لم تبد دروب السفر طويلة عندما قرر الصحافي اليمني أنور الركن (45 عاماً) مغادرة العاصمة صنعاء إلى بلدته في مدينة تعز (جنوب غربي البلاد)، لكنها كانت أطول مما أيقنه بعد اختطاف دام لنحو عام تقريباً من قبل الحوثيين خلال سفره وحينها قرروا إيصاله إلى بلدته في مدينة الراهدة جثة هامدة.
تحكي روايات وثقها تقرير لمنظمة "سام للحقوق والحريات" (غير حكومي) فظائع ما يتعرض له المختطفون المدنيون منهم الصحافيون لدى الحوثيين في سجن "الصالح"، وهي مدينة سكنية حولتها الجماعة المسلحة إلى أحد المعتقلات الأكثر رعباً. قالت المنظمة عن السجن "من خلال الاستماع إلى أحاديث الضحايا، يتكشف للقارئ بشاعة السجن الذي قد يوازي في بشاعته سجن تدمر في سورية أو الباستيل في فرنسا، فكان لزاما ان تظهر للرأي العام المحلي والخارجي حقيقة هذا السجن، وبشاعة وقسوة ما يتعرض له المعتقلون فيه من أصناف تفوق الوصف من التعذيب".
ويسرد أحد أقارب الصحافي أنور الركن كيف تعرض الأخير لمعاملة قاسية في السجن توفي بسببها بعد ثلاثة أيام من إطلاق سراحه، قائلاً "كان جسمه هزيلاً وأخبرنا أنور أنه كان يتم حقنه بمادة الأسيد وكان قد فقد القدرة على التحدث ولا يستطيع شرب الماء". ويضيف "قمنا بإسعافه إلى إحدى العيادات في المنطقة، لكن الطبيب أفادنا أن جسم أنور لا يتقبل العلاج فتوفي في يونيو/ حزيران من العام 2018، أي بعد ثلاثة أيام من إطلاق سراحه".
ولاقى خبر وفاة الركن جراء تعذيبه ردود أفعال غاضبة، ونددت نقابة الصحافيين اليمنيين بجريمة مقتله، محملةً مليشيا الحوثيين المسؤولية الكاملة. وفي منتصف يونيو/ حزيران من العام 2018 أكدت "مراسلون بلا حدود" أن الحوثيين تركوا الصحافي أنور الركن يهلك أثناء الأسر دون تمكينه من الرعاية التي يحتاجها أو حتى إخطار عائلته في الوقت المناسب. وقالت المسؤولة عن مكتب الشرق الأوسط في المنظمة صوفي أنموث "لا شيء يمكن أن يبرر ما يتعرض له الصحافيون من اعتقال تعسفي وتعذيب".
ويروي الصحافي تيسير السامعي قصة احتجازه لأكثر من خمسة أشهر في سجن الصالح، وكشف عن تعرض المعتقلين للتعذيب والتحرش الجنسي وممارسات "لاأخلاقية". ويقول "عايشت سجناء واستمعت لمعاناتهم فبعضهم تعرض للتعذيب والإهانة والبعض تعرض للتحرش الجنسي وأشياء فظيعة جداً". ويضيف "هذا السجن سيئ للغاية، أغلب الذين اعتقلوا في تعز يتم ترحيلهم إلى هذا السجن، ويفتقر إلى المقومات الإنسانية، لا فرش ولا أغطية، ومعظم المعتقلين ينامون على البلاط، وإذا ما حصلوا على بطانية فهي صغيرة وقذرة للغاية. أغلق الحوثيون نوافذ السجن ولم يبقوا غير فتحة صغيرة، الصرف الصحي سيئ للغاية، تفشت حشرات معدية بشكل فظيع جداً، كما أن النظافة لغرف السجن لا تتم، ولا يسمح الحوثيون للسجناء بالنظافة ولا يوفرون لهم أدواتها".
ويتابع السامعي "ما يقدم للسجناء من الطعام قليل وسيئ جداً، ولا يسمح بإدخال الطعام للسجين من ذويه، تشعر بالجوع داخل السجن ولا تجد ما تأكله. العناية الصحية أيضاً منعدمة تماماً، فإذا حدث للسجين أي طارئ لا يجد من يعالجه. هناك شخص يزعم أنه مساعد طبيب وهو لا يفقه بالطب، وإذا حضر إلى المريض لا يعطيه غير المهدئات البسيطة".
وكان الحوثيون قد أفرجوا عن السامعي بعد أكثر من خمسة أشهر على اختطافه في يونيو/ حزيران من العام 2017 ضمن صفقة لتبادل الأسرى وكان الحوثيون قد ألزموه بعدم مزاولة مهنة الصحافة مرة أخرى.
ولم يعلم بدر، وهو شقيق الصحافي فهد سلطان المطلوب لدى الحوثيين، أن سفره إلى صنعاء لحضور دورة تدريبية سيوقعه في أحد المعتقلات في المدينة في العاشر من يوليو/ تموز من العام 2016.
ويروي الصحافي فهد سلطان كيف تمكن الحوثيون من اختطاف شقيقه "التقط صورة تذكارية على هامش الدورة مع قيادي في حزب المؤتمر الذي كان حينها حليفا للحوثيين ومن خلال تلك الصورة تمكن عناصر أمن تابعون للحوثي من الإمساك به، وسجنه، ومنذ ذلك الوقت نقلوه بين عدد من المعتقلات في صنعاء كان أولها سجن البحث الجنائي وآخرها سجن الثورة، وقبل شهرين نقل إلى سجن الصالح بتعز".
وتابع "تعرض شقيقي لتعذيب شديد في المعتقلات التي مر عليها، ولكن زاد التعذيب بشكل رهيب في سجن الصالح الذي نقل إليه في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي وأصبحت زيارته مستحيلة، وإذا تمت، يشاهدونه عن بعد خمسة أمتار لا يستطيعون سماع صوته وبينهم سياج حديدي إضافة إلى أن الجنود يمنعونهم من الحديث".
من جانبه، يقول رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات توفيق الحميدي، إن الصحافيين يتعرضون للانتهاكات الممنهجة والمتعددة من قبل أطراف الصراع في البلاد، ووصف ما يتعرض له الصحافيون في سجن الصالح بالجريمة ضد الإنسانية وانتهاك لحرية الكلمة.
ويعتبر الحميدي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كافة أطراف الصراع في البلاد تنتهك حرية الصحافة دون أي تحفظ، وأنه كان هناك تفاوت في نسبة ونوع الانتهاك سواء في عدن أو تعز أو حضرموت أو مأرب. ويشير إلى أن هناك معلومات لوجود صحافيين آخرين محتجزين في سجن الصالح. ويضيف "الحوثيون لا يفرقون بين مدني ومقاتل، صحافي وأكاديمي وعسكري، الجميع في سلة واحدة بنظرهم، يسعون لجعلهم ضمن صفقة تخدم مصالحهم، دون اعتبار المسميات والمصطلحات القانونية، يكفي أن تكون معارضاً لهم، وقد فرضوا هذه الصيغة أيضا في اتفاقية استوكهولم التي لم ترَ النور بسبب هذا التداخل الخطير".