يعود مسلسل The Alienist (تُعرّب: الطبيب النفسي)، بنا إلى نيويورك، إلى عام 1896 تحديداً. يعود بنا إلى وقت، كان يُدعى فيه المريض النفسي بـ Alien؛ وهو مُصطلح كان يدلّ على الشخص الذي أصبح غريباً عن نفسه، عن طبيعته، وعن طبيعة المجتمع، قبل أن يمسي اليوم مصطلحاً يشير إلى الكائنات الغريبة، أو تلك الفضائية.
يصوّر لنا العمل، في موسميه، عالم الجريمة في نيويورك، تلك المدينة التي احتضنت في ذلك الوقت مهاجرين من مختلف بقاع الأرض؛ أيرلندا، وإيطاليا، وألمانيا... إلخ. مدينة تعجّ بالمشردين، ومدمني الكحول، والمخدرات، والعصابات، وبيوت الدعارة التي كانت تقدّم خدمات لشتّى الطبقات الاجتماعية؛ فنرى الأثرياء يرتادونها، وكذلك متوسطي الحال.
يدور الموسم الأول من The Alienist (نتفليكس وTNT)، حول سلسلة جرائم قتل تُرتكب بحق مراهقين، يعملون في تقديم الخدمات الجنسية. وبينما تحاول الشرطة، بجهازها الفاسد، وصم الضحايا، يسعى الطبيب النفسي، لازلو (دانيل برول)، بالتعاون مع سارة هاوورد (داكوتا فانينغ) وجون مور (لوك إيفانز)، إلى حل تلك القضية، مواجهين مصاعب شتى تختلقها السلطات، من خلال بيروقراطيتها، وإيمانها بالخرافات، وعدم تقديرها واحترامها لأي مقترح علمي.
جهاز الشرطة على وفاق مع السلطة الدينية ومن يمثلونها. وكلاهما، يحطّ من قدر الطب؛ إذ يرون في الطبيب النفسي مجرّد دخيل، ومشعوذ يدّعي معرفته بالإنسان وبواطنه، معترضين على آلية تفكيره وتكهّناته وتحليلاته؛ إذ لم يروا فيها سوى ما يتعارض مع إرادة الرب وحكمته، ومع أخلاقيات المجتمع.
هناك أعمال فنية كثيرة تناولت الطب النفسي في تلك الحقبة، وما تلاها حتى السبعينيات. نذكر هنا مسلسل "ريتشيد"، الذي يصور المؤسسة الطبية بوصفها جزءاً من المنظومة القمعية التي تسعى إلى السيطرة على الأفراد، ووصمهم، وتعذيب كل من تجده مختلفاً عن المجتمع، كما كان يحدث مع المثليين؛ إذ كانوا يضعونهم لساعات في أحواض تمتلئ بالمياه الساخنة، بزعم أن هذه الجلسات ستغير من سلوكهم وتصححه.
لكن The Alienist يحاول أن يقترح منظوراً مختلفاً لهذه الحالة، ليس من خلال مؤسسة طبية، بل من خلال أفراد ينظرون إلى المؤسسات بوصفها أجهزة قمعية، يسعون إلى إحداث تغيير في آليات التفكير تلك، من خلال حل الجرائم بشكل عقلاني، يبتعد عن الأحكام الجاهزة والوصم، ويتبع مناهج تطمح إلى أن تكون علمية، وإن تعارضت مع رأي المؤسسة الرسمية بها.
لا يتوقف الأمر على الدور الإيجابي للطبيب وحسب، وإنما ينسحب على أهمية دور الصحافة، والمرأة؛ فـ جون مور صحافي، وسارة هاوورد امرأة، وكلاهما يلعبان دوراً مهمّاً مع الطبيب في التقصّي والبحث، ومحاربة من يسعون إلى عرقلة الثلاثي عن تنفيذ مهمته.
في الموسم الثاني، الذي يحمل عنوان Angel of Darkness، يكبر دور الصحافي، وكذلك دور المرأة التي تؤسس مكتب تحقيقات خاصّاً، يتعارض كلياً مع العاملين في جهاز الشرطة والمؤسسة الرسمية، اللذين لم يدّخرا جهداً لسرقة القضية من سارة، ليزعما حلّ سلسلة جرائم أخرى، ارتُكبت بحق أطفال رضّع.
إلى جانب تلك الشخصيات، والقصّتين، نتعرّف إلى جزء من مدينة نيويورك في ذلك الوقت، تلك المدينة المزدحمة، يملأ أزقتها المجرمون، والمشرّدون السكارى، والجرذان، والجثث... مدينة مرعبة، تمثّل بيئة خصبة وجاهزة لإنتاج المجرمين، والضحايا.