محمد بيوض (2/ 2): "التحريك لا يقتصر على أفلام "ديزني" فقط"

13 أكتوبر 2021
محمد بيوض: خلق تدريب على سينما التحريك بمكناس (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

في الجزء الثاني من حوار "العربي الجديد" معه (الجزء الأول، 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021)، يروي محمد بيوض ـ المدير الفني لـ"المهرجان الدولي لسينما التحريك بمكناس (فيكام)"، الذي تُقام دورته الـ19 بين 11 و16 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 ـ تفاصيل مختلفة عن مسارٍ تاريخي وثقافي وفني واجتماعي وتقني، يرتبط بسينما التحريك ومدينة مكناس والمشاهدين، طلبة وبالغين. كما يُقدِّم، باختصار، بعض أبرز تصوّراته المتعلّقة بتنظيم الدورة الـ20، في العام المقبل.

 

(*) ماذا عن أهمّ محطات التطوّر؟ اللحظات الفارقة في مسار ولوجه الاحتراف؟

عام 2002، وزيارة ميشيل أوسلو، كانا فارقين، لأنّه أول مخرج ذي صدى عالمي يحلّ ضيفاً على المهرجان. دشّن هذا مسارَ تعلّم وتطوير ذاتي، حتّى بالنسبة إليّ كمدير فني للمهرجان، منذ بداية متابعتي مهرجان "آنسي" عام 2003. استفدتُ كثيراً من أساليب وطرق الاشتغال هناك، ومن أشياء رائعة شاهدتها. في العام نفسه، بدأت الشراكة مع شركة معلّبات غذائية، ساهمت في تنظيم المهرجان، بدءاً من مساهمة مادية، قبل تطوّرها، شيئاً فشيئاً، إلى شراكة، وأصبحت المجموعة شريكة في التنظيم انطلاقاً من عام 2010. الجميل في المهرجان أنّه نموذج لشراكة ناجحة بين هيئة عمومية (المعهد الفرنسي) وشريك خاص (مؤسّسة عائشة). هذا أساسي للغاية، لأنّه يترجم حباً حقيقياً للمدينة، قبل أنْ يكون رغبة في خدمة صورة تجارية.

نحن في حاجة ماسّة إلى مؤسّسات خاصة تخدم الشأن الثقافي في مسار تسويق صورتها. عام 2004، نظّمنا أولى ورشات "ستوري بورد" لفائدة الطلبة. توجّهنا إلى الدار البيضاء وتطوان للقاء طلبة "مدرسة الفنون الجميلة" ومعاهد التكوين السمعي والبصري، ليستفيدوا من الورشات. بدأنا بـ20 ـ 40 طالباً، وفي الأعوام الأخيرة وصل العدد إلى 100 و150 طالباً، مع انفتاحٍ على مناطق بعيدة كورزازات. برنامج الورشات متنوّع، ينتبه إلى تخصّصات الطلبة وحاجاتهم. كنا نحرص على إضافة شيء جديد في كلّ دورة. عام 2006، أطلقنا "جائزة عائشة الكبرى لسينما التحريك" لأفضل فيلم قصير من إنجاز طلبة معاهد السينما والفنون الجميلة، لأنّه لم يكن ممكناً لنا وضع مسابقة دولية للأفلام الرسمية من دون مشاركة مغربية. عام 2006 أيضاً، حضر إزاو تاكاهاتا في إطار الاحتفاء بالسينما اليابانية. من هنا بدأت بوادر الاحتراف، وتنويع الجمهور. شكّلت برمجة حصص المسابقة الرسمية انطلاقاً من التاسعة مساء إشارة إلى أنّ الفئة المستهدفة منها ليسوا الأطفال واليافعين. ثم أُحدِثت مسابقة الأفلام الطويلة مع "لجنة تحكيم ناشئة" (جونيور).

 

(*) هذا اختيار لافت للانتباه: لماذا لجنة ناشئة للأفلام الطويلة؟

لأنّ ذلك نابع من هوية المهرجان، وحرصه على الاشتغال على الناشئة وتكوين جمهور. كان بوسعنا تشكيل لجنة من المحترفين، لكن طموحنا في الخروج بتصوّر متجانس بين الأهداف والمحتوى يُقرِّر اختياراتنا. هناك أيضاً هَمّ الاحتفاء بمكناس. نركّز دائماً على التاريخ السينفيلي للمدينة، وأهميته. بالنسبة إلينا، الإقبال على المهرجان ينبع من حضور السينفيليا في "الحمض النووي" للمدينة، رغم انقطاع مظاهرها في العقود الأخيرة لأسباب موضوعية. ألمس ذلك في كلّ دورة تقريباً. عند عرض "السلحفاة الحمراء" (2016)، دام النقاش بين مخرجه ميشال دودوك دي فيت والمتفرجين، بمن فيهم الأطفال، أكثر من 45 دقيقة. كنّا مُضطرّين لإيقاف النقاش حرصاً على احترام توقيت العرض اللاحق. أتذكّر أنّ آخر تدخّل جاء من طفلة تسأل المخرج: لماذا أعاد شخصية المرأة السلحفاة إلى الجزيرة، بعد أنْ كسبت حريتها في نهاية الفيلم.

