توفيت المطربة اللبنانية نجاح سلام، اليوم الخميس في العاصمة بيروت، عن 92 عاماً، بعدما اشتهرت عربياً بأغنياتها اللبنانية والمصرية قبل أن ترتدي الحجاب وتبتعد عن الساحة الفنية.
وأعلنت ابنتها سمر سلمان العطيفي الخبر صباح اليوم، عبر حسابها في "فيسبوك" حيث كتبت: "وانتهى المشوار يا عروبة... ماما في رحاب الله"، من دون أن تشير إلى أسباب الوفاة.
عام 1948، سجّلت نجاح سلام أغنيتها الأولى "حوّل يا غنام حوّل" في الإذاعة اللبنانية، وهي من تأليف وألحان إيليا المتني، ولاقت نجاحاً كبيراً، لتتحوّل إلى أسطوانة أنتجتها شركة "بيضافون" في العام التالي، وتتلقى دعوات عدة للغناء في حلب ودمشق وبغداد، وهي الأغنية التي أعاد تأديتها فنانون كثر.
قدّمت بعد ذلك العديد من الأغاني بصوتٍ ميّزته الفخامة وقوة الأداء، ومنها "يا جارحة قلبي" من ألحان سامي الصيداوي، وغنت له مجدداً "ع نار قلبي ناطرة" و"وينك يا ليلى"، وكذلك "يا عربجي خفف سيرك"، و"ع الوادي يالله ع الوادي"، و"على مسرحِك يا دنيا" لنقولا المنّي، ومن ألحان فليمون وهبي أغاني مثل "حمّلتني فوق الألم ألم البعاد" و"القطر جه وحبيبي ما جاش".
وُلدت لأسرة بيروتية معروفة، فجدها مفتي لبنان عبد الرحمن سلام مفتي لبنان، ووالدها الفنان محيي الدين سلام الذي علّمها أصول الغناء في بداياتها. حظيت برعاية عائلية في السنوات الأولى، إذ رافقها أبوها في معظم حفلاتها، إلى أن التقت فريد الأطرش عام 1951، الذي أعجب بصوتها كثيراً، ونصحها بالذهاب إلى مصر.
انتقلت إلى القاهرة التي سبقتها إليها مطربات لبنانيات عديدات في ذلك الوقت، ومنهن نور الهدى وصباح ولور دكاش وماري جبران، وبدأت عملها في السينما، فأدّت أدواراً رئيسية في عدد من الأفلام، كان أولها فيلم "على كيفك" (1952) من تأليف أبو السعود الإبياري وإخراج حلمي رفلة، ثم شاركت في فيلم "الدنيا لما تضحك" (1953) من تأليف بديع خيري وإخراج محمد عبد الجواد وبطولة إسماعيل ياسين، وتلاه الفيلم الاستعراضي "ابن ذوات" في العام نفسه، وهو من إخراج حسن الصيفي، وقدّمت فيه مجموعة من الأغاني، منها "برهوم حاكيني" و"الشب الأسمر" وغيرهما.
شكّلت تلك الأفلام نقلة نوعية في حياة نجاح سلام المهنية، إذ شاركت إسماعيل ياسين وكارم محمود بطولة فيلم استعراضي آخر عنوانه "دستة مناديل" (1954) من إخراج عباس كامل، وتواصل عملها في السينما المصرية التي منحتها فرصة الظهور ممثلةً ومغنيةً أيضاً.
بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قدمت أغنيتها الشهيرة "يا أغلى اسم في الوجود" من تأليف إسماعيل الحبروك وألحان محمد الموجي، والتي ستكون فاتحة للعديد من الأغاني الوطنية والعاطفية التي لحّنها لها كبار المؤلفين الموسيقيين خلال الستينيات والسبعينيات.
من أبرز ما غنّت نجاح سلام أغنية "أسرار الحب" و"يا شمعدان حارتنا" من تلحين كمال الطويل، و"أنا النيل مقبرة الغزاة" لرياض السنباطي، و"إيه الحكاية" لمنير مراد، و"بالسلامة يا حبيبي" لعبد العظيم محمد، و"يا غزيل ميّل" لسامي الصيداوي، بالإضافة إلى عشرات الألحان التي قدّمتها لسيد مكاوي وبليغ حمدي وعبد الحليم نويرة وفريد الأطرش وعبد العظيم عبد الحق. وقال عنها محمد عبد الوهاب: "صوت نجاح سلام يتحدى الزمن، إنه الصوت الذي لا يشيخ أبداً".
منحتها مصر الجنسية، وحصلت على أوسمة وتكريمات في بلدها لبنان وفي عدد من الدول العربية كسورية.
عام 2000، ارتدت نجاح سلام الحجاب، وابتعدت عن الأضواء. وقالت عام 2016، في حديث لصحيفة الراي الكويتية: "الاعتزال لم يكن وارداً عندي، ولكن عندما ذهبتُ إلى الحج برفقة ابنتي وصهري، وأديتُ الفريضة، عدتُ وأنا أرتدي الحجاب، ولكنني لم أعتزل الفن، بل اتجهت نحو الغناء الوطني والديني".
ورثى رئيس الحكومة اللبنانية السابق، تمّام سلام، قريبته الراحلة، واصفاً إياهاً بـ"الفنانة الكبيرة"، واعتبر أن "صفحة من تاريخ الفن والغناء" في العالم العربي انطوت مع وفاة المغنية. وقال إن "نجمة مضيئة في هذا الزمن الرديء ذوت، ولكنّ نورها سيبقى بريقاً مشعّاً في تاريخ الفن والغناء العربي الأصيل".
وأضاف سلام في بيان أن الراحلة التي سجّلَت عام 1949 أولى أغنياتها وهي "حوّل يا غنام"، ثم أغنية يا "جارحة قلبي"، "تألقت وبرق نجمها في مرحلة غنية بالفن والفنانين الكبار، أمثال عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان وفريد الأطرش وصباح ووديع الصافي، وغيرهم ممن تركوا بصمات بل وتراثاً غنياً تراكم كنزا ثمينا في عالم الفن والغناء على مدى عقود عديدة".