تخوض شركة "فيسبوك" حرباً على أكثر من جبهة في تعاملها اليومي مع المحتوى، من الأخبار الكاذبة إلى الكراهية والتطرّف والتحريض. لكن لطالما كان موضوع وضعية المشرفين على المحتوى في "فيسبوك" أقل ضجة في النقاش العام، بالرغم من طبيعة عمل هذه الفئة والضغوط النفسية والمالية التي تعيشها بصفة يومية. أخيراً، نشرت جامعة نيويورك تقريراً يدعو شركات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "فيسبوك"، إلى التوقف عن الاستعانة بالمشرفين الخارجيين من جهات خارجية، وإصلاح وضع هذه الفئة من الموظفين. في الوقت الحالي، العديد من أولئك المشرفين، أي المكلفين بالفرز والإجابة عن التبليغات، هم متعاقدون من خارج شركات الإنترنت، ولا يحظون بنفس الرواتب والمزايا الصحية والامتيازات الأخرى التي ينالها الموظفون بدوام كامل في شركات وادي السيليكون. ويقول نائب مدير مركز جامعة نيويورك ستيرن للأعمال التجارية وحقوق الإنسان ومؤلف التقرير، بول م. باريت، إن الوقت قد حان لشركات التكنولوجيا لإعادة تقييم هذا النظام، ويرى أن المشرفين هم فئة مهمّشة من العمّال.
مجهود كبير وضغوط نفسية
يتم تكليف مشرفي المحتوى بالتدقيق في ما يسميه باريت "أسوأ ما يقدمه الإنترنت". يركّز عملهم غالباً على استئصال العنف وخطاب الكراهية واستغلال الأطفال وغير ذلك من المحتوى "الضار". بينما طوّر "فيسبوك" برنامجاً منفصلاً للتحقق من الحقائق، إذ يتعاون مع المؤسسات الإخبارية لكشف التضليل والأخبار الكاذبة حول المواضيع الحساسة، مثل كورونا والانتخابات. ونقل موقع IOL التقني الجنوب أفريقي عن باريت قوله إن "الإشراف على المحتوى ليس هندسة، أو تسويقاً، أو ابتكار منتجات جديدة رائعة. إنه عمل شاقّ"، و"يوفر الاستعانة بمصادر خارجية الإنكار المعقول". وفقاً للتقرير الجديد، يراجع مشرفو محتوى "فيسبوك" المنشورات والصور ومقاطع الفيديو التي تم الإبلاغ عنها بواسطة الذكاء الاصطناعي، أو التي أبلغ عنها المستخدمون، نحو 3 ملايين مرة في اليوم.
ويعمل في "فيسبوك" نحو 15 ألف مشرف محتوى بشكل مباشر أو غير مباشر. إذا كان لديهم ثلاثة ملايين منشور للإشراف يومياً، فهذا يعني 200 لكل شخص، أي 25 لكل ساعة في مناوبة مدتها ثماني ساعات، ما يعني أن لدى كل مشرف أقل من 150 ثانية لتحديد ما إذا كانت المشاركة تستوفي معايير المنتدى أو تنتهكها. يعني هذا كثيراً من ضغط الوقت، تقول مجلة "فوربس"، فماذا لو كان المنشور المطلوب مراجعته مقطع فيديو مدته 10 دقائق؟ قد يعني هذا أن المشرف قد لا يملك سوى ثوانٍ للتدقيق في المنشورات الأخرى، وهي مهمة ليست سهلة. واعترف الرئيس التنفيذي، مارك زوكربيرغ، في كتاب أبيض، بأن المشرفين "يخطئون في أكثر من حالة واحدة من بين كل 10 حالات، وهذا يعني 300 ألف مرة في اليوم".
زمن كورونا أظهر أهمية المشرفين
ظهرت أهمية دور المشرفين خلال جائحة كورونا. فمع إرسالهم إلى المنزل بالتزامن مع فترة الحجر والتباعد، ومن دون توفير التكنولوجيا المناسبة والاتصال ومتطلبات الأمان، سيطر نظام "فيسبوك" الآلي على التحكم الكامل. وتسبب هذا الإجراء في كارثة ظهرت ملامحها في حظر المنشورات أو حذفها حتى لو كان مصدرها موثوقاً، مثل المؤسسات الإعلامية الكبرى، فضلاً عن مشاكل واجهها ملايين من مستخدمي "فيسبوك" الفرديين.
ترامب يطلق صرخة المشرفين
انضم المشرفون إلى الغضب داخل شركة "فيسبوك" الذي أثاره إصرار مديرها زوكربيرغ على التسامح مع منشور للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اتهم بتحريض الشرطة ضد المتظاهرين. وكتب المشرفون خطاباً مفتوحاً يدعم استياء زملائهم بعدما رفض زوكربيرغ حذف منشورات من ترامب يعتقد كثيرون أنها خرقت سياسات الموقع بشأن التحريض على العنف.
الرسالة تابعت: "كمقاولين خارجيين، تمنعنا اتفاقيات عدم الإفشاء من التحدث بصراحة عما نقوم به ونشهده في معظم ساعات اليقظة". ويضيف الخطاب المفتوح: "لا يمكننا الخروج، ولكن لا يمكننا البقاء صامتين، فيسبوك يمكن أن تكون أفضل".
وتقول صحيفة "ذا غارديان" البريطانية: "ظل كتّاب الرسالة مجهولين، ما يشير إلى الطبيعة غير المستقرة لعملهم، وعلاقة التعاقد مع "فيسبوك" التي تتم من خلال أطراف ثالثة".
تسوية أوضاع
طالب تقرير جامعة نيويورك بإنهاء الاستعانة بمتعاقدين خارجيين، وضمان أن جميع مديري المحتوى هم موظفون رسميون في "فيسبوك" مع رواتب كافية، ومضاعفة عدد المشرفين، بالإضافة إلى وضع الإشراف على المحتوى تحت إشراف أحد كبار التنفيذيين. وطالب بأن يوسع "فيسبوك" الإشراف في البلدان التي تعاني من نقص، ويرعى البحث في تأثيرات الصحة العقلية على إدارة المحتوى في العالم. ويجب على الشركة توسيع رقعة التحقق من الحقائق للحد من انتشار المعلومات الخاطئة. ويقول التقرير إنه من دون المشرفين، ستكون وسائل التواصل الاجتماعي غير قابلة للاستخدام.