مساءلة نيابية بعد غلق حديقة الزهرية التراثية بالزمالك بداعي التطوير

06 أكتوبر 2024
حديقة الزهرية في الزمالك (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وقع مئات من مرتادي حديقة الزهرية التراثية في القاهرة على عريضة إلكترونية لوقف قرار غلق الحديقة وتسليمها لوزارة الدفاع، مؤكدين على أهميتها كمعلم تراثي وبيئي يحتوي على نباتات نادرة وأشجار تاريخية.

- قدمت النائبة سميرة الجزار طلباً لإحاطة الحكومة بقرار غلق الحديقة، مشيرة إلى أن القرار يتعارض مع القانون والدستور المصري، ويثير غضب سكان الزمالك ومحبي الطبيعة بسبب رفض المجتمع لإقامة مشاريع تجارية فيها.

- تأسست حديقة الزهرية في عهد الخديوي إسماعيل عام 1868، وتقلصت مساحتها عبر السنوات. تثير خطط "تطوير الحدائق" قلقاً واسعاً، حيث يُنظر إليها كتحويل للحدائق إلى أماكن تجارية على حساب المساحات الخضراء.

وقّع مئات من مرتادي حديقة الزهرية التراثية الواقعة في شارع البرج بجزيرة الزمالك النيلية، في قلب العاصمة المصرية القاهرة، على عريضة إلكترونية تطالب الأجهزة المختصة في الدولة بوقف قرار غلق الحديقة، وتسليمها إلى وزارة الدفاع (الجيش) تحت ذريعة التطوير وتنفيذ المشروعات العامة، اعتباراً من بعد غد الثلاثاء.

ويرى الموقعون على العريضة، وهم فنانون ومهتمون بالتراث وطلاب جامعيون، أن حديقة الزهرية إحدى الحدائق المفتوحة القليلة المتبقية للمواطنين على مستوى الجمهورية، وتعتبر موطناً لأشهر شجرة تين بنغالي في مصر، إذ إنها تأسست في القرن التاسع عشر حتى تكون بمثابة مختبر طبيعي ضخم، بعد جلب آلاف النباتات إليها من مختلف أنحاء العالم.

وسلم ممثلون عن الموقعين شكوى رسمية بمطالبهم إلى محافظة القاهرة، اليوم الأحد، بينوا فيها أن حديقة الزهرية عريقة وجميلة، وتحتوي على أشجار يزيد عمرها عن 100 عام، كما تحتوي على أشجار نادرة، وبها صوبات زراعية أثرية تعود إلى حقبة القاهرة الخديوية، ومعمل زراعي مهم.

من جهتها، قدمت النائبة في مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي، سميرة الجزار، طلباً لإحاطة الحكومة بقرار غلق الحديقة، قائلة إنه "يمثل تعدياً على القانون بوصفها منطقة تراث"، مؤكدة رفض الكثير من المواطنين مخطط هدمها، من أجل إنشاء مشاريع تجارية، والتفريط بالنباتات النادرة فيها.

وأضافت الجزار أن حالة من الغضب سادت بين سكان منطقة الزمالك، إثر إخطار جهة سيادية (لم تسمها) إدارة حديقة الزهرية بغلقها، ونقل إدارتها إليها بداية من يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بحجة تطوير الحديقة، وإنشاء أنشطة تجارية على أرضها.

وتابعت أن القرار أثار تساؤلات لدى سكان الزمالك، ومحبي الطبيعة، وجمعيات البيئة والمجتمع المدني، حول علاقة "الجهة السيادية" بتطوير حديقة الزهرية الملاصقة لبرج القاهرة، لا سيما بعد تعاقد محافظة القاهرة مع شركة تدعى "هاواي للسياحة والاستثمار" عام 2021، لإنشاء عجلة دوارة على أرض حديقة المسلة المطلة على النيل في الزمالك، بما يستحيل معه تنفيذ المادة 19 من الاشتراطات البيئية الواردة في قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994.

وأكملت الجزار أن الإصرار على إقامة مشاريع تجارية وترفيهية في حي الزمالك السكني الراقي يقابله رفضاً مجتمعياً واسعاً، لأن هذه الحدائق باتت المتنفس الوحيد المتبقي للسكان من المساحات الخضراء، بالإضافة إلى قيمتها التاريخية، وضمها في السابق إلى قائمة المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز.

وأوضحت أن حديقة الزهرية لا تحتاج إلى تطوير، وكذلك حديقة المسلة، خصوصاً مع سياسة الحكومة الممنهجة إزاء قطع الأشجار التاريخية، على غرار ما حدث في منطقة العجوزة على كورنيش النيل، مستطردة بأن الحكومة لا تتوقف عن النهج والعبث نفسه، ومحاولة الاستيلاء على الحدائق وقطع الأشجار بها، الأمر الذي حدث سابقاً مع حديقة الميريلاند في حي مصر الجديدة، وحديقة أنطونيادس في محافظة الإسكندرية.

