"طلائع النصر": معركة الصورة في سورية تدخل عصراً جديداً؟

28 فبراير 2015
يبدو "طلائع النصر" أول إنتاج متقن للثورة (فرانس برس)
+ الخط -
احتلت الصورة مكاناً مهماً في سياق الربيع العربي كإثبات لتضحيات شعوبه وإجرام حكامهم، ولم تكن الصورة تمر حينها بأي عمليات مونتاج أو إخراج معقدة، كان يكفي أن تخرج بشكلها الخام لتكون الأكثر تأثيراً. والثورة السورية أكبر شاهد على ذلك. على المستوى الإعلامي العسكري نجد محاولات إعلامية مهمة لفصائل مقاتلة كاتحاد أجناد الشام وجيش الإسلام ولواء الحق وهيئة حماية المدنيين وأحرار الشام، والأخيرة تحديداً تقدمت بشكل ملحوظ في إنتاجاتها التي كان آخرها الفيلم الذي نشرته من يومين، "طلائع النصر". عدا ذلك ظل الناتج الإعلامي الثوري ضعيفاً للغاية، ومكرراً، وبلا قدرة لا على التأثير ولا حتى على لفت الانتباه.
على عكس ذلك تماماً، كان إعلام "تنظيم الدولة الإسلامية"، صناعةً وترويجاً، يتقن إنتاجه بشكل عام، وبشكل خاص في إصدارات الإعدام المفجعة على مستوى الرسالة والمضمون. وعلى مستوى الصورة حقق له اهتماماً عالمياً وأنصاراً مقتنعين بأفكاره ويدافعون عنها مهما كانوا بعيدين عنه، ومهاجرين حلمهم الأكبر أن يصلوا إلى الفردوس الأرضي في دولة الخلافة.

لم ينتج تنظيم الدولة ومؤسساته الإعلامية الرئيسية نتاجاً واحداً من غير أن يحمله بالرسائل ويوجه إلى أحد ما، الأمر الذي كان يغفل عن إتقانه الإعلام الثوري. لكن فيلم "طلائع النصر"، الذي نشرته مؤسسة "رماح"، المؤسسة الإعلامية الحديثة والتابعة للمكتب الإعلامي لأحرار الشام يمكن أن يعتبر خروجاً عن ذلك.
وبما أن الفيلم يحمل رسائل موجهة واحترافا في الشكل والأسلوب كما إنتاجات إعلام تنظيم الدولة، فمن المفيد استحضار إصدار "فشرد بهم من خلفهم" للتنظيم وتحليلهما ومقارنتهما.

فيلم "طلائع النصر"

يوثق الفيلم لمعركة وادي الضيف ومعسكر الحامدية التي بدأت في 14 ديسمبر/كانون الأول 2014 وانتهت بشكل سريع ومفاجئ بالسيطرة على المعسكر الضخم.

[إقرأ أيضاً: "داعش" والإعلام: علاقة الحب والكراهية]

يبدأ الفيلم بكلام لسيد قطب يتحدث عن أن المهم ليس النصر الذي يجب ألا يُنشغل به، بل بالموقع بين الحق والباطل. ثم يظهر أبو شمس، الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهو يسير على أرضه التي كانت محتلة، ويتذكر أن من زرعها إخوته الشهداء. بأبسط الأفكار وأبعدها عن الغايات الكبرى وعن الأيدلوجيا تتعامل البداية مع شخصيات محلية مرتبطة بالأرض والزيتون.
بعد هذا المشهد يؤكد الشرعي (مصطلح اشتهر في الثورة السورية يعبر عن الذين يتكلمون في الشأن الديني) على أن الإعداد العسكري لا يكفي، وأنه لا بد من التوكل على الله وتوجه القلوب إليه. ثم يعرض الفيلم اللقطة الشهيرة لتفجر حاجز الصحابة والذي عملت عليه الجبهة الإسلامية، كما يعرض لقطات عسكرية من معارك مختلفة، واللافت أن أسماء الفصائل كانت موجودة على اللقطات رغم أن عرضها بدون شعاراتها أمرٌ ممكن تقنياً. واللافت بشكل أكبر أن بعض تلك الشعارات كان علم الاستقلال الذي لا ترفعه ولا تؤمن به الحركة. يقول المعلق إن تلك المعارك هي ما أسهم في أن يهدم السور وتسقط القلعة. ويذكر أن ذلك لأنهم من الثورة التي لا تيأس. وأخيراً يسمع صوت هاشم الشيخ أبو جابر، قائد أحرار الشام، يحكي عن النصر في المعركة وأنها طليعة نصر يتبعها طلائع. من كلمته يبدو أنه قد اختير اسم الفيلم.

