اتّهمت الحكومة الأميركية مجموعة التكنولوجيا العملاقة غوغل، أمس الثلاثاء، بدفع 10 مليارات دولار سنوياً إلى "آبل" وشركات أخرى للحفاظ على هيمنتها في مجال البحث على الإنترنت.
وأتى هذا الاتهام مع بدء الجلسات القضائية الماراثونية بين الولايات المتحدة و"غوغل"، لتحديد ما إذا كانت الشركة أساءت استخدام موقعها المهيمن، بسبب إجراءات احتكارية في خدمات البحث العامة التي توفرها عبر الإنترنت، في أكبر محاكمة من هذا النوع تشهدها البلاد منذ أكثر من عقدين.
وقال ممثل المدّعي العام كينيث دينتزر: "تتعلق هذه القضية بمستقبل الإنترنت، وبما إذا كانت غوغل ستواجه منافسة في مجال البحث".
وفي قلب هذه الدعوى التاريخية، وبعد مرور عشرين عاماً على رفع دعاوى قضائية مماثلة ضدّ شركة مايكروسوفت، يكمن السؤال التالي: هل تدين "غوغل" بنجاح محرّك بحثها لأدائها أم لممارساتها المانعة للمنافسة؟
ووفقاً للحكومة الأميركية، فقد بنت "غوغل" إمبراطوريتها من خلال عقود غير قانونية أبرمتها مع شركات مثل "سامسونغ" و"آبل" و"فايرفوكس"، لتثبيت برمجياتها على هواتفهم الذكية وخدماتهم.
وهذه الهيمنة على شبكة الإنترنت، وبالتالي على الإعلانات الرقمية، سمحت لـ"ألفابِت"، الشركة الأم لـ غوغل"، بأن تصبح واحدة من أغنى الشركات في العالم.
وخلال عشرة أسابيع من جلسات الاستماع لنحو مائة شاهد في محكمة في واشنطن، ستحاول الشركة، الواقع مقرّها في كاليفورنيا، إقناع القاضي الفيدرالي أميت ميهت بأنّ اتهامات وزارة العدل لا أساس لها.
وأبلغ دينتزر القاضي أنّ "غوغل" تدفع سنوياً عشرة مليارات دولار لشركات مثل "آبل" لضمان أن يكون محركها للبحث هو الأساسي على الهواتف النقالة وبرامج تصفح الإنترنت، ما يقضي بالتالي على أيّ منافس قبل أن ينال فرصة النمو.
وأشار إلى أنّ هيمنة "غوغل" تنامت على مدى العقد الماضي من جراء نفاذها الاحتكاري إلى بيانات المستخدمين، وهو ما لا يقدر منافسوها على مجاراتها فيه.
من جهته، ردّ محامي "غوغل" جون شميدلتين أمام المحكمة، بأنّ الشركة "قامت على مدى عقود بالابتكار وتحسين محرّكها للبحث"، معتبراً أنّ محامي الادّعاء "يتجنّبون حقيقة لا مفرّ منها".
وأكّد المستشار العام لشركة ألفابِت، كينيث ووكر، في بيان، أنّ "نجاحنا مستحقّ"، مضيفاً: "الناس لا يستخدمون غوغل لأنه ليس لديهم خيار آخر، بل لأنّهم يريدون ذلك. من السهل تغيير محرك البحث الافتراضي الخاص بك، فنحن لم نعد في عصر أجهزة المودم والأقراص المدمجة".
وهذه أهمّ دعوى منافسة مرفوعة ضد إحدى شركات التكنولوجيا الكبرى، منذ هاجمت الحكومة الأميركية شركة مايكروسوفت بسبب هيمنة نظام التشغيل ويندوز.
وبدأت الدعوى القضائية التي أقامتها واشنطن على "مايكروسوفت" عام 1998، وانتهت بتسوية عام 2001، بعدما ألغت محكمة الاستئناف قرارًا يقضي بتقسيم الشركة.
وقالت الوزارة في شكواها إنّ "غوغل" كانت في ذلك الوقت "أيقونة سيليكون فالي، باعتبارها شركة ناشئة مشاكسة تقدم طريقة مبتكرة للبحث في شبكة الإنترنت الناشئة. لقد انتهت غوغل هذه منذ فترة طويلة".
كما انضمت عشرات الولايات الأميركية، وعلى رأسها كولورادو، إلى المعركة. ورغم أنّ القاضي رفض بعض حججهم قبل المحاكمة، بما في ذلك اتهام "غوغل" بإلغاء تصنيف المواقع بشكل غير قانوني مثل "يلب" و"إكسبيديا".
ويمثّل محرّك البحث 90% من هذه السوق في الولايات المتحدة وفي كل أنحاء العالم، خصوصاً بفضل عمليات البحث على الهواتف الذكية، ولا سيّما أجهزة آيفون من شركة أبل والهواتف التي تعمل بنظام أندرويد من شركة غوغل.
وتمثّل الإيرادات من الإعلانات المستندة إلى نتائج البحث حوالى 60% من إيرادات المجموعة، متفوقة بفارق كبير عن فروعها الأخرى، من "يوتيوب" إلى "أندرويد".
ولم يتمكّن منافسوها، مثل "بينغ" من شركة مايكروسوفت و"داك داك غو"، من اكتساب مثل هذا المقدار الكبير من الاهتمام.
وتواجه "غوغل" خطراً كبيراً إذا حكم القاضي الفدرالي في غضون أشهر لمصلحة حكومة الولايات المتحدة، إذ إنّ الشركة العملاقة في مجال محركات البحث ستكون مضطرة للانفصال عن نشاطات معيّنة لإجبارها على تغيير أساليبها.
وفي أوروبا، غُرّمت "غوغل" بأكثر من 8.2 مليارات يورو بسبب انتهاكات مختلفة لقانون المنافسة، رغم أنّ بعض هذه القرارات لا تزال قيد الاستئناف.
والأخطار كبيرة أيضاً بالنسبة إلى حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن. فعلى الرغم من أنّ الدعاوى القضائية أطلقت عام 2020، أي خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، فإنّ الرئيس الديمقراطي حرص على تحدي عمالقة التكنولوجيا، من دون تأثير كبير حتى الآن.
وفي يوليو/ تمّوز، علّقت هيئة المنافسة الأميركية إجراءاتها لمنع استحواذ شركة مايكروسوفت على شركة نشر ألعاب الفيديو أكتيفيجن بليزارد، بعد سلسلة من الانتكاسات القانونية.
وقال أستاذ القانون في كلية الحقوق في ولاية بنسلفانيا، جون لوباتكا، إنّه مهما كان الحكم الذي سيصدره القضاء، فإنّ "الأمر لن ينتهي حتى يتم الاستئناف". وأضاف: "لذلك يجب على أولئك الذين يريدون تنظيم التكنولوجيا ألا ييأسوا إذا خسرت الحكومة هذه الجولة. لكنّها ستكون هزيمة كبيرة".
وفي يناير/ كانون الثاني، قدّمت وزارة العدل الأميركية شكوى أخرى ضد "غوغل" بشأن أعمالها الإعلانية. ومن الممكن أن تجري المحاكمة العام المقبل.
(فرانس برس)