وتساءلت الجزار، في طلبها: "هل يوجد طريقة لإنهاء الاستهتار ووقف تجريف مصر من أشجارها، ومساحاتها الخضراء التي تقلصت إلى النصف؟ أو إصرار الحكومة والجهات السيادية على السير في هذا الطريق، من دون اكتراث بأن مصر دولة قانون؟"، منبهة إلى أن تغيير ديموغرافيا الحدائق مخالف للمادة 32 من الدستور المصري، التي تنص على أن "موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها".

كما أنه مخالف للمادة 45 من الدستور، وتنص بأن "تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدي عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر".

أيضاً مخالف للمادة 46 من الدستور، وتنص بأن "لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها"، حسب ما ورد في طلب الإحاطة.

وأنشأت حديقة الزهرية في عهد الخديوي إسماعيل عام 1868، على الجزء الجنوبي من حدائق قصره المنشأ في جزيرة الزمالك، بهدف إكثار وأقلمة النباتات المستوردة والنادرة. وبلغت مساحة الحديقة وقت إنشائها 49 فداناً، ثم أنشئ بها المشتل وروضة الزهور عام 1871، وخصصت بها أماكن لتربية النباتات التي جرى نشرها لاحقاً في شتى الحدائق، وأقيمت بها الصوب الزجاجية والخشبية لإكثار النباتات.

وتقلصت مساحة حديقة الزهرية إلى ثمانية أفدنة، بعد اقتطاع أجزاء منها لإنشاء معهد التربية الرياضية، ومدرجات النادي الأهلي، وبرج القاهرة. وتحوي الآن مشتلاً للأشجار، وآخر للحوليات ونباتات التربية الخاصة، وصوباً للنخيل تعتبر من المنشآت الأثرية ذات التنسيق الجميل، علاوة على احتواء الحديقة على شعب مرجانية فريدة، ومجرى مائي.

وحدد الدليل الإرشادي لترميم الحدائق ذات الطابع المعماري المتميز جهات بعينها لتولي عملية الترميم، ليس من بينها وزارة الدفاع، وهي المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، والمحافظة المختصة، ووزارات الزراعة والآثار والبيئة والموارد المائية والري والتنمية المحلية.

وفي يوليو/ تموز 2023، أغلقت مصر حديقتي الحيوان والأورمان التاريخيتين في محافظة الجيزة أمام الجمهور، لمدة عام ونصف العام، عقب تسليمها من وزارة الزراعة إلى شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية، وهي شركة تابعة للجيش، إيذاناً بتنفيذ مخطط لـ"تطوير الحديقتين" بالتعاون مع تحالف إماراتي.

ومصطلح "تطوير الحدائق" سيئ السمعة في مصر، منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم البلاد في 2014، إذ يعني بالضرورة تحويلها إلى أماكن للمطاعم والمقاهي الحديثة، بعد إزالة وتجريف أكبر قدر ممكن من المساحات الخضراء، على غرار ما حدث في كثير من المتنزهات والحدائق التاريخية، ولعل أبرزها حدائق المنتزه في الإسكندرية، وحدائق "عروس النيل" و"صباح الخير" و"هابي لاند" الأقدم في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، والحديقة الدولية في حي مدينة نصر بالقاهرة.

يذكر أن الجيش استولى على حديقة الميريلاند الشهيرة في مصر الجديدة، وبدأ في تحويلها تدريجياً إلى تجمعات للمطاعم والكافيهات، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1949 في عهد الملك فاروق تحت اسم نادي سباق الخيل، وكانت تضم الكثير من الأشجار المعمرة، وبحيرة مخصصة للمراكب الصغيرة، ومشتلاً لتشجير الحديقة، إلى جانب برجولات ومشايات وشلالات.

ولا تتوقف عمليات قطع الأشجار، وإزالة المساحات الخضراء، في مناطق القاهرة تحديداً، من أجل إنشاء محطات وقود وأكشاك للوجبات السريعة ومقاه (مؤجرة لصالح الجيش) تحت مزاعم التطوير، لتفقد العاصمة المصرية طابعها المميز مع مرور الوقت.

وتتحجج السلطات بأن الأشجار تستهلك كميات كبيرة من المياه، بينما دخلت مصر مرحلة الشح المائي، ومن الأولى استغلال هذه المساحات في تنفيذ مشروعات استثمارية تدر دخلاً.

المساهمون