ماسك "يحرّر المغرّد"... ماذا سيفعل بعد؟

28 أكتوبر 2022
اشترى "تويتر" مقابل 44 مليار دولار (مايكل غونزاليس/Getty)
+ الخط -

بعد نحو خمسة أشهر من الأخذ والردّ وتبادل الاتهامات، استكمل الملياردير إيلون ماسك، فجر الجمعة، عملية الاستحواذ على شركة تويتر مقابل 44 مليار دولار أميركي، وسارع إلى تسريح الرئيس التنفيذي باراغ أغراوال، والمدير المالي نيد سيغال، والمسؤولة القانونية فيجايا غادي.

كان ماسك قد تقدم بعرض من دون طلب من الشركة لشراء "تويتر"، ووقّع اتفاقاً بهذا الشأن في إبريل/ نيسان، لكنه عدل عن رأيه بعد ذلك، ما دفع "تويتر" إلى رفع دعوى قضائية ضده. وأفادت تقارير بأن ماسك كان يجمع التمويل اللازم للصفقة، منذ أن جمّد قاضٍ القضية مؤقتاً في 6 أكتوبر/ تشرين الأول. وقال ماسك، في يوليو/ تموز، إنه تراجع عن الصفقة لأنه تعرض للتضليل من قبل "تويتر" بشأن عدد الحسابات الوهمية على المنصة، وهي مزاعم رفضتها الشركة. تعيّن على ماسك إنهاء الصفقة بحلول الجمعة، وإلا فإنه كان سيواجه المحكمة، لتخلفه عن تنفيذ الاتفاق المبدئي الذي وقّعه مع "تويتر".

هذه صفقة تجارية في النهاية. لكن الرجل الأكثر ثراء في العالم لا يتوقف عن تصويرها كأنها بوابة لتغيير العالم. قبل إنهاء الصفقة بساعات، قال إنه سيشتري "تويتر"، لا لجني الأموال، بل "لمساعدة الإنسانية". وبعد إتمامها، كتب على "تويتر": "المغرّد قد تحرّر". وما بين "مساعدة الإنسانية" و"تحرير المغرّد"، تراجع ماسك ــ كعادته ــ عن بعض مواقفه السابقة.

عشية الاستحواذ وجّه ماسك، وهو الرئيس التنفيذي لشركتي تِسلا وسبايس إكس، رسالة إلى المعلنين، كشف فيها عن بعض خططه المستقبلية، قائلاً إنه لن يسمح بتحول المنصة إلى "جحيم مجاني للكلّ، ليقولوا بما يريدون من دون أي عواقب"، ليتراجع عن وعده السابق بتغيير سياسات الإشراف على المحتوى وجعل "تويتر" حصناً لحرية التعبير. وأضاف ماسك: "ستلتزم المنصة بقوانين الأرض، كما ستكون منصة حميمة ترحب بالجميع. يجب أن يتمكن المستخدمون من اختيار التجارب التي يريدونها".

أثارت تصريحاته هذه شكوكاً بشأن نيته إعادة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى المنصة التي فرضت عليه حظراً دائماً منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد هجوم أنصار له على مبنى الكابيتول، بسبب تغريدات وصفتها بأنها تحرّض على العنف. وكتب ماسك في الرسالة نفسها أنه اشترى "تويتر" لخلق "مربع رقمي مشترك حيث يمكن مناقشة طيف واسع من المعتقدات بأسلوب صحي، ومن دون اللجوء إلى العنف".

كيف تفاعل المغردون؟

مستخدمو موقع تويتر الذين كانوا يتابعون تفاصيل هذه الصفقة لحظة بلحظة عبّروا عن آراء ومخاوف متباينة. كثيرون قالوا إنهم قد يهجرون المنصة، وآخرون كتبوا تغريداتهم الأخيرة بالفعل. البعض أفادوا بأنهم سيكونون أكثر حذراً عند التغريد. البعض الآخر حاولوا تشكيل صورة أكبر عمّا يمثله هذا الاستحواذ على المجتمعات. وطبعاً، لم تغب التكهنات بعودة ترامب إلى المنصة. في المقابل، احتفت شخصيات يمينية بهذه الصفقة، وبينها عضو الكونغرس عن تكساس دان كرينشا الذي قال إنه سيبدأ بالتغريد أكثر، بعد استحواذ ماسك على "تويتر" وطرده الرئيس التنفيذي.

