قبل أيام، أعلنت وكالة "سانا" موت الفنان السوري زهير رمضان الذي كان يشغل منصب نقيب الفنانين، عن عمر يناهز 62 عاماً متأثراً بمرضه؛ ليضع بذلك حداً للإشاعات الكاذبة التي لاحقته في الأيام الأخيرة والتي استبقت موته بالتزامن مع تدهور حالته الصحية والإعلان عن إصابته بـ"ذات الرئة".
وفي اليوم ذاته أيضاً، تداولت الصفحات الإخبارية السورية خبراً مفجعاً آخر، عن اعتقال المغني السوري عمر سليمان من قبل السلطات التركية، بتهمة انتسابه إلى منظمة PKK / YPG الكردية، التي تصنف على أنها منظمة إرهابية، قبل أن يطلق سراحه يوم أمس الجمعة ثم يعاد توقيفه. الأمر الغريب في ما يتعلق بهاتين الحادثتين كان بردود فعل شريحة واسعة من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين قابلوا هذه الأخبار بالضحكات وتعليقات الشماتة؛ لتضعنا هذه الحالة العامة أمام التساؤل حول قدرة السوريين اليوم على التعاطف، فما الذي يبكي ويضحك السوريين؟
قد يبرر البعض تعليقات السوريين الساخرة على كلا الحدثين بأسباب موضوعية، تتعلق بطبيعة الشخصيات التي تعرضت لأحداث مفجعة وما نعرفه عن تاريخها الفني. فبالنسبة لزهير رمضان، هو ممثل بدأ مسيرته قبل أربعة عقود، حيث تخرج عام 1983 من المعهد العالي للفنون المسرحية، لينتسب بذات العام لنقابة الفنانين. إلا أن بدايته الفعلية تعود لعام 1989، حين شارك بمسلسل "شجرة النارنج" الذي أخرجه سليم صبري، وتحول منذ ذلك الوقت إلى واحد من الممثلين ثابتي الحضور في الدراما السورية، لكن أدوار زهير رمضان ظلت لوقت طويل محدودة وثانوية ولم يتمكن من ترك أثر واضح حتى عام 2006، عندما قدم شخصية رجل الشرطة الفاسد "أبو جودت" في مسلسل "باب الحارة"، وألحقها بشخصية المختار "عبد السلام البيسة" في مسلسل "ضيعة ضايعة"، ليسطع نجمه بعدها.
السخرية من زهير رمضان في السنوات الماضية كانت تعبر عن فعل ثوري
لكن اندلاع الثورة السورية والمواقف التي اتخذها زهير رمضان منذ ذلك الحين بدعمه لنظام الأسد، بالإضافة لممارساته وقراراته المجحفة التي اتخذها كنقيب للفنانين، حولته إلى نجم تلفزيوني مكروه، يحصل بشكل مستمر على أدوار البطولة، ولكن الانتقادات تلاحقه كظله. ورغم كل شيء ظل متمسكاً بمنصبه حتى وفاته، وحتى بعد أن انفجر الفنانون السوريون بوجهه ليعلنوا رفضهم لتسلطه؛ بما في ذلك الفنانون المعروفون بتأييدهم للأسد.
وأما عمر سليمان، فهو مغن شعبي كردي من مدينة رأس العين السورية، اشتهر بأدائه للأغاني السورية والعراقية والكردية في الحفلات المحلية منذ مطلع الألفية الجديدة. وازدادت شهرته وذاع صيته بعد أن شارك بأغنية Cristalline مع المغنية العالمية بيورك عقب اندلاع الثورة السورية؛ إلا أن الانتقادات كانت تلاحقه بشكل مستمر، لأن شريحة واسعة من السوريين رفضت أن يمثلها عمر سليمان بالمهرجانات العالمية! كما ارتبط اسمه بالسخرية بسبب الصور المركبة عن طريق الـ"فوتوشوب" التي كانت تنشرها صفحة "ولدي ماهر" على "فيسبوك" للتعليق بلسانه على الأحداث الراهنة. فعلياً كان عمر سليمان يستحق التعاطف قبل اعتقاله حتى، لأن السخرية منه كانت مرتبطة قبل كل شيء بالنزعة العنصرية، التي تمارسها النخب الثقافية وأبناء المدن السورية الكبرى ضد الفنانين الشعبيين وأبناء الأرياف والبادية.
ذلك لا ينطبق على زهير رمضان، الذي كانت السخرية منه في السنوات الماضية تعبر عن فعل ثوري، وكان لها بعد رمزي بوصفه تمرداً على بطش السلطة، ولاسيما حين كانت تتزامن موجات السخرية مع قراراته الجائرة بحق الفنانين السوريين المعارضين الذين تعمد إلحاق الضرر بهم. لكن يجب أن نسأل اليوم: ما قيمة السخرية من زهير رمضان في هذا التوقيت؟ ولماذا يتعامل بعض السوريين مع موت زهير رمضان وكأنه انتصار ثوري وينتشون به؟ فكيف يمكن أن يكون الموت انتصاراً! الجميع يمرض ويموت، هذه هي سنة الحياة، والجميع سيموت آجلاً أم عاجلاً ولن يغير ذلك من الواقع شيئا.