Praying for Armageddon: أصوات من أقصى اليمين المتطرف

05 يونيو 2024
يطرح الوثائقي استفسارات حول حرب نهاية العالم (ينغ تانغ/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- استخلاص الشرعية السياسية من النصوص المقدسة يمكن أن يؤدي إلى تعصب خطير، مع تأثيرات ملحوظة على السياسة الخارجية الأميركية وتداخل الدين في السياسة بشكل عميق، كما يظهر في توجيه دروس بيبلية لأعضاء مجلس الشيوخ وفريق ترامب.
- "Praying for Armageddon" يسلط الضوء على الأصوليين المسيحيين الأميركيين وتصوراتهم المتطرفة نحو نهاية العالم، بما في ذلك استخدام الكتاب المقدس كأداة سياسية وتأثير اللوبي الصهيوني الذي يضم عددًا أكبر من المسيحيين مقارنة باليهود.
- يبرز الفيلم التحذيرات من خطورة العلاقة العسكرية بين أميركا وإسرائيل وتأثيرها على الشرق الأوسط، مع تقديم مثال على التطرف الديني ودعوات لنقاش حقيقي حول مستقبل المنطقة بعيدًا عن التطرف والخرافات.

"العملية التي تُستخلص فيها الشرعية السياسية من النص المقدس، يمكن أن تؤدي إلى نعرة دينية تنطوي على نتائج خطرة، فالكتاب المقدس، على سبيل المثال، يضمّ بين دفتيه إشارات على الإبادة؛ فقد أُبيد شعب العماليق عن بكرة أبيهم على يد بني يوشع بن نون. أما اليوم فإن البعض، لحسن الحظ، لا يشكلون حتى الآن سوى أقلية متعصّبة، ممن لا يشيرون إلى الفلسطينيين وحدهم بأنهم عماليق، ولكن أيضاً إلى أولئك الذين ليسوا في نظرهم يهوداً بما فيه الكفاية... حتى الآن هذا مجرد تحذير للمستقبل". (من كتاب "عشر خرافات عن إسرائيل" للمؤرخ إيلان بابه).

Praying for Armageddon والأصوليين المسيحيين الأميركيين

إذا نزعنا الفيلم الوثائقي Praying for Armageddon من سياقه التاريخي والسياسي، فالفئة الوحيدة التي سنضعه فيها هي الكوميديا، لكن عندما نعيده إلى سياقه، فهو ينتقل مباشرةً إلى فئة الرعب والترويع والجنون. لا يدور العمل حول مرضى نفسيين أو مصاصي دماء أو آكلي لحوم البشر، بل حول الأصوليين المسيحيين الأميركيين الذين يضعون نهاية العالم هدفاً أسمى وأوحد يجب تحقيقه في أسرع وقت. وعند تحقيقه، سيعود المسيح راكباً على حصان أبيض ومعه سيف ليقتل به "الكفار". المثير في هذا التصوّر، أن بعض الأصوليين وجدوا أن السيف غير متناسب مع متطلبات العصر، فقرروا استبداله برشاش من طراز AR-15.
تابعت ووثّقت المخرجة النرويجية تونجي هيسن شي، والمخرج الأميركي مايكل رولي، لمدة خمس سنوات، عمل المنظمات الدينية والسياسية المسيحية التي تدعم الحركة الصهيونية عن كثب. تكشف طبقات الفيلم المتداخلة القوة والوصول والتأثير الهائل للوبي الصهيوني -الذي يحوي مسيحيين أكثر من اليهود- على سياسة أميركا الخارجية. كان تركيزهما ينصب على كيفية استخدام الكتاب المقدس سلاحاً في البيت الأبيض، فنشاهد دروساً من الكتاب المقدس تقرأ على أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء فريق ترامب، وترامب نفسه.
نتابع رحلة الصحافي لي فانغ من صحيفة The Intercept وهو يحاول طرح الأسئلة على السياسيين الأصوليين في الكونغرس. رفضت الغالبية العظمى منهم التحدث معه منذ البداية، وطردوه في بعض الأحيان من المؤتمرات. يجب ألا نعول كثيراً على الأسئلة التي يطرحها، فهي لا تتمحور حول الفلسطينيين أو التطهير العرقي، بل كانت مجرد استفسارات حذرة حول حرب نهاية العالم (أرمجدون) التي ستقع على أرضنا في وادي مجدون في مرج ابن عامر، بالقرب من مدينة جنين، وسياسة أميركا الخارجية تجاه إسرائيل.


