ناشطات لبنانيات في الفضاء الافتراضي: لا مكان آمناً

02 أكتوبر 2022
من الاحتجاجات في لبنان خلال أكتوبر/تشرين الأول 2019 (حسين بيضون)
+ الخط -

لجأت ناشطات وصحافيات لبنانيات إلى منصات التواصل الاجتماعي التي اعتبرنها منبراً آمناً للتعبير عن آرائهن بحرية، وإذ بها ترتدّ عليهن، فتعرضن من خلالها للتهديد والابتزاز وتشويه السمعة، فما كان عليهنّ إلا التعاطي معها بأسلوب خاص حمايةً لسلامتهنّ النفسية والجسدية، مع الحفاظ على خطابهن وقناعاتهن.

قد تكون تجربة الصحافية والناشطة اللبنانية، مريم سيف الدين، من أصعب التجارب عبر مواقع التواصل، لانعكاسها أولاً على سلامتها الشخصية وحياتها اليومية ومناطق كانت آمنة بالنسبة إليها، أو على عملها الصحافي الذي اختلف عن السابق، فكما تقول: "ما قبل حملات التهديد، والتحريض، والتشويه، والتحريف، والتخوين، ليس كما بعدها".

عُرِفت سيف الدين بمواقفها وكتاباتها الجريئة التي كانت تنشرها على حساباتها الشخصية، بيد أن كلفة الكلمة الحرّة كانت باهظة جداً، إذ تعرّضت لحملات منظمة من قبل مغرّدين فعليين ووهميين، تأسف أنّها شملت صحافيين أيضاً، وجيوش إلكترونية حزبية، على رأسها حزب الله، دفعتها إلى مقاطعة منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث سيطرة التنظيم، خوفاً من ترجمة التهديدات التي كانت تتلقاها على أرض الواقع، وبينها القتل والاعتداء الجنسي.

تقول سيف الدين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحملات ما زالت مستمرة منذ سنتين تقريباً لكن بوتيرة أخف، علماً أن التداعيات باقية، وقد شارك فيها ناشطون وحسابات وهمية معروفة الجهات التي تقف خلفها، وصحافيون، اعتمدوا على التحريض وتشويه السمعة، عدا عن التعابير الجنسية التي كانت تستخدم وعادة ما توجه للناشطات، والمرأة عامةً، وقد أصبحت أشعر بأني هدف موضوع كل الوقت تحت المراقبة".

وتشير إلى أنها تلقت الكثير من رسائل التهديد بالقتل والاغتصاب، الأمر الذي أثّر كثيراً على حياتها ويومياتها ونمط عيشها، ما اضطرها إلى الاستفادة من وسائل الحماية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل ميزة قفل الحسابات وحماية التغريدات، ولو أن هذا التوجه يحد من إمكانية وصول الصحافيين إلى عدد أكبر من المتابعين. كما بلّغت سيف الدين مرّتين عن حملات تعرضت لها وكانت تنسحب خطراً على حياتها وعائلتها، لكنها لم تستفد أو تصل إلى نتيجة، رغم أن الممارسات التي اعتُمدت يعاقب عليها القانون.

سيف الدين التي لا تقيم حالياً في لبنان تقول إنها استعادت الكثير من حياتها بعد مغادرة البلاد، وإنها لم تعد تفرض رقابة على كتاباتها كما كانت تفعل، لكنها تتجاهل الرد على التغريدات التي وصفتها بـ "غير اللائقة التي لا ترقى إلى أسلوب التخاطب والنقاش".

الناشطة السياسية فيرينا العميل تعرضت بدورها لهجوم منظم وممنهج من قبل الأحزاب التقليدية وجيوشها الإلكترونية، هي التي اختارت الترشح في الانتخابات النيابية التي شهدتها البلاد خلال مايو/أيار الماضي، وكانت أصغر المرشحات سناً، من دون أن تؤثر الحملات على عزيمتها وشغفها السياسي. تقول العميل، لـ"العربي الجديد"، إنّها تعرضت خلال فترة الانتخابات لهجوم بأشكال مختلفة، منها ما طاول مظهرها الخارجي وعمرها ووصل إلى مستوى التحريض، فكانت أن ردّت بنشر مقابلتها التلفزيونية عبر حساباتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتؤكد ثقتها بنفسها، وأنها تطلّ عبر الإعلام ووسائل التواصل لتعرّف الناس على مشروعها وبرنامجها الانتخابي لا لاستعراض إطلالتها.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

لكنّها تلفت إلى أنّها تلقت تضامناً عبر المنصات نفسها التي هوجمت عليها، وترى أنّ أساليب التعبير أصبحت أكثر جرأة بعد الانتفاضة التي شهدتها البلاد عام 2019، ومنها كانت تستمد قوتها. ولم تلجأ العميل إلى أي خاصية من خاصيات الحماية التي توفرها منصات التواصل الاجتماعي، فهي تريد لآرائها أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص، وفق ما تقول.