[إقرأ أيضاً: فيديو "داعش" والأكراد: القتل ليس وحده إرهاباً]

أما إخراجياً فيعتمد العمل بشكل وثائقي على المعلق الصوتي VOICE OVER وببنية سردية تركز على الأحداث والشخصيات وبعرض مقلوب يعرف بـ REVERSE (من النهاية إلى البداية). فنياً، يبدو الكلام مهماً أيضاً، فالتقنيات المتقدمة في التصوير والمونتاج والغرافيكس والصوت تتركز في الفيلم بوضوح. في التصوير واضح استخدام كاميرات الـ DSLR لتصوير لقطات متقنة تظهر فيها الأجسام معزولة عن محيطها في مظهر سينمائي توفره هذه الكاميرات.
الغرافيكس يظهر شكلاً متقدما في الخريطة العسكرية. ويبدو الاهتمام واضحاً بالصوت وباستخدام طبقات متعددة من الصوت في وقت واحد، ومرونة التحكم بصوت الأناشيد المصاحبة وتنسيقها مع صوت السلاح والمقاتلين، واستخدام مؤثرات صوتية كصوت السيف والرصاص البعيد.



فيلم "فشرد بهم من خلفهم"

الفيلم الثاني هو "فشرد بهم من خلفهم"، الذي يوثّق فيه تنظيم "داعش"" لمعركة اللواء 93 في عين عيسى التي انتهت بالسيطرة عليه في 8 أغسطس/آب 2014. يبدأ الفيلم بمقاتل من التنظيم يقرأ القرآن خصيصاً للتصوير قبل أن ينظر للكاميرا مباشرة ليمكن ذلك من انتقال سلس إلى لقطات قتالية من المعركة. ومن البداية يظهر ركل أحد المقاتلين لرأس مقطوع، وتجمعهم حول أحد الأسرى بيدهم السكاكين. منذ البداية يؤكد التنظيم صورته التي يسعى للحفاظ عليها: الهوية الدينية الصلبة، والدموية والرعب.

[إقرأ أيضاً: "#هانضم_لداعش" عشان أعمل انقلاب على البغدادي!]

يتجمع مقاتلو التنظيم حول خريطة عسكرية يشرحها قائدهم الأجنبي، يحدد خلالها مكان دخول العربة المفخخة ومنفذها ـ في تأكيد على أسلوب الرعب أو تكتيك "القصف بالنسف" الذي يعتمده التنظيم لحسم معاركه الصعبة.
بعدها يتابع الفيلم، فيتجمع مقاتلو التنظيم حول رأس جندي مقطوع، ويسمع صوت يقول: "هذا جواب كل من يقول إننا لا نقتل النصيرية"، وكأنه رد على اتهامات الفصائل عن أن التنظيم لا يقاتل نظام الأسد.
يظهر الإصدار إعدام أحد الجنود المقيدين بعد جوابه على العبارة التي اعتاد مقاتلو التنظيم ترديدها "دولة الإسلام"، ليرد لا كما اعتادوا بـ "باقية" بل بـ "والله لنمحيا". استخدم إعلام الأسد المقطع بفاعلية بعد ذلك في دعايته ضد التنظيم.
أما من ناحية الإخراج فيعرض العمل الأحداث بشكلها المتتابع من البداية إلى النهاية، معتمداً في الرواية بشكل كامل على الصورة وتعليق المقاتلين والمصورين، والكلام الذي يكتب على الشاشة وعلى الأناشيد المصاحبة يعرض الإصدار في حوالي 14 دقيقة.
فنياً يبدو واضحاً أن هذا الشريط ليس أفضل ما أنتجه التنظيم، لكن يظهر فيه مع ذلك قدراته المتقدمة في التصوير والمونتاج والغرافيكس والصوت. ركز التنظيم على استخدام الصوت كأسلوب فاعل للتأثير، وعلى الأناشيد التي تحمل كلماتها صورته التي يظل يحاول تأكيدها كالنشيد الشهير: لنا المرهفات، ويعتبر ذلك من أهم ما يجيده إعلام التنظيم. واستخدم الغرافيكس بشكل محدود في اسم الإصدار "فشرد بهم من خلفهم".
ختاماً، تجهد حركة أحرار الشام في فيلم طلائع النصر للتأكيد على هويتها ومحليتها واهتمامها بالناس وانتمائها للثورة وقوتها القتالية وقدراتها الإعلامية، بينما يجهد تنظيم الدولة على تأكيد هويته الصلبة وعالميته ودمويته وعنفه القتالي وحضور الانتحاريين لديه وعلى قدراته الإعلامية. الأكيد بعد كل ذلك أن معركة الصورة بين الثورة وأعدائها وبين التنظيم وأعدائه لم تكن يوماً أقل أهمية من معركة السلاح، وأنه سيخسر معركة الأرض من لم يتقن معركة  الشاشة. 
المساهمون