ممنوع التدوين للسخرية أو الشكوى في مصر

07 مايو 2022
من تظاهرة في ميدان التحرير عام 2011 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

ألقت الأجهزة الأمنية في مصر أخيراً القبض على عدد من المواطنين، بينهم صحافيتان وناشط سياسي، وضمتهم كلّهم للقضيتين 440 و441 لعام 2022، بسبب تدوينات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. المحالون على هاتين القضيتين لا تربطهم أي صلة سياسية ولا ثقافية، ولا يقفون حتى على مساحة مشتركة من معاداة النظام، حتى إنهم قد لا يعادونه أساساً. كل ما في الأمر أنهم أفراد تجرأوا على الحديث عن الأوضاع المصرية، عبر منشورات على حساباتهم الخاصة على "فيسبوك".

من بين الملاحقين أربعة من حراس العقارات في صعيد مصر، صوروا أنفسهم أثناء تقليدهم أغنية تسخر من غلاء الأسعار، وأطلقوا على أنفسهم اسم "ظرفاء الغلابة". ألقت السلطات المصرية القبض على ثلاثة منهم في الأسبوع الأخير من إبريل/نيسان الماضي، وحققت معهم في نيابة أمن الدولة، ووجهت لهم تهمة نشر أخبار كاذبة، وقررت حبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات في القضية، ورحلتهم إلى سجن أبو زعبل.

ضمت السلطات المصرية للقضية أيضاً محمود المخزنجي، وهو مهندس بترول يعمل في مجال صيانة السيارات. ألقي القبض على المخزنجي من مقر عمله مساء 17 إبريل، وضمته نيابة أمن الدولة للقضية رقم 440 لسنة 2022 بتهمة نشر أخبار كاذبة، وكانت أحراز القضية عبارة عن "منشورات فيسبوك عن مقتل الباحث الاقتصادي أيمن هدهود".

كان الباحث الاقتصادي أيمن هدهود قد قضى مطلع مارس/ آذار في مستشفى للصحّة النفسية في القاهرة. ويومها، أعلنت وزارة الداخلية المصرية أنّه أدخل إلى "أحد مستشفيات الأمراض النفسية بناء على قرار النيابة العامة"، بعدما تلقّت الشرطة بلاغاً في السادس من فبراير/ شباط يفيد بمحاولته اقتحام شقّة في حيّ الزمالك وسط القاهرة و"إتيانه تصرّفات غير مسؤولة". وفي إبريل، استبعدت النيابة العامة المصرية نهائياً وجود شبهة جنائية في وفاة هدهود.

لكنّ المحامي عمر هدهود، شقيق أيمن، رفض بيان النيابة العامة، وتمسّك بوجود شبهة جنائية، مشدّداً على أنّ العائلة لم تتبلّغ بالوفاة إلا بعد شهر من حدوثها. وأثارت منظمات حقوقية فرضية تعرّض هدهود لـ "إخفاء قسري" و"تعذيب".

القضية رقم 441 هي نفس القضية 440 تقريباً، وضمّت السلطات المصرية إليها المذيعة هالة فهمي والصحافية في مجلة الإذاعة والتليفزيون صفاء الكوربيجي. الاثنتان ظهرتا في نيابة أمن الدولة في تواريخ مختلفة خلال الشهر الماضي، على ذمة القضية نفسها، ووجهت لهما الاتهامات بالانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون ونشر أخبار كاذبة، وتقرر حبسهما 15 يوماً، بسبب منشورات على "فيسبوك".

فهمي والكوربيجي كانتا لا تخفيان استياءهما من الأوضاع الكارثية التي يعيشها الشعب المصري، في ظل تدني مستوى المعيشة، وغلاء الأسعار، وانتشار الفساد في اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، حتى أصدر رئيس مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتليفزيون بالإنابة ورئيس التحرير، خالد حنفي، قراراً بإنهاء خدمتهما، بعد احتجاجات عدة على مدار شهور لمئات العاملين في "ماسبيرو"، للمطالبة بمستحقاتهم المالية، وكشف الفساد المالي والإداري.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

فُتحت القضيتان، في حين يروج النظام المصري لانفراج سياسي، إذ شكل لجنة العفو الرئاسية، على هامش لقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعدد من الرموز السياسية والحكومية في البلاد، في حفل إفطار الأسرة المصرية الذي أقيم في 26 إبريل، من أجل إعداد قوائم عفو عن المستحقين، سواء الصادرة بحقهم أحكام قضائية ليعفو عنهم رئيس الجمهورية بصفته، أو المحبوسون احتياطياً لتخلي سبيلهم النيابة العامة.

تأتي هذه الخطوة في محاولة من النظام لتجميل صورته أمام الغرب بشأن ملف حقوق الإنسان وعدد السجناء الكبير والمتزايد في عهده، استجابة لضغوط خارجية. وفي هذا السياق، استعان السيسي، بشخصيات سياسية وأسماء محسوبة على المعارضة.

وتؤكد تقارير حقوقية مصرية ودولية تزايد عدد السجناء بشكل كبير، عقب إطاحة الرئيس الراحل محمد مرسي (1951 ــ 2019) في يوليو/ تموز 2013، وتولي عبد الفتاح السيسي للحكم. وتثير الزيادة الحادة في عدد السجون الكبيرة التي تسمى عادة سجوناً مركزية في مصر قلق جماعات حقوق الإنسان التي ترى فيها انعكاساً للزيادة المفاجئة في عدد المعتقلين والسجناء، وتسلط الضوء على الصعوبات الإضافية في القدرة على الإشراف عليهم جميعاً.

وبينما ترفض السلطات المصرية الإفصاح عن عدد السجناء في مصر، تشير تقديرات إلى أن العدد يبلغ نحو 114 ألف سجين، أي ما يزيد عن ضعف القدرة الاستيعابية للسجون التي قدّرها السيسي، في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بـ 55 ألف سجين، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في يناير/ كانون الثاني 2021.

وتقدّر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عدد السجناء والمحبوسين احتياطياً والمحتجزين في مصر، حتى بداية مارس 2021، بنحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، ونحو 54 سجيناً ومحبوساً جنائياً، ونحو ألف محتجز لم تتوصل لمعرفة أسباب احتجازهم. ومن ضمن السجناء والمحتجزين، بلغ عدد المحكوم عليهم نحو 82 ألف سجين، وعدد المحبوسين احتياطياً نحو 37 ألفاً.

المساهمون