استمع إلى الملخص
- يركز الركابي على مفهوم العائلة وصراعاتها، حيث يعتبرها جنة تحمي الفرد وجحيمًا يحرق خصوصيته، ويظهر هذا الاهتمام في كتاباته التي تتناول الصراعات الداخلية والخارجية للعائلات.
- يؤمن بأهمية التعاون في الكتابة من خلال غرف الكتابة، ويطمح للإخراج والتأليف للسينما، متأثرًا بتجارب كتّاب السيناريو العرب مثل وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة.
تخرّج السيناريست والمخرج الشاب مصطفى الركابي من معهد الفنون الجميلة (البصرة) عام 2014. صدرت له مجموعة مسرحية في العام نفسه عنوانها "حفل الافتتاح القصير". كتب سيناريوهات أفلام قصيرة مع زملاء له، أنتجها وأخرجها فنانون عديدون، ثمّ تفرّغ لكتابة سيناريوهات مسلسلات، منها "كما مات وطن"، و"تسجيل خروج"، و"العدلين"، و"الكهف". آخر عمل له مسلسل "الجنة والنار" الذي اعتبره الجمهور خارج التقاليد المعتاد عليها في الدراما العراقية.
"الجنة والنار" الذي أخرجته أجمع الجمهور على أنّه مختلف. ما طبيعته؟ ما الذي جعل الاتفاق عليه بهذا الشكل؟
لم أسلك طريق المغايرة من باب الترف الفني وهوس التجريب. المُشاهد العراقي اعتبره مختلفاً مقارنة بأعمال عراقية أخرى اعتادها في سنين طويلة، بينها عدد كبير من مسلسلات مؤثّرة ومُهمّة كتبها وأخرجها كبار، وتركت أثراً عميقاً في الناس. أذكر دائماً أنّ المصنع العراقي للدراما يعاني عطلاً كبيراً في السنوات الأخيرة. أضاع بوصلته، وأصبح لا يُفرّق بين مواده الأولية ونوع الدراما التي عليه تقديمها. بذلك، خسر كلّ من كان يعتمد عليه في شحن خياله وأحاسيسه. نحن، ممثلين ومخرجين وكتّابا ومُصوّرين وأساتذة وغيرهم من المهووسين بالفن، أصدقاء من كلّ مكان في العراق، بدأنا بعد حرب الموصل أول خطوة. صُدمنا بشكل المصنع وقوانينه، وأسلوب العمل فيه. هذا لم يكن ما تمنّيناه أبداً. أغلب المُتحكّمين بالإنتاجين الرسمي والخاص من جيل واحد، يُفكّرون بالطريقة نفسها رغم أنّهم مقسومون إلى قسمين. قبل ثلاثة أعوام، قرّرنا الانفصال تماماً، ومقاطعة أعمال الشركات والمؤسّسات الحكومية التي تعمل بهذه الطريقة، إذ تعتبرنا مُنفّذين لرؤاها لا أكثر. لم نكن نريد مواجهة ما يحصل بالكتابة عنه، أو مهاجمته، لأنّ الجمهور في كلّ موسم درامي كان يشفي غليلنا بردة فعله ضد المُتحكّمين في السوق الفنية، مع وجود استثناءات كما أسلفت.
