تُجسد ميساء يوسف، وهي من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، عبر اللوحات بمختلف مقاساتها وتنوع الأدوات المُستخدمة فيها تفاصيل القضية الفلسطينية، إلى جانب مختلف المواضيع الحياتية، علاوة على تصوير القصص الخيالية بأسلوب فني مشوّق.
تقوم تقنية "الكولاج" على تجميع أشكال مختلفة لصنع عمل فني متكامل على اللوحات، تدخل فيه خامات متعددة من الأقمشة الخفيفة أو المزخرفة أو المطعمة بالخرز، وتدمج بالخامات البيئية المهملة مثل أوراق البصل والثوم الجافة وبقايا بذرة جوز الهند والبذور عامة والبهارات. ويمكن استخدام الألوان لصنع ملمس مميز، وكذلك استخدام الصور والمطبوعات الجاهزة أو تصميمها وتثبيتها بالغراء.
تقول ميساء يوسف (36 عاماً) لـ "العربي الجديد" إن رحلتها مع هذا الفن بدأت في المرحلة الإعدادية كهواية بسيطة، حين كانت ترسم الوسائل التعليمية وتصنع المجسمات وتزين الدفاتر، ما لفت انتباه المدرسات.
درست يوسف التمريض والعمل في الخدمات الطبية العسكرية. وفي أوقات الفراغ، كانت ترسم "بورتريهات" ولوحات أخرى، وتستخدم المهملات الطبية مثل العلب الفارغة والحبوب منتهية الصلاحية واللاصق الطبي، في الزخرفة. هذا الدمج بين المهملات الطبية والرسم لفت الفنان الفلسطيني بشير السنوار، وهو مديرها في العمل حينها، فطلب منها عرض أعمالها الفنية عليه، ثم البدء بالانضمام إلى دورات لتعلم أساسيات الرسم، لتطوير قدراتها. درست يوسف "التصوير الفني"، والتحقت بدورات خاصة بالتصوير الفوتوغرافي، والأرابيسك، والغرافيك، والفن المعاصر والحديث، وانطلقت نحو فن "الكولاج" لدمج المجسمات باللوحات الفنية.
اختارت يوسف فن "الكولاج" لتميزه وحداثته ومعاصرته للواقع وبصمته المختلفة إلى جانب ما يحمله من عنصر التشويق، علاوة على أنه مطواع، ويمكن فيه استخدام القصاصات الملونة كبديل عن اللون، فيما يمكن تنفيذ الفكرة الواحدة بأكثر من عمل فني، وأكثر من خامة ومواد مختلفة من دون الشعور بالملل، وفق ما توضحه لـ"العربي الجديد".
وجسدت باكورة أعمال يوسف معاناة اللاجئ الفلسطيني عبر مشاهد من النكبة، تلتها أعمال عن حق العودة والحروب الإسرائيلية على غزة، والمناسبات الوطنية مثل "يوم الأسير" و"يوم الأرض"، إضافة إلى القضايا المجتمعية مثل العنف ضد المرأة.
وتستخدم في لوحاتها ألوان "أكريلك"، وقماش "الكانفاس"، وفرش الألوان، وسكاكين الرسم، وشبلونات طباعة جاهزة أو تصنعها بنفسها، إلى جانب أي قطعة يمكنها إعطاء ملمس مختلف عن فرشاة الرسم العادية مثل الإسفنج وقطع الكرتون وقطع بلاستيكية أو مطاطية أو قطع قماش. اللوحة الفنية نفسها تتكون من أي شيء قابل للقص واللصق، مثل الأوراق متعددة السماكة، كورق الجرائد والمجلات وورق المرحاض الخفيف والكرتون.
تبدأ رحلة إنتاج أي عمل وفق تكتيك "الكولاج" بسطح عمل أساسي على "الكانفاس" أو قطعة كرتون أو ورق مقوى (ورق كانسون أو فبريانو)، ولصق الخامات عليها لإعطاء ملمس بارز، والبدء بتنفيذ الفكرة، فيما ترسم شخصيات على أوراق خارجية، أو تحاك ملابس الشخصية وتركب على اللوحة. ومن الممكن كتابة نصوص حسب كل عمل فني ومتطلباته.
ولم تكتفِ الأعمال الفنية متعددة الخامات بالحديث عن تفاصيل الواقع الفلسطيني، إذ جسدت مشروعاً متكاملاً تحت عنوان "أليس في فلسطين" الذي تحدث عن تجربة فتاة هربت من واقعها إلى عالم الخيال، وصورت في أكثر من مشهد في حالة الدهشة والخوف والقلق والسعادة والهروب والسقوط والطيران، على غرار مغامرات "أليس في بلاد العجائب" الشهيرة.
تتميز ميساء يوسف في أعمالها التي تنتمي إلى المدرسة "الواقعية السحرية" Magical Realism، وتجاوز عددها 400 عمل، باستخدام رموز خاصة بها، تقصد بكل واحدة معنى محدداً، فاستخدام السفينة تقصد به "البحر"، واستخدام قطع لـ"كيك" وكوب الشاي تقصد به "الرفاهية"، بينما تقصد باستخدام ورق اللعب ولوح الشطرنج "تذبذب الوضع الأمني في غزة وعدم الاستقرار"، وترمز للهوية الفلسطينية بأشجار الزيتون، فيما تعبّر بحقيبة السفر عن "الحق بالتنقل".
وشاركت الفنانة الحاصلة على عضوية الفنانين التشكيليين في المغرب والفنانين التشكيليين الفلسطينيين في ألمانيا في ورش وأنشطة ومهرجانات ومعارض فنية عدة، إضافة إلى تنفيذ الجداريات الفنية التي تحدثت عن آثار الحرب ومحاربة الفساد وحقوق الإنسان و"يوم المرأة العالمي" والوحدة الوطنية و"يوم الأسير" و"يوم النكبة".
وتتمنى يوسف العيش بأمان وسلام واستقرار بلا حروب، وأن تتنقل في وطنها بلا حواجز ولا جدار فصل عنصري، وأن تحظى كل امرأة بحقوقها، فيما لا تزال تعاني من تداعيات الحصار الإسرائيلي الذي يقيد حريتها في الحصول على الأدوات الفنية اللازمة وعلى حركة لوحاتها خارج القطاع المُحاصر.