 

(*) حتى لوحة الحائط الرائعة في القاعة التاريخية "كاميرا" تحيل نوعاً ما إلى سينما التحريك. يُمكن مثلاً تنظيم مسابقة لأفضل فيلم قصير يشتغل على تحريك شخصيات هذه اللوحة.

هذه فكرة جيدة. فكّرنا أيضاً في سينما تحريك تُعيد صوغ التاريخ الغني للمدينة في قوالب تخييلية. مولاي اسماعيل والأسوار. أحلم أيضاً بعروض ليلية للأفلام على أسوار المدينة. أريد إمكانات تسمح بتحقيق هذه الأشياء. كثيراً ما يسألني بعضهم، بدهشة: "كيف نجحتم في استضافة ديفيد سيلفرمان في مكناس؟". نحن كفريق لا نطرح على أنفسنا السؤال حتّى. نقرّر فقط في مدى انسجام الخطوة مع أهداف المهرجان، ثم ننفّذها.

 

(*) ربما لأنكم نجحتم في خلق جمهور للمهرجان يعطيكم الثقة في قدرتكم على استضافة ناجحة لأسماء من هذا العيار. لا يُمكن دعوة مخرج سلسلة "سيمبسون" ليجد نفسه أمام جمهور من 3 أو 5 أشخاص.

بالفعل. هذا شيء غير مقبول البتة، ولا يمكنني أنْ أستسيغه. أفضِّل أنْ تنشقّ الأرض وتبتلعني، على أنْ أعيش لحظة كهذه. من يُنظّم ملتقى ولا يفكر في الجمهور الذي سيحضر، والتوقيت المناسب له، والفضاء الملائم، وهل هناك وسائل مواصلات عند انتهاء النشاط في ساعة متأخّرة من الليل؛ من لا يفكر في هذا كلّه، لا يستحق صفة منظّم مهرجان. حتى حضور الطلبة المستفيدين من التدريب يضمن لك فئة مهمّة من الجمهور، الذي يمكن أنْ يحضر حصّة "تقديم عمل في طور الاشتغال عن الجانب التقني لتحريك فيلم بتقنية ثلاثية الأبعاد"، مثلاً. هذا نشاط فئوي ينبغي مراعاة التقنية والتخصّص المطلوبين لحضوره.

 

 

 

(*) نصل إلى سؤال محوري: عندما أشاهد المقدّمة المؤثّرة لـ"علي زاوا" لنبيل عيوش (مَشاهد تحريك حالمة بتعليق من شخصية علي زاوا بالمغربية الدارجة ـ المحرّر)، أدرك مدى الخسارة التي نتكبّدها في غياب أفلام تحريك مغربية طويلة. لماذا لم يجد فيلم التحريك المغربي بعد مكانته في منظومة الإنتاج؟

لجأ نبيل عيوش إلى استديو "فوليماج" الفرنسي لإنجاز هذه المقدمة. قريباً، سندعو متخصّصة من الاستديو لتشتغل مع أساتذة على كيفية استغلال الأفلام البيداغوجية لسينما التحريك في فصول التدريس. هناك مشكلة حقيقية في التدريب على إنتاج أفلام التحريك في المغرب، وخلقها وتسويقها. نلمس تحكّماً تقنياً لا بأس به، لكنْ هناك نقص كبير في التصوّر الإبداعي والكتابة. هذه أشياء لا يمكن صقلها إلاّ بتطوير التدريب، ومشاهدة أفلامٍ، ما يطرح مجدّداً أهمية ما نقوم به في عرض سينما التحريك غير السائدة للطلبة. في معاهد التدريب على سينما التحريك في فرنسا، يدرسون تاريخ السينما والتشكيل والنحت، ويعزّزون مدارك مهمّة عن مورفولوجيا الأجسام وتعابير الوجه. مهمٌّ أيضاً أنْ يُدرك الطالب أنّ التحريك لا يقتصر على أفلام "ديزني". هناك مدارس مزدهرة في الأرجنتين وروسيا وجنوب إفريقيا. هناك تقنية التحريك بالرمل والدمى المحرَّكة وسينما التحريك التجريبية، إلخ. لا يمكنك الجلوس لكتابة فيلم تحريك متفرّد، من دون امتلاكك مراجع وحساسيات تتأتّى أساساً من المُشاهدة والاحتكاك مع تجارب مختلفة.