إلى ذلك، تلفت المنسقة العامة في تجمع نقابة الصحافة البديلة، إلسي مفرّج، إلى أنّ الحملات تستهدف النساء تحديداً وتطاول حياتهن الشخصية، وتقول: "أنا تعرّضت كثيراً لذلك، ليس فقط لأني أعمل في مجال الإعلام، بل لأني ناشطة سياسية لي مواقفي التي أعبّر عنها". وتشير إلى أنّ التعابير التي تستخدم تطاول الحط من كرامة المرأة بالدرجة الأولى، ومعظمها جنسية. وتفيد بأنّ هناك وسائل حماية عدة يمكن اللجوء إليها، منها تبليغ القوى الأمنية، أو اتخاذ قرار بعدم الرد. وتضيف: "أنا، على سبيل المثال، إذا نشرت موقفاً أعلم مسبقاً أني قد أتعرض لهجوم بسببه، لا أرد على التعليقات، وقد أعيد نشر بعض التعليقات لأفتح مجال الردّ عليها من قبل المتابعين، كما أن الدعم ممكن أن تلقاه الناشطات من مجموعات تتفق معها على هذه المنصات".

يشار إلى أن "تجمّع نقابة الصحافة البديلة" تأسس من صحافيين وصحافيات لا تمثلهم نقابتا الصحافة والمحررين الرسميتان، وسط انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019.

أما محمود غزيل، الصحافي ومدقّق المعلومات، فيلفت في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنّ "أبرز الانتهاكات التي تتعرض لها الناشطات يمكن وضعها في خانة دوكسينغ Doxing، وهو نوعٌ من الهجوم الذي يرتكز على استخدام الصور والتعابير والتفاصيل الحقيقية في حياتهنّ واستغلالها للابتزاز بطريقةٍ معيّنة. وقد رأينا هذه الأساليب ضدّ إعلاميات ونساء لمجرّد رفعهنّ الصوت في الفضاء الافتراضي، والذي يتعارض مع رأي الذين يقفون وراء الهجوم".

ويشير غزيل إلى أنّ هناك نوعين من الهجوم الذي تتعرّض له الناشطات خصوصاً في المواضيع السياسية، الأول تقف وراءه مجموعات منظمة واسعة ذات توجه معيّن، تصوب على الهدف ذاته لإيصال رسالة موحّدة، وتترك أثراً أكبر في الناشطات، فيما النوع الثاني يكون غير منظم، ويترك أيضاً أثراً معنوياً عند اللواتي يتعرضن للهجوم، خصوصاً أن حلقة الهجوم تكون متعددة، من أكثر من طرف، يرمي كلّ فكرته وردة فعله من دون أن يكون هناك سقف أو خطوط حمراء.

ويلفت غزيل إلى أنّ هناك أساليب عدّة للحماية، أبرزها لجوء النساء إلى القوى الأمنية، خصوصاً عندما ترتفع وتيرة الانتهاكات وتصل إلى مرحلة الابتزاز والتهديد، ويمكن التواصل مع الجهاز عبر "تويتر" من خلال الرسائل الخاصة للحفاظ على الأمان والخصوصية، وبالتالي، على الناشطات الانفتاح على التبليغ، وتسجيل الشكاوى التي تساعد أيضاً في حال تطوّرت الأمور أكثر.

من طرق الحماية أيضاً، منح شركة ميتا، المالكة لـ"فيسبوك" و"إنستغرام"، المستخدمين إمكانية الحدّ من كتابة ردود الفعل أو التعليق، وبالتالي، أعطت المستخدم حق اختيار الأشخاص الذين يريد أن يفتح النقاش معهم أو إبقاء الخانة مغلقة تقتصر على العرض من دون التفاعل، وهو ما قامت به "تويتر" مثلاً، بإتاحة إغلاق التعليقات، ومنحت كذلك، القدرة على توقيف إعادة نشر التغريدات (retweet)، وفعلت خدمة تتيح للمستخدمين تحديد الأشخاص الذين يمكن أن تظهر التعليقات أمامهم، وقد لجأ الكثير من الناشطين والناشطات اللبنانيين وحتى المشاهير لهذه الميزة.

ويتوقف غزيل عند صعوبة معرفة أصحاب الحسابات في معظم الأحيان، من هنا على النساء التنبّه إلى الأشخاص الذين يتحدثن إليهم أو قبول صداقتهم أو مناقشتهم، أو المعلومات التي يخترن نشرها، وسط تمدد خطاب الكراهية على شبكة الإنترنت، والجزء الأكبر من التنمر والابتزاز يتصل بالبيانات الخاصة المحفوظة على الإنترنت، لذلك يجب الإبقاء على احتمال وجود نوايا سيئة.

أُعدّ هذا التقرير بدعم من برنامج نساء في الأخبار، ضمن مبادرة كتابة التقارير حول الأثر الاجتماعي من لبنان لعام 2022 (SIRI).

المساهمون