يبدو الانسجام واضحاً على الشقيقين مراد ومصطفى السويطي خلال عزف المقطوعات الموسيقية داخل معهد الموسيقى الفلسطيني الذي يضم عشرات الطلبة، وقد تناغم مشهد الأصوات العذبة مع أصوات الآلات الموسيقية.
ويختص معهد الموسيقى الفلسطيني الذي أُنشأ في مدينة غزة عام 1997 بتعليم الطلبة على مختلف المجالات الفنية، والمتعلقة بالتعليم على الآلات الموسيقية والغناء والكورال والصولو، وغيرها من المواهب الفنية. ويهدف المعهد إلى صقل مواهب الطلبة بمختلف فئاتهم العمرية من خلال احتضانها ورعايتها وتنميتها وذلك وفق مناهج مُحددة، إذْ يتم التدرب عليها بناءً على مجموعة خطوات ومراحل، يتعلم خلالها الطالب مختلف التفاصيل حول موهبته التي جاء لتطويرها.
ويقول الطفل مُراد (7 سنوات) الذي بدأ بالتعلم على آلة البيانو والتدرب على الغِناء، إنه أدى مجموعة أغاني، ومنها "الحلوة دي"، و"يا زريف الطول"، و"ع الهوا"، و"ميل على بلدي"، و"يلا نغني سوا"، و"يا طير الطاير"، ويطمح إلى التعلم على آلة الدرامز الإيقاعية، فيما تعلم شقيقه مصطفى العزف على آلة القانون الوترية، ويشعر بسعادة خلال أداء المقطوعات الموسيقية.
ويضُج المعهد الذي يعتني بعشرات الطلبة بأصوات الهُواة و"الدندنات" من خلال التدرب على المقامات الصوتية، أو على مختلف الآلات الموسيقية التي تخلق أجواء فنية يتناغم فيها شغف الطلبة مع رغبتهم بتطوير مواهبهم.
واختارت الطالبة فلسطين السمنة التدرب على آلة الكَمان، وذلك لإعجابها بصوتها الهادئ، إلى جانب قربها من قلبها، وترى أنها الآلة الأقرب للتعبير عن شخصيتها، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنها بدأت داخل المعهد منذ أربعة شهور بتعلم أساسيات العزف والمقامات الخاصة بآلتها المُفضلة، وقد لاحظت اختلافاً في قدرتها على العزف خلال مُدة التدريب.
الشغف يبدو واضحاً على ملامح الفتى معتصم قديح، من مدينة خان يونس، الذي التحق بالمعهد بعد اكتشاف عائلته أنه يمتلك صوتاً قوياً وعذباً، وذلك بهدف صقل موهبته وتطويرها بناءً على الأسس العلمية الصحيحة. ويوضح قديح (16 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، وهو الذي يتجه إلى أداء الأغاني الوطنية، أنه تعلم خلال الأشهر الماضية على مقامات الصوت، وكيفية استغلال الصوت والطريقة الأمثل لخروجه كي يُعطي أفضل النتائج، مضيفاً "أشعر بأنني حصلت على نقلة نوعية، وأطمح لمواصلة التدريبات".
ويمزج الطالب وسام أبو عواد، الذي التحق بمعهد الموسيقى منذ شهرين، بين التدرب على آلة البيانو والتدرب على المقامات الصوتية، فيما يطمح إلى أن يصبح عازفاً جيداً مثل والده ويعمل عازف أورغ في إحدى الفِرق الموسيقية.
ويُشارك المعهد الفلسطيني برفقة الأطفال الهواة في مختلف الأنشطة الفنية، إلى جانب تنظيمه عدداً منها، كان آخرها مهرجان "يلا نغني سوا"، والذي شارك فيه نحو 100 طفل وطفلة من الأطفال الهواة الذين تلقوا تدريباتهم ضمن قسم الكورال (الغناء الجماعي)، وذلك داخل قاعة الهِلال الأحمر، جنوبي مدينة غزة، بحضور ذوي الأطفال: وقد قاموا بغناء مجموعة من الأغاني الفلكلورية والشعبية، مثل "قمرة يا قمرة لا تطلعي ع الشجرة"، "يلا نغني سوا"، "القدس العاصمة العربية، لفلسطين رمز الحرية".
من ناحيته، يوضح مؤسِس معهد الموسيقى الفلسطيني للثقافة والفنون، إبراهيم النجار، أن الهدف من تأسيس المعهد هو تطوير ونشر الوعي الثقافي الموسيقي لدى الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة والذي يُعاني نقصاً في هذه الثقافة. ويضُم المعهد، وفق وصف النجار لـ"العربي الجديد"، مجموعة من الأقسام، ومنها قسم لتعليم الآلات الموسيقية بكل أشكالها، سواء الآلات الوترية، مثل العود والغيتار والبيانو غير الكهربائي والتشيلو والكمان، والآلات الإلكترونية مثل الأورغ وباقي الآلات التي تعمل على الكهرباء، إلى جانب الآلات الإيقاعية الكهربائية والعادية مثل الدرامز والطبلة وغيرهما.
ويبين النجار أن المعهد، الذي يضم عشرات المواهب وأصحاب الإبداعات الفنية، يقوم على رعايتهم من خلال تعليم الهواة على الآلات الموسيقية، إلى جانب صقل مواهب الهواة في الغناء والنشيد، وتطوير أصواتهم عبر خطوات علمية وعملية، بهدف صناعة نجوم محترفين للمستقبل.
ويرى النجار أن تعليم الموسيقى أو الغناء أمر هام للغاية، خاصة في واقع مثل الواقع الفلسطيني، والذي يتطلب إيصال الرسائل بمُختلف الوسائل، مُبيناً أن الفن أصبح لُغة عالمية، يمكنها أن تسهل وصول الفكرة بشكل سلس ومُباشر لكل أنحاء العالم. ويفتقر قطاع غزة، الذي يُعاني ظروفاً استثنائية بسبب الحِصار الإسرائيلي المتواصل منذ 16 عاماً، لوجود المراكز الثقافية والفنية، باستثناء بعض المعاهد والمراكز التي تُعنى برعاية المواهب وتقديم الخدمات الفنية، بهدف خلق جيل متذوق للموسيقى، ومُبدِع في عزفها.