منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عمد الاحتلال إلى استهداف الصحافيين الغزيين، سواء بالقتل المباشر أو باستهداف عائلاتهم وقتل أبنائهم، أو بتدمير بيوتهم بهدف تهجيرهم. كذلك منع الصحافيون الأجانب من الدخول إلى القطاع لتغطية العدوان، سواء من المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال، أو من معبر رفح الحدودي مع مصر.
محاولة محاصرة الأخبار الصادرة من المدن والأحياء الغزية أدى إلى ردة فعل عكسية، عند عدد كبير من المدونين والمؤثرين الموجودين داخل القطاع الذين تحولوا إلى ناقلين للصورة بشكل متواصل، بهدف كشف تفاصيل المجزرة الدموية المتواصلة بحق المدنيين. هكذا بات كل من يحمل هاتفاً ناقلاً للخبر، فانتشرت مئات الفيديوهات والصور التي صوّرت حقيقة الإجرام الإسرائيلي ضد الغزيين.
أدناه نستعيد 8 فيديوهات انتشرت بشكل كبير منذ بداية العدوان، ولاقت تفاعلاً واسعاً في العالم العربي وفي الغرب. هذه الفيديوهات جزء من آلاف المشاهد التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وستكون لسنوات طويلة شاهدة على وحشية الاحتلال.
"الولاد ماتوا من دون ما ياكلوا"
في رابع أيام العدوان على غزة، ومن أمام أحد المستشفيات، وقفت امرأة غزية تصرخ وتبكي متسائلة: "وين الولاد؟"، ثم توضح أن أطفالها استشهدوا في القصف الإسرائيلي، وتردد "أقسم بالله، الأولاد ماتوا من دون ما ياكلوا". بدا المشهد سريالياً بكل تفاصيله، خصوصاً أنه كان في الأيام الأولى للعدوان، أي قبل اشتداد وحشية الاحتلال. وقفت المرأة في منتصف ساحة المستشفى، وحولها صحافيون ومدنيون ومسعفون، تصرخ وتلطم، وبقربها فقط طفلة، تحاول تهدئتها.
"كنت نايم"
45 ثانية جالت العالم، وحصدت عشرات الملايين من المشاهدات. إذ ظهر الطفل محمد أبو لولي، بعينين مرعوبتين، وجسد يرتجف بلا توقف، وهو يحاول شرح أنه كان نائماً عندما قصف الاحتلال محيط منزل عائلته. حاول الطفل البقاء متماسكاً، لكن عندما حضنه أحد المسعفين في المستشفى حيث نُقل، انهار باكياً. بعدها بأيام، انتشر مقطع آخر للطفل في أحد مراكز الإيواء، وسط عائلته.
"أنا بعرفها من شعرها"
في هذا الفيديو، الذي يمتد لدقيقة و10 ثوان لا نرى الشهيدة التي يحملها المسعفون. نرى فقط الطفلة تالين، بشعرها القصير وملابسها الزرقاء، وهي تشير إلى الجثة وتقول "هي هي"، وعندما يحاول المحيطون بها طمأنتها بأن الشهيدة ليست والدتها، تقول بثقة "هي هي، أنا بعرفها من شعرها... ليش أخدتها مني يا الله... والله ما اقدر أعيش من غيرك يمّا". تجلس تالين على مقعد قريب شبه منهارة، وتبكي. بعد أيام من نشر الفيديو، ظهرت الطفلة، في فيديو قصير، لتوضح أنها "بخير".
"بدي شعرة منه"
طيلة 20 ثانية، نشاهد الطفل هارون وهو يبكي استشهاد شقيقه الأصغر. الشهيد محمول بين ذراعي رجل، وهارون يقترب منه، برأسه المضمّد ووجهه الشاحب المغطى بالدموع وهو يردد "بدي شعرة منه" في إشارة إلى شقيقه الشهيد، ثم ينتزع شعرة من رأس الطفل ويقبّل جبينه ويمضي باكياً ومردداً: "مع السلامة يا عمري، مع السلامة يا قلبي".
بكاء الطبيب
في الأسبوع الثاني في العدوان، وصل إلى مستشفى الشفاء ضمن عشرات المصابين في القصف، عدد كبير من الأطفال. في الفيديو الذي نتحدث عنه، ومدته 50 ثانية، نرى 4 أطفال، 3 يوضعون على أسرة الفحص الطبي للتأكد من سلامتهم، وطفلة رابعة تبكي وتردد "بدي ماما"، فيحتضنها طبيب مناوب. تطالب الطفلة برؤية والدتها بشكل متكرر (لا نعلم إن كانت على قيد الحياة أو استشهدت بالقصف)، لكن ما نراه هو الطبيب الذي يحتضنها أكثر، ثمّ ينهار ولا يتمالك نفسه فيبدأ بالبكاء بدوره.
"شعره كيرلي وأبيضاني وحلو"
على الرغم من تخطي عدد الأطفال الشهداء الذين قتلتهم إسرائيل في عدوانها المستمر على قطاع غزة 3 آلاف شهيد، فإن صورة الطفل يوسف لا تزال حاضرة بكثرة على مواقع التواصل. نحن، مستخدمي مواقع التواصل، لا نعرف يوسف. نعرف فقط الثواني العشرة التي ظهرت فيها والدته وهي تسأل عن جثة طفلها، واصفة مظهره للمسعفين والأطباء في المستشفى: "صبي عمره 7 سنين شعره كيرلي وأبيضاني وحلو"، قبل أن تنهار باكية. بعد هذه المشاهد انتشرت صور وفيديوهات كثيرة ليوسف بشعره المجعّد الأحمر وهو في مدرسته ومع أصدقائه. كما انتشر فيديو لوالدته، وهي تشرح كيف قصف الاحتلال منزلهم، وكيف غمر الركام جثة يوسف.
"دَوّروا بلكي بلاقيلي واحد عايش"
بعد دقائق قليلة من مجزرة جباليا الأولى التي ارتكبها الاحتلال هذا الأسبوع، انتشر فيديو مدته 45 ثانية للغزي جبر حميد، وهو يردد "ولادي 3 يا الله... ولا واحد"، في إشارة إلى أن أحداً منهم لم ينجُ من المجزرة، ووسط انهياره وصراخه، يعود ليردد "ولادي تلاتة، دوّروا (ابحثوا) بلكي بلاقيلي واحد عايش". لكن بعد وقت قصير تبيّن أن الأطفال الثلاثة استشهدوا.
"أخديني عالمقبرة؟"
بعد قصف الاحتلال مخيم البريج الخميس، انتشر فيديو مدته دقيقة و18 ثانية، يظهر إنقاذ المسعفين طفلة من تحت الأنقاض. وبعد إخراجها من تحت الردم، ووضعها على الحمّالة، تسأل الطفلة المسعفين "أخديني عالمقبرة؟". عدم إدراك الطفلة إن كانت ميتة أو على قيد الحياة، فاجأ المسعفين، فرد عليها أحدهم سريعاً "لا يا عمو، هياك عايشة ما شاء الله عليكِ، زي القمر".