بدأت التأليف مع مسلسل "كما مات وطن". الفكرة مختلفة أيضاً في سياق الأفكار التي تناولت "انتفاضة تشرين" (2019). أهذه انطلاقتك الأولى؟
تخرّجتُ من معهد الفنون الجميلة في البصرة عام 2014. صدرت لي مجموعة مسرحية في العام نفسه بعنوان "حفل الافتتاح القصير"، ثم بدأت كتابة سيناريوهات أفلامٍ قصيرة أنتجها وأخرجها مخرجون سينمائيون في العراق. ثم كتبت سيناريوهات مسلسلات عام 2016، وتعاقدت على أول مسلسل "تسجيل خروج" عام 2018. أعتقد أنّ مطحنة "تشرين" العظيمة، التي أزالت قشورنا وأخرجت اللُبّ (الصالح والطالح)، وضعتني كجميع الشباب أمام خيارين: الهجرة والهرب من جحيم هذا البلد، أو بداية جديدة تجعلنا نبنيه. لا أقصد بالبناء بناء الوطن كلّه، بل مأسسة عملنا كأفراد، وإنشاء مجتمعات صغيرة منظّمة يُمكنها المساهمة، بعد 10 أو 20 سنة، في استقرار الوطن، لنعيش كما يعيش الناس. في فترة "تشرين"، كتبت فكرة حلقة "طابق 15"، لافتة اعتراض سجّلتها كنوع من المشاركة في "تشرين". كان مُقرّراً إنتاجها وعرضها في ساحة التحرير في الاعتصام، لكنّ العرض تأجّل إلى الموسم الرمضاني، ما حوّلها من مجرّد لافتة ثورية فنية إلى حلقة تلفزيونية، تُعرّف الناس على كاتب سيناريو جديد.
كتبت مسلسلات عراقية في السنوات الثلاث الأخيرة. ما الذي يجمع بينها من حيث الفكرة؟ هل استطاع الإخراج معالجتها كما تريد؟
العائلة هوسٌ يُعشش في خيالي. منها تنطلق الأفكار. كأنّي أعادل بين العائلة في الشرق والفرد في الغرب. أعتقد أنّ العائلة تُكوّن شخصية خاصة بها من مجموعة أفراد، عكس الفكرة الغربية التي تُعامل الفرد على أنّه مجموعة شخصيات وأفكار. أرى أنّ العائلة جحيم يحرق خصوصية الفرد، وجنة تحمي الفرد من الوحدة والوحشة. يُشغلني صراع العائلة التي تريد من أفرادها الانصياع للقوانين، من أجل سُمعة موحّدة لجميع أفرادها. كما يشغلني الفرد الذي يريد أنْ يهرب من ذلك كلّه، لكنّه يخلق لنفسه عائلة جديدة يتحكّم بها، ويُعيد القصة نفسها. تُشغلني العائلة السياسية والدينية، والعائلة الغنية والعائلة الفقيرة، وكلّ العوائل التي تتصارع مع ذاتها ومع الآخرين. أمّا عن تحقيق المخرجين رؤية الأعمال، فنادراً ما تجد مُخرجاً يُفكّر بالرؤية العامة أو يهتمّ بها. أغلب المخرجين، عند قراءتهم السيناريوهات، يهتمّون بمَشاهد وحوارات، وبالشخصية الفلانية والممثل الفلاني (طول هذا وقِصَر ذاك. احذفْ هذا وهات تلك)، حتى ينتهي العمل ويُعرض للمُشاهدين، فيكون عبارة عن مسلسل للممثل الفلاني أو الممثلة الفلانية، بغضّ النظر عن الفكرة.
تشترك مع كتّاب شباب في الكتابة، من خلال غرفة الكتابة. ما جدوى هذه الغرفة بالنسبة للكتّاب الشباب؟
الجدوى كبيرة في مستويين: الأول، أنّ جوهر اختلاف كاتب السيناريو عن كاتب أيّ جنس أدبي آخر أنّه يؤمن بفكرة الصناعة في الدراما والسينما، وفي أنّ المادة الدرامية لا تُعبّر عن فكر كاتب السيناريو ومشاعره فقط، بل إنّ هناك ممثلاً ومخرجاً ومُصوّراً وغيرهم هم عناصر فنية أساسية لتكتمل الفكرة. هذا يعني أنّه ليس ضرورياً أنْ تخرج الأصوات في السيناريو من كاتب واحد. ربما يخلق الكاتب الرئيسيّ الجوهر والسياق والروح العامّة للقصّة، لكنّه يحتاج إلى كتّاب لتقديم شخصيات يختلف بعضها عن البعض الآخر، وتدخل في صراع حقيقي لا ينبع من حاكمٍ واحد. هذا يعني أنّ انعكاس الورشة على النتيجة النهائية إيجابيٌّ ويُغني القصة.
