في البلاد في هذا التوقيت، قبيل الانتخابات الرئاسية"، بحسب ادّعائه في الدعوى.
المساهمون