معرض "إشارات"... العالم موزّعاً على أشرطة فيديو

25 مارس 2023
يقدم المعرض الفيديو بوصفه ذا دور وظيفي وأداة تعبير (موقع المتحف)
+ الخط -

يرجع ظهور تقنية الفيديو إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، إذ ابتكرت أول كاميرا تعمل بهذه التقنية عام 1956 واقتصر استخدامها على التصوير التليفزيوني. أما البداية الحقيقية لانتشار هذه التقنية جماهيرياً فتعود إلى عام 1965، حين ابتكرت شركة سوني اليابانية أول جهاز تسجيل فيديو مُدمج ومنخفض التكلفة. منذ ذلك الحين، تسارعت وتيرة التطور في تقنيات الفيديو ومعالجته، حتى باتت متاحة للجميع.

اليوم، أصبح الفيديو واقعاً يفرض حضوره على هواتفنا وشاشاتنا، يفتح مجالات مختلفة لخبرات ويقتحم مساحات جديدة كل يوم. يثير الحماسة، ويحرك الجماهير، وينشر الحقائق، ويروج كذلك للأكاذيب.

من خلال الجمع بين العشرات من شرائط الفيديو التي أنتجت خلال العقود الستة الماضية، يكشف معرض "إشارات: هكذا غيّر الفيديو العالم" (Signals: How Video Transformed the World)، المستمر حتى الثامن من يوليو/تموز المقبل، في متحف الفن الحديث في نيويورك (MoMA)، الأساليب التي تعامل بها الفنانون مع تلك التقنية، وكيف اختلف التعاطي معها منذ ظهورها، وحتى انتشارها اليوم على هذا النحو.

يسلط المعرض الضوء على أكثر من 70 عملاً من أعمال الفيديو لفنانين من جنسيات مختلفة. تحمل هذه الأعمال تطلعات هؤلاء الفنانين إزاء هذه التقنية، كما تحمل شكوكهم حيالها كذلك. تنعكس هذه الاختلافات والآراء في المحتوى الذي تحمله هذه الأعمال، إذ سيدرك زائر المعرض أن الحديث اليوم عن صناعة الفيديو قد اختلف عما كان عليه قبل عقود مضت. لم يعد الفيديو مجرد وسيلة جديدة ومختلفة للاتصال والتواصل الجماهيري، بل صار في نظر بعضهم أيضاً أداة للتضليل والسيطرة وتشويه الحقائق.

بين الأعمال التي يضمها هذا المعرض ثلاثة لفنانين عرب، يمثل الفيديو جانباً مهماً من ممارساتهم الفنية، وهم منى حاطوم من فلسطين، ووليد رعد وربيع مروة من لبنان. تغطي هذه الأعمال الثلاثة جوانب مختلفة من الممارسات الفنية المرتبطة بالفيديو، كما تطرح تساؤلات ملحة حول هذه التقنية.

يحمل شريط الفيديو المعروض للفنان اللبناني وليد رعد (1967) اسم "الرهينة: أشرطة بشار". يأخذ الفيديو شكل تقرير مصور عن رجل يُدعى سهيل بشار اختُطف واحتجز كرهينة لمدة عشر سنوات في لبنان خلال الحرب الأهلية. مدة عرض الشريط قرابة 15 دقيقة، ويتضمن مقابلة مع الرهينة السابق. في هذه المقابلة، يشرح الرجل الأسباب التي أدت إلى احتجازه، ووسائل الضغط التي تعرض إليها مع الرهائن الآخرين حتى إطلاق سراحه في النهاية. أما ما يجعل الفيديو مثيراً للاهتمام، فهو أن هذا اللقاء مختلق تماماً. على الرغم من ما يتضمنه هذا الشريط من إشارات لأحداث ووقائع وتواريخ حقيقية، فإن الشخصية المحورية هنا لا وجود لها في الواقع. ابتكر رعد قصة بشار وأسره كوسيلة لاستكشاف الطرق التي يتم بها بناء التاريخ والذاكرة والتلاعب بهما.

عبر هذه المساحة الرمادية بين الحقيقة والخيال، يطرح وليد رعد تساؤلات مهمة حول مصداقية الروايات التاريخية ودور وسائل الدعاية في تشكيل فهمنا للماضي والحاضر، وتأثير السرد المشوه للروايات التاريخية في تشكيل تصوراتنا عن العالم من حولنا. 

في شريط الفيديو الخاص بالفنانة الفلسطينية منى حاطوم (1952)، والمعروض تحت عنوان "مقاييس المسافة"، نرى أنفسنا أمام حوار حميمي وشخصي بين الفنانة وأمها. يكشف هذا الحوار عن تعقيدات الحياة والنزوح واللجوء في فلسطين المحتلة. يتمحور الشريط حول سلسلة من الرسائل المتبادلة بين حاطوم ووالدتها التي كانت تعيش في بيروت عندما كانت حاطوم تدرس وتعيش في لندن. تقرأ والدة حاطوم هذه الرسائل بصوت عالٍ باللغة العربية، بينما تكررها الفنانة بالإنكليزية. هي رسائل شخصية مليئة بالتفاصيل حول الحياة اليومية والأمور العائلية، لكنها أيضاً سياسية للغاية، وتعكس واقع الصراع والاضطرابات في الشرق الأوسط خلال الوقت الذي كُتبت فيه.

ويجمع الفيديو بين طبقات مختلفة من الصور، إذ تتداخل كلمات الرسالة المكتوبة بالعربية مع صور قريبة لوالدة حاطوم. يعكس الفيديو تجربة حاطوم نفسها كامرأة فلسطينية تعيش في المنفى، ويقدم نموذجاً لأحد الأدوار الوظيفية للفيديو في الممارسات المعاصرة كأداة للتعبير.

في "الثورة المبكسلة"، يستكشف الفنان اللبناني ربيع مروة القوة التي أمدنا بها الفيديو كوسيلة للمقاومة وسلاح تخشاه الأنظمة المستبدة، سلاح تتم ملاحقة حامليه أو حتى قتلهم. "الثورة المبكسلة" جزء من سلسلة قدمها مروة تحت عنوان "سقوط الشعر" بداية من عام 2012 حول الثورة السورية وتأثيرها على المنطقة. يبدأ الفيديو بلقطات من الاحتجاجات السلمية في سورية عام 2011، والتي سرعان ما تصاعدت إلى حرب أهلية شاملة.

في هذا الفيديو، يستكشف مروة دور وسائل الإعلام البديلة، وكيف غامر بعضهم بأرواحهم أحياناً لتوثيق الجرائم التي ارتكبت في حق المحتجين. المحادثة التي يقدمها مروة تعتمد على مشهد محوري لا يزيد عن دقيقتين، يوثق عملية إطلاق نار على أحد الأشخاص المجهولين أثناء تصويره للتظاهرات بكاميرا الهاتف. يسلط العمل الضوء على الدور الذي تضطلع به وسائل الإعلام الجماهيري في التغيير والصراع، لكنه يعترف كذلك بقيودها ومخاطرها المحتملة.

هذا المعرض يمثل فرصة فريدة لاستكشاف تاريخ ومستقبل فن الفيديو وقوته التحويلية، وهو يُعد شهادة على قوة الفن والتكنولوجيا في إلهامنا وتحدينا بطرق جديدة ومثيرة. فمع استمرار تطور التكنولوجيا في تشكيل حياتنا، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى فهم تأثيرها المتزايد على المجتمع والثقافة الإنسانية.

المساهمون