الجزائر: كورونا يخلي غرف التحرير ويغيّر الأولويات

27 مارس 2020
اعتمد الإعلام استراتيجية العمل عن بعد (بلال بنسالم/NurPhoto)
+ الخط -
وجدت المؤسسات الصحافية في الجزائر، من صحف ومواقع إخبارية وقنوات، نفسها مضطرة إلى التكيّف مع تطورات الوضع الجديد وأزمة انتشار جائحة كورونا، سواء على مستويات إدارة فريق التحرير والفرق الفنية وتعديل طريقة العمل إلى العمل عن بعد، أو على مستوى تعديل البرامج والأولويات الإخبارية التي بات فيروس كورونا يتصدرها.

إخلاء قاعات
لم يعد صحافيو "الخبر" (كبرى الصحف الصادرة في الجزائر)، يترددون على المقر، باستثناء عدد محدود من المسؤولين في هيئة التحرير. فقد فرض تفشي فيروس كورونا على عدد كبير من الصحافيين عدم الذهاب إلى مقار العمل والتحول إلى العمل عن بعد، تفادياً للاتصال ولتقليل الاحتكاك داخل المقرات والمراكز الصحافية، إذ بادرت إدارة الصحيفة إلى الإبقاء على الحد الأدنى من الصحافيين في المقر المركزي، من خلال رؤساء الأقسام فقط، بينما يعمل باقي الصحافيين عن بعد، حيث ينجزون تقاريرهم ويرسلونها إلى هيئة تحرير الصحيفة دون الحضور كما في السابق.
ليست "الخبر" وحدها في هذا السياق. فقد أنجزت إدارة تحرير الموقع الإلكتروني لصحيفة "الشروق"، من جانبها، قاعة تحرير افتراضية للصحافيين للمساعدة على العمل عن بعد، تكيّفاً مع الظرف الراهن وحفاظاً على السلامة البدنية للصحافيين. وقال مدير الموقع نسيم لكحل لـ"العربي الجديد"، إنّه و"مباشرة بعد زيادة خطر فيروس كورونا في الجزائر، بادرتُ كمدير لبوابة (الشروق) الإلكترونية باتخاذ قرار سريع يتضمن تشكيل قاعة تحرير افتراضية تشمل جميع موظفي الموقع بما في ذلك الصحافيين وفريق الغرافيك والمكلفين بالخدمات التفاعلية"، مشيراً إلى أنّ هدف القرار بدرجة أولى هو حماية كل أعضاء فريق العمل من الفيروس وتجنب الاحتكاك بين الزملاء في قاعة التحرير بالمقر ومع الناس بالنسبة للزملاء الذين يستخدمون وسائل النقل، فـ"حماية الزملاء هي حماية أيضاً لعائلاتهم من عدوى محتملة، وحتى قبل الظرف الراهن كان الزملاء يعتادون على العمل عن بعد في الحالات الاستثنائية، وهذا ما ساعدنا على التكيف السريع مع أزمة كورونا، لكننا اضطررنا هذه المرة لنقل بعض أجهزة العمل إلى منازل الزملاء، خصوصاً أجهزة الإخراج الفني".
ويضيف نسيم "استخدمنا منصتين رئيسيتين للتواصل بين جميع الزملاء؛ المنصة الأولى تتعلق بتنظيم العمل وتقديم التوجيهات والاقتراحات، والمنصة الثانية مخصصة لتبادل المعلومات والمستجدات حول فيروس كورونا. وبعد أسبوع كامل من العمل في هذه القاعة الرقمية، أستطيع أن أؤكد نجاح هذه التجربة التي كانت ملهمة للعديد من المؤسسات الصحافية الأخرى وحتى غير الصحافية للاقتداء بها، وأيضاً شجعتهم على اتخاذ قرارات مماثلة بعد فترة تردد". ويعتقد مسؤول الموقع الإلكتروني لـ"الشروق"، أنه و"على عكس ما يتصوره البعض، فقد ساهمت هذه القاعة الافتراضية في التقريب أكثر بين الزملاء سواء في علاقة العمل أو حتى من الجانب الإنساني بسبب نوعية المعلومات والنصائح المتبادلة".

