منذ تأسيسه قبل 245 عاماً، مرّ مسرح بولشوي العالمي، الكائن وسط موسكو، بمجموعة من المحطات المفصلية، شاهداً على مختلف مراحل تاريخ روسيا والاتحاد السوفييتي، ليبقى واحداً من أهم المسارح في العالم وتحفة معمارية فنية تجذب الزوار الروس والأجانب.
ويضم مبنى مسرح بولشوي الذي زاره "العربي الجديد" بعد تخفيف القيود المتعلقة بجائحة فيروس كورونا، عدداً من خشبات المسرح، أهمها خشبة تاريخيّة ذات طراز معماري فريد وخصائص صوتية تتيح سماع أصوات الفنانين والآلات الموسيقية بنفس القوة سواء في الصفوف الأولى أو الخلفية. كما يعد مسرح بولشوي واحداً من بين أكبر عشر دور أوبرا في العالم، إلى جانب أوبرا "لا سكالا" في ميلانو و"غراند أوبرا" في باريس وأوبرا فيينا وغيرها من المسارح العالمية.
ومن بين روائع الأوبرا الروسية والعالمية التي يمكن مشاهدتها في مسرح بولشوي: "كارمن" لجورج بيزيه، و"يفغيني أونيغين" لبيوتر تشايكوفسكي، و"سادكو" لنيكولاي ريمسكي-كورساكوف، و"زواج فيغارو" لفولفغانغ أماديوس موتزارت، وغيرها.
نشأة المسرح
يعود تاريخ تأسيس مسرح بولشوي إلى 28 مارس/آذار 1776، حين قررت الإمبراطورة كاترينا الثانية منح الأمير بيوتر أوروسوف حق الامتياز لتنظيم العروض والكرنفالات وغيرها من الفعاليات الترفيهية لمدة عشر سنوات، فأصبح هذا اليوم يعد تاريخاً لتأسيس مسرح بولشوي. وبني أول مبنى للمسرح على ضفة نهر نيغلينكا، مطلاً على شارع بيتروفكا، فأطلق عليه اسم "بيتروفسكي"، وافتتح في 30 ديسمبر/كانون الأول عام 1780.
يعود تاريخ تأسيس مسرح بولشوي إلى 28 مارس/آذار 1776
وأصبح مسرح "بيتروفسكي" الذي شيّد مبناه في أقل من نصف عام أول مسرح للجماهير في موسكو بهذا الحجم والروعة. ومن أبرز محطات تاريخ مسرح "بيتروفسكي"، انتقاله من مبناه القديم الذي احترق عام 1805 إلى مبنى آخر عام 1825. ونظراً للحجم الكبير للمبنى الجديد، أطلق على المسرح منذ ذلك الحين اسم "بولشوي بيتروفسكي"، مع العلم أن كلمة "بولشوي" تعني باللغة الروسية "كبير". وعلى الرغم من حجمه الكبير، فإنه لم يستوعب كلّ الراغبين في حضور افتتاحه. والنيران أتت على المبنى الجديد أيضاً، ليحترق كاملاً عام 1853، في حريق دام ثلاثة أيام كاملة ودمر كل ما كان يمكن تدميره، بما في ذلك أزياء الممثلين والآلات والديكورات.
واستغرقت عملية إعادة بناء المسرح ثلاث سنوات فقط، ليحتضن المبنى الجديد الذي افتتح عام 1856 مسرح بولشوي حتى اليوم. وتعود هذه السرعة لإعادة بناء المبنى كاملا تقريباً إلى ضرورة استكماله قبل مراسم اعتلاء الإمبراطور ألكسندر الثاني العرش.
شاهد على التاريخ الحديث
في القرن الـ20، أصبح المسرح شاهداً على الأحداث الدراماتيكية التي جرت في روسيا وسقوط آخر قياصرة آل رومانوف، نيكولاي الثاني، وتم الإعلان من خشبة بولشوي عن إقامة الدولة الجديدة، الاتحاد السوفييتي، عقب ثورة البلاشفة والحرب الأهلية بين الحرسين الأحمر والأبيض.
وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، تعرض مبنى المسرح لسقوط قنبلة في أكتوبر/تشرين الأول عام 1941، مما ألحق به أضراراً جسيمة. ومع ذلك، لم يمنع الصقيع ومتاعب الحرب بدء أعمال ترميم المسرح في شتاء عام 1942، ليستأنف عروضه في خريف عام 1943.
شهد المسرح عملية ترميم استغرقت 6 سنوات انتهت عام 2011
وفي القرن الحالي، جرت عملية ترميم المسرح خلال الفترة من عام 2005 إلى عام 2011 لإحياء أجواء القرن الـ19، ليفتح أبوابه من جديد كأهم مسرح في روسيا وأحد أشهر المسارح في العالم، حيث يمكن الاستمتاع بعروض لروائع المسرح والأوبرا الروسية والعالمية، وسط صعوبة إيجاد تذاكر في ظل ارتفاع الإقبال.
ومع تحول مبنى مسرح بولشوي إلى جزء لا يتجزأ من حياة سكان موسكو وضيوفها، وجد المسرح مرآة له في الفن والسينما الروسية. وجرت أعمال تصوير فيلم "بولشوي" للمخرج فاليري تودوروفسكي في مسرح بولشوي. وهو يتناول قصة راقصة موهوبة تدعى يوليا أولشانسكايا تشق طريقها إلى خشبة بولشوي وتصطدم خلال مسيرتها بالعديد من المتاعب والغدر وحقد الآخرين. وعند عرضه في دور السينما الروسية عام 2017، شاهد نحو مليون مشاهد الفيلم، ليحقق إيرادات تفوق 4 ملايين دولار، مما يعكس اهتمام الروس بأشهر مسرح في بلادهم.