بعض الأصوات العسكرية المقموعة تظهر هنا وهناك في Praying for Armageddon يتحدث معظمها عن خطورة العلاقة العسكرية مع إسرائيل، والأثر المدمر الذي سيحل بالشرق الأوسط، بعد أن وضعت أميركا قاعدة عسكرية في فلسطين. هنا، يظهر مشهد يلخص الفيلم كاملاً؛ القديس الذي يعمّد الجنود في القاعدة الأميركية في فلسطين، يمارس هذا الطقس المقدس عبر تغميس الجنود بماء موضوع في شفرة البلدوزر من نوع كاتربيلار، في أوقات أخرى تهدم بيوت الفلسطينيين.
من الجهة الأُصولية، نسمع في Praying for Armageddon أصواتاً من أقصى اليمين المتطرف، أهمها القس جون هايج، رئيس منظمة المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل، الذين يحققون مساعدات عسكرية تقدر بالمليارات لجيش الاحتلال الإسرائيلي، واستطاعوا إقناع ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ويبيضون أموالهم في بناء مدينة داود في فلسطين، التي كانت سبباً رئيساً في اندلاع أحداث حي الشيخ جراح.
نستمع أيضاً إلى روبرت جيفريس المستشار الروحي لترامب، الذي نجح لي فانغ بإجراء مقابلة معه، لكن لا فائدة تذكر من الحديث معه، ففكره الشخصي متطابق مع سياسة أميركا الخارجية. يشكّل هذا كله صورة مصغرة عن طائفة دينية متشددة مدججة بالسلاح، تستخدم الكتاب المقدس دليلاً إرشادياً يحوي خطوات أساسية يجب تنفيذها قبل مغادرة العالم، ذلك كله عبر إجراء حملات صليبية لإشعال فتيل قنبلة يوم القيامة والتعجيل بنهاية العالم.
الجزء الذي حافظ على كوميديته، بالرغم من كل الحقائق المروعة في Praying for Armageddon هو قصة المبشر غاري بيرد، وهذا يستحق كتابة منفصلة. بيرد مبشر إنجيلي يعمل على تحضير جيش من المسيحيين المتعصبين الذين ينتظرون عودة المسيح ليقودهم إلى المعركة الأخيرة، يتنقّل على دراجته النارية العملاقة من طراز هارلي، يرتدي عصبة رأس وصليباً وسترة من الجلد، وهو بالطبع ذكر أبيض.

تحليل توراتي

لدى بيرد تحليل توراتي لأي حدث كان، معقله الرئيسي في تكساس. وللصدفة المثيرة للسخرية، أن البقرات الحمراء وُجدت أيضاً في تكساس. يعمِّد غاري جنوده بسيفٍ نُقش عليه صليب. يهيّئون الأرض التي سيأتي إليها المسيح بتطهيرها عرقياً، العمالقة هم أعداؤهم، وهنا أي آخر هو العمالقة: الفلسطينيون والعرب، وحركات حقوق المثليين والمتحولين جنسياً، وأي جمعية تدافع عن حق المرأة في الإجهاض.
حلم غاري بيرد الوحيد هو أن يقود دراجته بأقصى سرعة في وداي مجدون حتى يكون بجوار السيد المسيح وهو يستل سيفه ويقطع رؤوس أعدائه. التعليق الوحيد المناسب هنا قد يكون تعريف فرويد للدين، وهو مذكور في كتابه "الطوطم والتابو": "عصاب القهر هو دين خاص مشوه، والدين هو عصاب قهري عام". المصيبة أن كل هذه الأحلام هي كوابيس مرعبة تتحقق على أرضنا اليوم. الوقوف في منبر سياسي للحديث عن كلام من الكتب المقدسة قد يكون داء هذا العصر، وبالتأكيد ليس دواءه. منذ زمنٍ ليس بقديم، لوّح بن غوريون بنسخة من الكتاب المقدس أمام أعضاء لجنة بيل الملكية صارخاً: "هذا هو الكوشان خاصتنا (أوراق ثبوتية ملكية الأرض في العهد العثماني). حقنا في فلسطين لا يأتي من وثيقة الانتداب، الكتاب المقدس هو وثيقة انتدابنا".

سينما ودراما
التحديثات الحية

تخلّص الأوروبيون من اليهود الذين تبقوا بعد المحرقة بإرسالهم إلى فلسطين، وهي الخطوة الأولى لتنفيذ مخططهم الإلهي لعودة المسيح المُخلِّص وبداية نهاية الزمن. وفي أرمجدون، يموت ثلثي اليهود، والثلث الأخير يتحول إلى المسيحية بعد أن يعود المسيح. ومن لن يقبل بذلك، سيدخل إلى نار جهنم. هذا التحريف التاريخي وتفصيل الحدث الديني على المقاس عبر تشويه الواقع والفكر، إضافةً إلى وجود إسرائيل في خاصرتنا، لا يترك لنا فسحة أمل حتى نستطيع فتح نقاش حقيقي بشأن مستقبل متحرر من الخرافات وسلام منطقتنا، وفرصة لتتصالح أوروبا مع فظائع حروبها وحقبة كولونياليتها المظلمة.

المساهمون