برمجة مخصصة لكورونا
من جهة أخرى، كيّفت القنوات التلفزيونية في الجزائر برامجها مع الوافد الجديد إلى المشهد، إذ تأخرت الأخبار السياسية والرياضية وأخبار الحراك الشعبي، وباتت نشرات الأخبار تركز بشكل كامل على تطورات كورونا وأرقام الإصابات محلياً ودولياً، ومبادرات مجتمعية للمساعدة في الوقاية والحد من انتشار الفيروس. كما تحولت البرامج، بما فيها الرياضية، إلى الحديث عن الوباء وتدابير الوقاية وملاحقة أخباره وإطلاق حملات التوعية والتحسيس، واستضافة الأطباء والمختصين للحديث عن أعرض المرض وكيفية التعامل مع الوضع، إضافةً إلى استضافة المسؤولين الحكوميين للحديث عن مستجداته.
وخصص التلفزيون العمومي برامج كانت تغلب عليها المواضيع السياسية، كبرنامج "دائرة الضوء"، وبرامج رياضية كبرنامج "دوري المحترفين"، للحديث عن وباء كورونا من زوايا المجهود الدولي والمخاطر المترتبة عليه، وكذا تأثيره في المشهد الرياضي في ما يتعلق بتوقف الدوري المحلي والدوريات في مختلف أنحاء العالم، وكيفية وقاية الرياضيين من الوباء، ومدى مساهمة الرياضيين والأسماء المعروفة في حملة التوعية من الفيروس.
وانعكس الأمر أيضاً على المضمون الإخباري للصحف الجزائرية التي باتت أولى صفحاتها مخصصة لعناوين ذات علاقة بوباء كورونا وتطوراته محليا ودولياً، كما خصصت صفحات كاملة لمتابعة التدابير التي اتخذتها الحكومة المحلية لمواجهة انتشار كورونا، وكذا التركيز على النصائح الصحية والطبية الموجهة للعامة للوقاية من الفيروس.
وخصصت صحيفة "البلاد" صفحتها الأولى لأخبار كورونا وما يتعلق بالوضع الصحي في الجزائر أو بتداعيات أخرى متصلة بكورونا، كأزمة انهيار أسعار النفط، ووضع الأسواق والتموين بالسلع الأساسية وأسعارها في ظل المخاوف من انتشار كورونا في الجزائر.
وأنجز التلفزيون الرسمي عبر قنواته الخمس يوماً مفتوحاً لمواجهة كورونا، واستضاف خلال هذا اليوم مختصين في الطب والصحة والوقاية، ووزراء من مختلف القطاعات ذات العلاقة بإدارة أزمة كورونا، كما فتحت الإذاعة الحكومية قنواتها الثلاث ليوم مفتوح خصص لمواجهة كورونا والتدابير المتخذة وتحسيس المواطنين بالمخاطر من جهة وبواجبات دعم المجهود العام لمواجهة الفيروس​.
والأسبوع الماضي، أصدرت سلطة ضبط السمعي البصري بياناً، دعت فيه وسائل الإعلام المرئية إلى التقيد بما تنشره الجهات الرسمية بشأن المعلومات حول كورونا، وتفادي بثّ ما من شأنه إحباط معنويات المواطنين وإشاعة جو من عدم الثقة بينهم وبين مؤسسات الدولة، وحذرت السلطة من التعاطي مع شبكات التواصل الاجتماعي وعدم اتخاذها مصدراً رسمياً، والاكتفاء بنشر معلومات لها قيمة إخبارية وتفادي نشر خطابات التهويل والترويع.


تشديد الرقابة
شددت الحكومة الجزائرية إجراءات الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام المحلية بشأن نشر التقارير والمعلومات والإحصائيات حول الأزمة الوبائية وانتشار فيروس كورونا.
ونشرت وزارة الاتصال، الإثنين الماضي، بياناً تحذيرياً موجهاً إلى كافة وسائل الإعلام الوطنية بكافة أنواعها، أكدت فيه على ضرورة التقيد والالتزام بنشر المعلومات المتعلقة بتطور وباء كورونا من وزارة الصحة والهيئة العلمية المنصبة أخيراً، وتفادي التهويل الذي يضر الرأي العام.
واعتبرت الوزارة أنّ "كل ما سينشر خارج هذا المصدر سيعتبر تهويلاً وتغليطاً متعمداً مضراً بالمواطنين وبالرأي العام عموما يتحمل صاحبه المسؤولية القانونية والتبعات القضائية الصارمة"، وحثّت وسائل الإعلام الوطنية على "المساعدة في بعث الطمأنينة والمساعدة على تجاوز هذه المحنة العابرة".
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد انتقد بشدة خلال اجتماع الحكومة، الأسبوع الماضي، "الأقلام والأصوات الناعقة التي لا يحلو لها سوى التهويل والتشكيك والنيل من معنويات المواطن"، وأمر وزير الاتصال باتخاذ كل الإجراءات لمنع نشر أي إحصائيات عن وضعية حالات الإصابة في البلاد خارج الوزارة باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة بذلك.
ووجهت وزارة الصحة، الأحد الماضي، تعليمات مشددة إلى المسؤولين المحليين لقطاع الصحة بعدم التصريح بأي أرقام أو معلومات تخص عدد الإصابات بوباء كورونا على المستوى المحلي، وحصر هذه الصلاحية لدى الهيئة الوطنية لرصد ومتابعة انتشار وباء كورونا التي كلفها الرئيس تبون بذلك.