ورقة حقوقية عن مراقبة الإنترنت: "مصر في مصاف الدول البوليسية القمعية"

15 فبراير 2020
قانون مراقبة الاتصالات بمصر فرض رقابة على جميع المواطنين(Getty)
+ الخط -

أصدر مركز "هردو لدعم التعبير الرقمي" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، السبت، ورقة موجز سياسات عامة بعنوان "مراقبة الاتصالات والإنترنت في مصر... بين الحق في الخصوصية وحماية الأمن القومي"، ناقشت الإطار القانوني لعمليات المراقبة، والمدرج في متن القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات".

وأكدت الورقة أنّ "سمعة مصر الدولية على المحكّ، فضلاً عن هروب الاستثمارات الأجنبية واحتمالية ارتفاع تكلفة الخدمة، الأمر الذي يضع مصر في مصاف الدول البوليسية القمعية".

وفرضت المادة الثانية من قانون مراقبة الاتصالات، عملية مراقبة شاملة لجميع المواطنين، وألزمت مقدمي الخدمة بحفظ وتخزين سجلات أنشطتهم لمدة ستة أشهر كاملة، على أن يكون من حق مأموري الضبط القضائي الاطلاع على هذه السجلّات، بموجب أمر من سلطات التحقيق المختصة، فضلاً عن أحقيتهم في ضبط والدخول وتفتيش أنظمة المعلومات المختلفة بذات الشروط - الأمر القضائي- و"هو ما ينتقص بشكل فجٍّ من حق المواطنين في الخصوصية، المقرر في الدستور المصري طبقًا للمادة 57، وفي القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فضلاً عن مخالفة هذه القواعد للمعايير الدولية المتعارف عليها لعمليات المراقبة في ظل احترام حقوق الإنسان"، بحسب الورقة.

وقال المركز إنّ ذلك القانون جاء "بعكس الغرض الذي من المفروض أن تلتزم به عمليات المراقبة -وهو توجيهها لحماية المواطنين من الجرائم بالغة الخطورة التي تمس الأمن القومي، والتي من أجلها تم قبول تقنين المراقبة والتجسس رغم ما يمثلانه من انتهاك جسيم لحريات وحقوق المواطنين.


واستعرضت الورقة "التأثير السلبي لهذه السياسات القانونية والعملية على الدولة المصرية"، وقالت إن "تلك السياسات تضع مصر في مصاف الدول البوليسية القمعية، وهو ما قد يؤثر بدوره على اتفاقيات التعاون الدولي، واتفاقيات تصدير التكنولوجيا والأسلحة". 

وتعرضت مصر بالفعل لهذ النوع من العقوبات، خلال السنوات الأخيرة، على خلفية انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، بالإضافة لذلك تؤثر تلك السياسات على جذب الاستثمارات الأجنبية للبلاد، ولا سيما تلك المتعلقة بقطاعي الاتصالات والإنترنت، فضلاً عن الكلفة المالية التي يفرضها استخدام برمجيات تجسس ومراقبة واسعة النطاق، وهو ما يحمل موازنة الدولة أعباء إضافية كان جديرًا توجيهها للتعامل مع مشاكل ضعف الإنفاق على الصحة والتعليم.

واقترحت الورقة بديلين للسياسات الحالية؛ يتعلق أولهما بتعديل بعض مواد القانون 175 لسنة 2018 بما يتوافق مع المعايير الدولية لمراقبة الاتصالات والإنترنت في ظل احترام وحماية حقوق الإنسان، فضلاً عن التوصية بالوقف الفوري لعمليات المراقبة غير القانونية التي تطال المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والمعارضين والمعارضات السياسيين وغيرهم.

وطالب "مركز هردو"، السلطات المعنية باحترام الدستور المصري الذي حفظ حق المواطنين والمواطنات في الخصوصية، والتوقف الفوري عن السياسات الحالية التي تهدر هذه الحق وتضرُّ بسمعة البلاد في الخارج، وتوثر على قدرة مصر على جذب الاستثمارات الخارجية.


ومن حيث التأثير على سمعة مصر أمام المجتمع الدولي، قالت الورقة: "تتعرض مصر بشكل مستمر لانتقادات دولية، سواء من هيئات رسمية، مثل: الآليات الدولية لحقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة أو من منظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان، علــى خلفية عمليات المراقبة والتتبع التــي تطاول المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر بشكل مستمر". 

وعن هروب الاستثمارات الأجنبية، لفتت الورقة إلى "تعاظم الاستثمار في قطاع التكنولوجيا والاتصالات في السنوات الأخيرة بشكل مطرد، والتي يتعين على أي دولة تسعى لجذب الاستثمارات أن تولي اهتماماً خاصاً بهذا القطاع، وتوفر له مناخاً صحياً وحراً للعمل، ولكن ما تؤدي إليه السياسات الحكومية الحالية في التعامل مع مسألة المراقبـة هو على العكس تماماً، بـل إن هـذه الممارسات المتزايدة سببت هروب جزء من شركات التكنولوجيا الكبرى من مصر". 

إلى جانب أن هذه القوانين "تمثل حملاً ثقيلاً على موازنة الدولة"، قالت الورقة "تتحمل الدولة تكاليف شراء وإدارة وتشغيل برمجيات التجسس والاختراق التي تستخدمها الأجهزة الرسمية في عمليات المراقبة".

ولفت المركز إلى عدم وجود رقم دقيق عن تكاليف هذه البرمجيات؛ نظرا للسرية التي تحاط بها صفقات شرائها، وكونها لا تدرج كبنود مفصلة داخل ميزانية الدفاع والأمن، لكنه استدل على ما تتكبده موازنة بالدولة بمراجعة أسعار التقنيات التـي يرجح أن السلطات المصرية تستخدمها، وهي أسعار معلنة من قبل الدول الأخرى التـي اشترت هـذه التقنيات، علـى سبيل المثال: تقنيـة بيغاسوس التي تنتجها مجموعـة "إن إس أو" الإسرائيلية، والتي يرجح أن الحكومة المصرية تملكها وفقاً لعـدد من التقارير الصحافية، تبلغ قيمتها السوقية 55 مليون دولار، أي ما يقارب 900 مليون جنيه مصري.


وفي يوليو/تموز 2017، كشفت مجلة "تيليراما" الفرنسـية عن صفقة جرت بمساعدة إماراتية مـع شركة "أميسيس"، حصلت بموجبها الحكومة المصرية على نظام "سيريبر" للمراقبة الإلكترونية واسعة النطاق. وبلغت تكلفة الصفقة (10 ملايـين يـورو)؛ ما يعادل 180 مليون جنيه، وهي ذات الصفقة التي أشارت إليها "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" فـي تقريرها السنوي لعام 2017؛ إذ اعتبرت أن تلك الصفقة "ليست إلا حلقة ضمن سلسلة طويلة من محاولات السلطات المصرية - على تعاقبها- لمراقبة مستخدمي الإنترنت".

المساهمون