وائل شوقي... كباريه الحروب الصليبية

23 يونيو 2022
يعبر العمل عن الجاذبية التي تتمتع بها هذه الروايات التاريخية لدى المتلقي الغربي (Getty)
+ الخط -

ينظر عدد من المؤرخين والباحثين، إلى الحروب الصليبية بوصفها أحد أهم الأحداث الفارقة في تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب، أو بين أوروبا والعالم العربي على وجه الخصوص، ذلك لأهميتها وتوابعها السياسية والديموغرافية، وتأثيرها الثقافي والمعرفي. ولا يقتصر تأثير الحروب الصليبية على حدود الفترة التاريخية التي حدثت خلالها، بل يمتد هذا التأثير حتى الوقت الحاضر. ولعل أبرز ما يتسم به ذلك الصراع تاريخياً، يتمثل في اختلاف هذه السردية بين معسكري هذا الصراع. تتلخص الفرضيات التي تقدمها هذه الروايات المتعارضة في تساؤلات مشتركة، حول الدوافع والأسباب التي أدت إلى هذا الصراع، ومن انتصر ومن هُزم؟ من كان على حق، ومن كان على باطل؟ الإجابة عن هذه التساؤلات تتفاوت بالطبع حسب من كتب التاريخ، أو من روى الحكاية.

قد لا ننتبه إلى هذا التفاوت السردي في كتابة التاريخ، إلا حين نقارن بين سرديات مختلفة أو متعارضة لحدث واحد، حينها يمكننا أن نعيد النظر من جديد في فكرة التأريخ نفسه، من حيث دوافعه ومدى حياده. انتبه الفنان المصري وائل شوقي (1971) إلى هذا الأمر، حين شرع في التعامل مع فترة الحروب الصليبية من منظور فني معاصر.

وائل شوقي فنان له حضور بارز على المستوى الغربي، إلا أنه حين قرر التعرض لهذه الأحداث وتقديمها أمام جمهور غربي فضل الاستعانة بالسردية العربية المتعلقة بهذه الحقبة التاريخية الفارقة، والممتدة بين عامي 1095 و1204 ميلادية. اعتمد شوقي في بحثه البصري على كتاب "الحروب الصليبية بعيون العرب"، الصادر عام 1986 للكاتب والمؤرخ اللبناني أمين معلوف الذي استند بدوره إلى مؤرخين أقدم، مثل أسامة بن منقذ وابن القلنيسي وابن الأثير.

وضع شوقي هذه السردية العربية في مواجهة جمهور غربي، تشكل وعيه وفقاً لسرديات مختلفة تماماً. ومن هنا كانت الصدمة أو المفارقة الأولى، التي يحملها العمل المُشار إليه. العمل الذي قدمه شوقي، يحمل اسماً لا يقل مفارقة عن أسلوبه في التناول، وهو "كباريه الحروب الصليبية"، يتمثل بفيديو ملحمي قُدم في أجزاء ثلاثة خلال الفترة بين عامي 2010 و2015، وتحمل الأجزاء الثلاثة للعمل نفس العنوان الرئيسي، مع إضافة عنوان فرعي يميز كل منها. عُرض هذا العمل في عواصم غربية عدة حول العالم، بأجزائه الثلاثة مجتمعة أو منفردة، كما عُرض عربياً في القاهرة، والمتحف العربي للفن الحديث في الدوحة، ومؤسسة الشارقة في دبي.

سينما ودراما
التحديثات الحية

أما أحدث هذه العروض فقد أقيمت مؤخراً في تيت مودرن غاليري في لندن، إذ استضاف الجزء الأول من هذه الملحمة تحت عنوان "كباريه الحروب الصليبية: ملف عرض الرعب". عرض هذا العمل في لندن بالتزامن مع عرض الجزء الثالث أيضاً من هذه الملحمة في متحف لوفين في العاصمة البلجيكية. يستضيف متحف لوفين هذا العمل كجزء من عرض أوسع يضم مجموعة أعمال ومشاريع أخرى للفنان وائل شوقي تُعرض حتى 28 أغسطس/آب تحت عنوان "ثقافة جافة - ثقافة رطبة".

في هذا العمل، يتبنى الفنان السردية التاريخية العربية، معتمداً على وقائع محددة بتواريخ، غير أنه تعمد في بحثه أن ينتقي تلك الوقائع والأحداث التي لا ترتبط بأشخاص أو أبطال. معظم هذه الوقائع التي أتى بها شوقي تتعلق بسردية العنف المفرط الذي ارتبط بهذه الأحداث، غير أن المفارقة تكمن هنا في تقديمها وفق سينوغرافيا جمالية لافتة. تعرض هذه الحكايات المنتقاة بعناية بواسطة عرائس ماريونيت تتحرك بخيوط، مع موسيقى جذابة وسرد عربي فصيح، واعتناء بالغ في بناء كافة تفاصيل العرض.

هذه الجماليات التي يعتمد عليها شوقي يمكن النظر إليها كتعبير عن الجاذبية التي تتمتع بها مثل هذه الروايات التاريخية لدى المتلقي الغربي، ويتعامل معها كنوع من الملاحم البطولية الجذابة، ما يتناقض مع طبيعة هذه الأحداث ودمويتها. على جانب آخر، يمثل الاعتماد على سردية مختلفة عن تلك المحفورة في وعي هذا المتلقي، دافعاً لإعادة النظر في الكيفية التي كتبت بها الأحداث التاريخية، أو التشكيك في مصداقيتها بمعنى أصح. من هنا، تأتي قوة العمل وتأثيره وقدرته على الاستمرار.

يسلط عمل وائل شوقي الضوء، في أحد جوانبه، على علاقة هذه الأحداث وارتباطها بالصراعات المعاصرة بين الشرق والغرب، في الوقت الذي يشير فيه كذلك إلى تهافت هذه الأسباب وعبثيتها. إن هذا العمل، كما تقول الناقدة والمؤرخة الفنية الأميركية البارزة، كارولين كريستوف، يسمح لنا أن ننظر إلى الأحداث التاريخية كصورة مجازية لتكرار التاريخ، لكي نرى الصراع الذي نشهده اليوم في الشرق الأوسط، كتكرار لنفس أشكال التنافس تلك على الموارد، وغيرها من أشكال السيطرة الأخرى.

المساهمون