لا يزال تسويق المسلسلات العراقية يعاني تلكؤاً. ما سبب ذلك؟
لأنّ أغلب المسلسلات العراقية لا تُصنع لتُشَاهَد، بل تُنتَج لتوفير منحة أو مبلغ يُعتبران مقاولة لإنتاج مشروع سريع. السؤال: هل نستطيع كتابة قائمة مسلسلات عراقية عظيمة ظلمها التسويق في هذا الزمن؟
هل تفكر في الإخراج أو التأليف للسينما؟
نعم أفكر، لكنّ هذا متروكٌ للزمن، خاصة أنّي أعتقد أنّ جوهر الاختلاف بين السينما والدراما ليس الإنتاج والسوق فقط، بل الموضوع. أقصد أنّ هناك مواضيع ومعالجات لا يُمكن تقديمها في الدراما المتسلسلة، لكنّها تصلح لأنْ تكون فيلماً. منذ طفولتي، أعشق فكرة المسلسل. أميل إلى القصّة والبطل الذي يعيش معي أياماً طويلة، ويُقدّم لي يومياً خطوة جديدة في القصّة نفسها. أميل إلى القصص المتسلسلة أكثر من القصص التي ترمي نفسها دفعةً واحدة.
أي كتّاب سيناريو، في العراق والعالم العربي، تتوقّف عندهم؟
شاهدت ما أنتجه معظم كتّاب السيناريو العراقيين والعرب، في سورية ومصر والعراق ولبنان والكويت. كنت أتابع ما يُنجز، وما إنْ تتوفّر المسلسلات والأفلام القديمة على "يوتيوب" ومنصّات أخرى أشاهدها لأتعلّم وأفهم الفرق بين كاتب وآخر، وبين اتّجاه وآخر. غالباً يكون الكتّاب سبب خلق موجة/تيار فنّي مغاير. أركّز هنا على كتّاب السيناريو فقط، وأستثني المخرجين الذين كتبوا أفلامهم (وهم كتّاب طبعاً). أعتقد أنّ تجربة الكتابة والإخراج تختلف عن تجربة التخصّص بالكتابة فقط. أحبّ في تجربة وحيد حامد أنّه حوّل كتابة السيناريو إلى مشروع ممتدّ، ولم يكتفِ بإبداعه على الورق، بل تدخّل في السوق. كان يطلق مشاريع، أو يساهم في إطلاقها. كما أنّه أسّس شركته الخاصة للإنتاج، واستطاع إنجاز مشروع فني متكامل بأفلامٍ كبيرة ومُهمّة. أحبّ في أسامة أنور عكاشة الحوار الذي يستخدمه، والذي يخرج من أفواه شخصياته فيخلق للناس خيالاً يوازي المشهد البصري الفقير. أحبّ في مريم نعوم تبنّيها فكرة الورشة، وفرض رؤيتها النسائية التي كسرت نمطية المرأة في الدراما، إذْ كان كتّابٌ ذكورٌ يكتبون غالبية الشخصيات النسائية. أتوقّف عند تجربة عبد الرحيم كمال، الواقعية السحرية المتأثّرة بالموروث الغني لغوياً وفنياً. أحبّ في تجربة الكاتب السوري سامر رضوان أسلوبه في كتابة الدراما السياسية، الملغومة والمؤثّرة في الوقت نفسه، وأشدّد على مؤثّرة، لأن التجربة العراقية في صناعة دراما سياسية خسرت فكرة التأثير، واكتفت بتأثير فكري. أمّا في العراق، فأتوقّف كثيراً عند النتاج الغزير والغني للكاتب صباح عطوان، الذي أحبّ في نصوصه اعتماده على الحوار، باعتباره أداة صراع وحيدة تقريباً. أتوقّف كثيراً أيضاً عند تجربة معاذ يوسف، خاصةً في بعض أعماله التلفزيونية القصيرة.