هل ستتمكّن منصة تويتر من منافسة قناة فوكس نيوز التلفزيونية الأميركية؟ انضم معلقون يمينيون إلى هذه المنصة، لكن الإطلاق الفوضوي لحملة الجمهوري رون ديسانتيس عليها، الأربعاء، يعزز الانتقادات لتبدل وجهة عملها.
اختار حاكم فلوريدا "تويتر" لأول إطلالة له مرشحاً للحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، وظهر في مقابلة مباشرة مع مالك المنصة إيلون ماسك في غرفة للدردشة الصوتية. لكن البث الذي تابعه مئات الآلاف من الأشخاص لم يبدأ إلا بعد 20 دقيقة من تشوش الصوت وتقطعه، ما أثار الكثير من التعليقات والسخرية. وغرد جيسون كنت، وهو رئيس جمعية مهنية للوسائط الرقمية: "إنها كارثة. لقد قتل الطائر" في إشارة إلى ماسك الذي اشترى "تويتر" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وشعار المنصة. أما "فوكس نيوز" التي استقبلت الجمهوري بعد ذلك فعرضت إعلاناً جاء فيه: "هل تريدون حقاً رؤية رون ديسانتيس وسماعه؟ شغلوا فوكس نيوز في الساعة الثامنة مساء".
بالنسبة إلى إيلون ماسك ومدير الجلسة ديفيد ساكس، وهو رجل أعمال جمهوري، حققت هذه المحادثة "التاريخية" نجاحاً. وقال ماسك: "من الرائع أن يكون الناس قادرين على الاستماع مباشرة إلى مرشح رئاسي بطريقة عفوية وصادقة".
داخل "تويتر"، شعر الموظفون بالقلق إزاء توجه ماسك إلى السياسة، وأثاروا شكوكاً حول قدرة المنصة على استيعاب حركة المرور الكثيفة، وفقاً لثلاثة موظفين تحدثت معهم صحيفة نيويورك تايمز الأربعاء. وقال اثنان من الموظفين إنه لم يكن هناك تخطيط لما يُعرف باسم "مشكلات موثوقية الموقع" التي قد تقع خلال إطلالة ديسانتيس.
وحتى قبل وقوع المشكلات التقنية، تعرض الحدث لانتقادات، خاصة أن ماسك صرّح سابقاً بأن "تويتر" منصة محايدة سياسياً. وقال أستاذ الإدارة وريادة الأعمال في جامعة سانتا كلارا، مايكل سانتورو، إن الحدث "قوّض" الادعاءات بالحياد. وأضاف سانتورو متحدثاً لـ"نيويورك تايمز": "بصفته مالك الشركة (ماسك)، فإنه يستغل الموارد والسلطة وإمكانية الوصول للتعبير عن أي وجهة نظر". لكن آخرين قالوا إنهم لم يُفاجأوا من محاولة ماسك تشكيل المنصة الاجتماعية على صورته ومعتقداته.
صوّت ماسك لمرشحي الرئاسة الديمقراطيين مثل باراك أوباما وجو بايدن. لكنه في السنوات الأخيرة انعطف نحو اليمين، وانتقد مراراً ما يسميه "فيروس الذهن المستيقظ (woke mind)" الذي يؤثر على السياسة الديمقراطية، وشارك في بثّ نظريات المؤامرة اليمينية، وأشاد مراراً وتكراراً برون ديسانتيس لمدة عام تقريباً.
في غضون أشهر قليلة، نشر الملياردير مقالاً كاذباً يحمل شعار قناة سي أن أن الأميركية، وأكد أيضاً أن الشرطة واكبت أحد مهاجمي مبنى الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، فيما تبيّن زيف هذه المعلومة. وسلط الضوء على منشور ذي طابع تمييزي يلقي باللائمة على أفراد مجتمع المثليين في بعض عمليات إطلاق النار المميتة، وهي حوادث مأساوية تتكرر بكثرة في الولايات المتحدة. وفصّل تقرير نشره معهد الحوار الاستراتيجي، وهو مختبر مستقل لمكافحة التطرف مقره لندن، في يناير/ كانون الثاني الماضي، التبادل المتزايد للرسائل بين ماسك والحسابات التي تشارك محتويات يمينية متطرفة منذ استحواذه على "تويتر"، بما في ذلك حسابات نشرت معلومات خاطئة حول الانتخابات الأميركية. من بين الحسابات الأكثر شعبية لدى رئيس "تويتر": حساب المدون اليميني المتطرف إيان مايلز تشيونغ الذي تلقى ما لا يقل عن 60 رداً من ماسك، وفق تحليل أجرته وكالة فرانس برس.
