ترهيب الصحافيين والناشطين العراقيين: جريمة يتشاركها الأمن والمليشيات

30 أكتوبر 2019
غادر غالبية الصحافيين منازلهم إلى كردستان (فرانس برس)
+ الخط -
عاد مسلسل الترهيب واعتقال الناشطين والصحافيين في العراق على خلفية التظاهرات التي تجدّدت في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وحتى الآن اعتقلت القوات الأمنية في مجمل المدن التي تشهد احتجاجات من بغداد إلى البصرة، قرابة 27 صحافياً وناشطاً، فيما ما تزال تُلاحق آخرين، بعد أن أعدَّ جهاز الأمن الوطني الحكومي وما يعرف بـ"أمنيّة الحشد الشعبي" قائمة بأسمائهم، بصفتهم محرضين على التظاهر ومصدر تهديد للاستقرار. في ذي قار، اعتقلت قوة مجهولة الناشر والشاعر سجاد الغريب، رفقة عشرة من رفاقه هتفوا في تظاهرة الناصرية بضد تدخلات إيران في العراق، وقد أفرج عن بعضهم بعد 20 ساعة، وتداول ناشطون صوراً لهم وقد تعرضوا إلى الضرب المبرح، فيما نقلت وسائل إعلام محلية، أن القوة التي اعتقلتهم أجبرتهم على التوقيع على أوراق بيضاء وأخرى تتمثل بتعهدات تمنع مشاركتهم في الاحتجاجات المقبلة.
وفي بابل، اعتقل ملثمون الناشط سمير الجبوري، وهو أحد المشاركين في التظاهرات التي انطلقت الجمعة، ولم يُطلق سراحه لغاية الآن، وقال مقربون من الناشط لـ"العربي الجديد"، إن "الجبوري اعتقل أثناء عودته من الاحتجاج الشعبي أمام مبنى مجلس المحافظة، وأثناء عودته لمنزله اعتقله خمسة أفراد مسلحين وملثمين منذ ثلاثة أيام، ولم يُعرف مصيره لغاية الآن ولا الجهة التي اختطفته". وفي كربلاء أعلن عن اعتقال عدد من الصحافيين، أبرزهم حيدر هادي وطارق الطرفي ومحمد عبد الحسين ومحمد الكعبي وناشطون آخرون، كما منع أربعة منهم من التغطية الصحافية بحجة عدم امتلاكهم ترخيصاً.

في غضون ذلك، أعلن عن وفاة الناشط والمدون العراقي صفاء السراي بنيران قوات الأمن ليلة الإثنين خلال محاولة فض الاعتصام بالقوة بساحة التحرير وإطلاق النار وقنابل الغاز. في بغداد أيضاً، فقد غادر غالبية الصحافيين منازلهم وتوجهوا إلى محافظات إقليم كردستان شمالي العراق، وآخرون اتجهوا إلى تركيا والأردن خوفاً على حياتهم من تهديدات طاردتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأخرى بواسطة أرقام هاتفية مجهولة، معظمها من مليشيات مقربة من الحكومة.

وتُتهم الأجهزة الأمنية في العراق بقمع المتظاهرين وملاحقتهم وترهيب الناشطين والصحافيين، بحسب منظمات إنسانية وحقوقية دولية، أصدرت جملة من البيانات جميعها اتفقت على أن الحكومة العراقية وقواتها تمارس "العنف المفرط" مع المحتجين والتعنيف مع المدونين والكُتّاب، وقد أكد ذلك على المستوى المحلي رئيس الحكومة العراقية السابق، حيدر العبادي، معلقاً على اعتقال ناشطين وإعلاميين خلال الأيام الماضية: "لا نريد جمهورية الخوف خذوا قنّاصيكم وجماعاتكم المسلحة وإرهابييكم وعصابات الجريمة والتزوير، واتركوا لنا وطننا الحر الذي ضحى العراقيون من أجله"، كتلميح إلى أن الجهات الخاطفة هي إما تابعة للحشد الشعبي أو مقربة منها.

إلا أن الحشد الشعبي استبقت المزيد من الاتهامات بإعلانها البراءة من حوادث الاختطاف والترهيب والملاحقة للإعلاميين عبر بيان لرئيس الهيئة فالح الفياض، قائلاً إن "بعض وسائل الإعلام وعددا من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي دأبت على شن حملة ممنهجة لتشويه صورة الحشد الناصعة، من خلال توجيه الاتهام لهذه المؤسسة باعتقال بعض الناشطين الذين شاركوا في التظاهرات الأخيرة، بعيداً عن المعايير الأخلاقية لمهنة الإعلام المحترمة، ودون الإشارة إلى المصادر والأدلة. وإن هذه المحاولات اليائسة والمشبوهة للنيل من الحشد لن تزيدنا إلا إصراراً وعزيمة على الاستمرار بمحاربة الإرهاب وأداء واجبنا المقدس في خدمة شعبنا وبلدنا".

من جهته، طالب مركز "حقوق" لدعم حرية التعبير (جهة غير حكومية)، السلطات الأمنية بالإفراج الفوري عن 14 ناشطاً وصحافياً وشاعراً ما زالوا في سجون مجهولة، والكف عن ممارسات الترهيب التي تندرج ضمن خانة قمع الحريات.

وقال علي الحلي وهو مراسل صحافي يقطن في بغداد، إن "ترهيب الصحافيين سياسة تعتمدها الحكومات الديكتاتورية لمنع الحريات وعدم فضح القمع والقتل الذي تنتهجه هذه الأنظمة، وما يحدث من ترهيب واعتقالات بحق الصحافيين العراقيين والناشطين والمدونين يؤكد القمع الحكومي للتظاهرات"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة بإمكانها الدفاع عن نفسها، إلا أنها تقف عاجزة أمام التوثيق الصحافي العراقي للمجازر التي ترتكبها القوات الحكومية والمليشيات بحق المتظاهرين السلميين".
المساهمون