هناك أيضاً مشكلة غياب سوق لسينما التحريك. بوسع التلفزيون أنْ يحلّها. أعتقد أنّ تفعيل القرار المتّخذ مؤخراً من القناتين الأولى والثانية، بإطلاق إنتاج مسلسلات تحريك مغربية، يُعدّ خطوة تاريخية. ما إنْ تمّ تفعيل الإنتاج بشراكة مع استديوهات في الدار البيضاء وخارجها، حتّى لمسنا نقصاً في الكفاءات المتطلبة للاشتغال على عملية معقّدة ومتطلبة، كإنجاز مسلسل تحريك. هذا يطرح مرّة أخرى إشكالية التدريب، لكنْ هذه المرة من زاوية الحاجة الملحّة إلى تطويره، ما يفتح مجالاً لإيجاد حلول.

تحدّثنا عن ضرورة خلق منتجات تحريك بهوية مغربية بشكل طليعي، بعيداً عن شوفينية البحث عن الهوية الضيقة، منذ النقاش عن دفاتر تحمّلات التلفزيون في مطلع العقد السابق. دعم الإنتاج عمومياً يقدر وحده على إطلاق دينامية تكوين وخلق يمكن أن تبشر بصناعة سينما تحريك مغربية.

 

(*) للممارسة جانب إيجابي، من منظور خلق فرص لاشتغال المخرجين وصقل مواهبهم بالتجربة. لكنْ، لها وجه آخر، يتمثّل في تنميط رؤيتهم على أسلوب مباشر وأطروحي إلى حدّ ما، بسبب اشتغالهم المتكرّر على أفلامٍ تحسيسية، تلقى إقبالاً كبيراً على الإنترنت، إلى درجة أنّه يمكننا التحدّث عن نشوء مدرسة.

نعم. هناك استديوهات في الدار البيضاء تشتغل على الفيلم المؤسّساتي أو الإيضاحي، عن مواضيع سياسية واجتماعية. هذا معطى إيجابي، لأنّه يُتيح للاستديوهات تأمين تمويلٍ ذاتي، يسمح لها بإنتاج أفلامٍ ذات رهانات فنية أعمق.

هناك استديو "آرت كوستيك"، الذي يُشجّع المشتغلين فيه على إخراج أفلام قصيرة إبداعية، كما يفعل استديو "بيكسار". يقود هذا حتماً إلى أعمالٍ ذات جودة فنية أفضل. مستوى الإبداع في التصاميم والغرافيزم (الرسومات)، الذي ألاحظه في أعمال طلبة "مدرسة الفنون الجميلة"، مُدهش للغاية. ينبغي فقط أنْ يوضع في خدمة قصص ملهمة وخلاّقة.

 

(*) هناك أيضاً تقصير من "المركز السينمائي" في دعم فيلم التحريك، مع إجراءات تمييز إيجابي ربما تُخرجه من وضعية التهميش، كما حدث مع الفيلم الوثائقي الذي تمّ ذكره بالتعيين في بنود كثيرة من قانون الدعم، كشكل من إعادة الاعتبار. هذا غائب تماماً عن فيلم التحريك للأسف.

هناك بالفعل مجهود ينبغي القيام به في هذا الاتجاه، كإصدار بطاقة احترافية لمخرجي فيلم التحريك. طُرحت هذه المشكلة مؤخّراً حين تقدّمت المخرجة الشابة صوفيا الخياري بطلب الحصول على بطاقة مخرجة محترفة، مُعزّزاً بـ3 أفلام تحريك قصيرة لها. رُفض طلبها من اللجنة. أعتقد أنّ إطلاق الإنتاج سيقود إلى هيكلة أفضل لمجال سينما التحريك. عندها، يتمّ التفاوض مع "المركز السينمائي" من منطلق أفضل حول هذه الأشياء.

 

(*) ما هي طموحاتكم للدورات المقبلة، التي ستمثّل فرصة للخروج من تداعيات الوباء، وتدشين العقد الثالث من المهرجان؟

من أهم طموحاتنا للمستقبل خلق تدريب على سينما التحريك في مكناس. ليس بالضرورة مدرسة، بل شعبة متخصّصة على الأقلّ. ستكون دورة 2022، أي الدورة الـ20، فرصة للاحتفاء بتجارب سينما التحريك المغربية في الفيلم القصير، من بين أنشطة أخرى طموحة. ستمثّل الدورة أيضاً مناسبة رائعة لاسترجاع الزمن الكوفيدي الضائع، بأسماء لامعة وأفلام كبيرة وورشات متنوعة طبعاً. نطمح أيضاً، على المدى المتوسّط، إضافة فضاءات عرض جديدة. لكن ينبغي أن يرافق هذا دراسة دقيقة لهامش تطوّر الجمهور. ينبغي أنْ ينتبه طموحنا إلى القدرات والإمكانات، كي لا نجد أنفسنا أمام أوضاع ومواقف غير منسجمة مع هوية المهرجان.

المساهمون