كانت مواقف ماسك الاستفزازية وإعادة شخصيات مثيرة للجدل إلى المنصة بمثابة انعطاف نحو اليمين لـ"تويتر"، التي يبدو أنها باتت تعتمد مضموناً سياسياً محافظاً. تاكر كارلسن كان أول من أطلق هذا الاتجاه مطلع هذا الشهر. هذا المقدّم المعروف بآرائه المتطرفة جمع في المعدل 3.3 ملايين مشاهد في العام 2022 على "فوكس نيوز"، وهي أعلى نسبة جمهور في الجدول المسائي للقنوات الإخبارية الأميركية. وبعد مغادرته القناة، أطلق برنامجه الجديد على "تويتر" التي وصفها بأنها "آخر منصة في العالم تسمح بحرية التعبير". عندما ينشر كارلسن مقطع فيديو على الشبكة الاجتماعية "يشاهده 80 مليون مرة جمهور أصغر سناً"، وفق ما أشار إليه أستاذ الإعلام في جامعة فلوريدا أندرو سيليباك الذي أضاف أن التحدي الذي يواجهه ماسك هو العثور على "مستخدمين من الأسماء الكبيرة ليأتوا وينشئوا محتوى على تويتر" من شأنه تشجيع المستخدمين على تمضية وقت على المنصة.
والثلاثاء الماضي، قرّر الموقع الإخباري المحافظ ذا ديلي واير بث مقاطع البودكاست الخاصة به على "تويتر"، بما في ذلك تلك العائدة إلى مات وولش المعروف بتصريحاته المعادية للعابرين جنسياً.
ووفقاً للباحث في منظمة ميديا ماترز غير الحكومية مات غيرتز، فإن رحيل تاكر كارلسن من قناة فوكس نيوز المحافظة "يترك فراغاً (...) ويبدو أن إيلون ماسك يحاول أن يحل محل روبرت مردوخ، وتصبح منصته فوكس نيوز الجديدة".
ولطالما أكد الملياردير أنه يريد أن يجعل من المنصة "الساحة العامة الرقمية للإنسانية" حيث تسود حرية التعبير. لكن عملياً، لا يتردد في إهانة منتقديه ووسائل الإعلام التقليدية، لدرجة أن البعض ترك المنصة، مثل الإذاعة الوطنية العامة (إن بي آر). وصرح ماسك أخيراً، في مقابلة مع شبكة سي إن بي سي: "أقول ما أريد قوله، ولا يهمني إذا خسرت المال نتيجة لذلك". وترك الكثير من المعلنين "تويتر"، وتراجعت قيمة الشركة إلى النصف، رغم تسريح ما بين 50 و75 في المائة من الموظفين.
وقالت أستاذة تاريخ الإعلام في جامعة بوردو كاثرين براونيل، لـ"فرانس برس"، إن إيلون ماسك "يستغل النموذج الذي حقق نجاحاً كبيراً في البرامج الحوارية على الراديو وعلى فوكس نيوز، وهو نظام بيئي مربح للغاية، شكّلته وسائل الإعلام المحافظة خلال العقود الثلاثة الماضية". لكن المحتويات "تكلّف الكثير من المال وتتطلب صدقية"، كما قال الأستاذ في جامعة سيراكيوز روي غاترمان. وأضاف غاترمان: "سيتعين عليه ضخ 40 مليار دولار أخرى لإنشاء تويتر نيوز وجعلها تنجح". أخيراً، عيّن ماسك الرئيسة السابقة للإعلانات في "إن بي سي يونيفيرسال"، ليندا ياكارينو، خلفاً له في منصب الرئيس التنفيذي لشركة تويتر. وقال مات غيرتز: "هذا تناقض". فجلب تاكر كارلسن و"ذا ديلي واير" ورون ديسانتيس "يساعد في تكوين قاعدة مستخدمين يمينيين متطرفين، وليس كسب المال من الإعلانات".
وقال الصحافي تشارلي وارزل، في مقال نشرته مجلة ذي أتلانتيك: "يظهر التاريخ أن الشبكات الاجتماعية يمكن أن تموت لأسباب عدة، لكن أسرعها هو الملل".
وفي السياق نفسه، كشفت رسالة داخلية مسربة من شركة تويتر أن ماسك أمر الموظفين مباشرة بتعليق حساب ناشط يساري على المنصة. وأفادت وكالة بلومبيرغ، في يناير، بأن أمراً مباشراً من ماسك نفسه استهدف حساب تشاد لودر. لودر يصف نفسه، عبر حسابه في منصة ماستودون للتواصل الاجتماعي، بأنه ناشط وخبير في مجال الأمن الرقمي ومواطن صحافي. تحقيقاته الشخصية أدت إلى اعتقال عضو من منظمة براود بويز اليمينية المتطرفة شارك مقنعاً في اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي، وفقاً لموقع ذي إنترسبت الإخباري. وحساب لودر واحد من حسابات كثيرة بارزة تخص ناشطين يساريين علقتها "تويتر" في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.