هل تؤثر الصفقة على الانتخابات النصفية الأميركية؟

إتمام الصفقة قبل أقل من أسبوعين على إجراء الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية أقلق ناشطين سياسيين من إمكانية استغلال "تويتر" في خداع الناخبين وتقويض شرعية العملية الديمقراطية. سبب هذه المخاوف هو الانتقادات التي وجهها ماسك سابقاً لسياسات الإشراف على المحتوى التي تنتهجها "تويتر"، لذا تساءل كثيرون: هل سيحول دعم ماسك لحرية التعبير بالمطلق منصة تويتر إلى بيئة خصبة للأكاذيب والتضليل؟

الانتخابات النصفية تشكّل تحدياً بارزاً أمام منصات التواصل الاجتماعي، وبينها "تويتر"، خاصة أن مئات المرشحين من الحزب الجمهوري تبنوا مزاعم ترامب بأن انتخابات عام 2020 قد زوّرت. هؤلاء المرشحون وأنصارهم لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المؤامرات حول تزوير الانتخابات. أخطار قرارات تويتر كبيرة. قال الخبراء إن مثل هذه الأخبار الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تقوض ثقة الأميركيين في العملية الانتخابية. ويتعين على الشركات اتخاذ قرارات صعبة بشأن المحتوى الذي يجب تركه أو حذفه.

في أغسطس/ آب الماضي أعلنت "تويتر" عن خطة منتصف المدة لعام 2022 التي تحاكي إلى حد كبير الاستراتيجيات التي نشرتها في الدورات الانتخابية السابقة، وبينها الترويج لمعلومات دقيقة حول الانتخابات وتقييد انتشار الأخبار المضللة. أكدت "تويتر" أنها ستضيف تصنيفات أو تزيل المنشورات التي تقوض الثقة بالعملية الانتخابية، وبينها المزاعم بتزوير انتخابات عام 2020.

المزاج في واشنطن ليس مثالياً أيضاً. فماسك الذي تناول يوماً العشاء مع الرئيس السابق باراك أوباما، وانضم إلى المجالس الاقتصادية لترامب، وتبرع لمرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، يهاجم حالياً الرئيس جو بايدن، ويقول إنه يخطط للتصويت لرئيس جمهوري عام 2024.

وعلى الرغم من أن ماسك لا يحتاج لواشنطن الآن، فإن واشنطن لا تزال تعتمد عليه؛ يستخدم الجيش الأميركي صواريخه وخدمات اتصالاته عبر الأقمار الصناعية لطائراته من دون طيار وسفنه وطائراته. لا توجد لدى "ناسا" حالياً طريقة لإيصال رواد فضاء أميركيين إلى محطة الفضاء الدولية من دون كبسولته الفضائية. وفي الوقت الذي يمثل فيه تغير المناخ أولوية قصوى للبيت الأبيض، فإن لديه سيارات كهربائية على طرقات الولايات المتحدة أكثر من أي مصنع آخر. وقال مسؤولون حكوميون، لـ"واشنطن بوست" هذا الأسبوع، إنهم يعملون على تقليل اعتمادهم عليه، عبر عقد شراكات مع منافسيه ورعايتهم بالعقود الحكومية والإعانات.

في الفضاء الجيوسياسي

برزت مخاوف عدة من توسع نفوذ وتأثير على السياسات العالمية باستحواذه على "تويتر". وهذه ليست مبالغة، بعدما تحول إلى "لاعب أساسي في الفوضى الجيوسياسية"، كما وصفته "نيويورك تايمز". خلال الأسابيع الأربعة الماضية، اقترح ماسك خطة لإنهاء الصراع بين موسكو وكييف أثارت غضب المسؤولين الأوكرانيين. ونشر تغريدة عن كيفية الاتصال بالإنترنت في إيران، وسط التظاهرات التي تشهدها البلاد، عرّضت المتظاهرين لمخطط تصيد احتيالي. كما أشار في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز إلى إمكانية استرضاء الصين إذا مُنحت سيطرة جزئية على تايوان. وطالبه مسؤول في تايبيه بالتراجع عن اقتراحه.

صحيح أن الجزء الأكبر من ثروة ماسك مصدره حصته في شركته للسيارات الكهربائية تِسلا، لكن نفوذه ينبع إلى حد كبير من شركة الصواريخ الخاصة به سبايس إكس التي تدير شبكة ستارلينك الفضائية. يمكن لـ"ستارلينك" توفير خدمة الإنترنت في الصراع والمناطق الجيوسياسية الساخنة، وقد أصبحت أداة أساسية للجيش الأوكراني. يتواصل ماسك أيضاً مع رؤساء دول أجنبية ورؤساء وزراء، وفق ما نقلت "واشنطن بوست" عن أشخاص يعملون معه مباشرة. ويبيع أحدث صواريخه وتكنولوجيا الطيران إلى كوريا الجنوبية وتركيا وقائمة متزايدة من البلدان الأخرى. لديه مصانع لـ"تسلا" في ألمانيا والصين. كما أنه يمتلك ويتحكم في أكثر من 3 آلاف قمر صناعي تدور حول الأرض، وهذا أكثر بكثير مما تملكه أي دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة.

إلى المريخ وما بعده

وُلِد ماسك في بريتوريا في 28 يونيو/حزيران عام 1971، لمهندس وعارضة أزياء كندية المولد. غادر جنوب أفريقيا في أواخر سن المراهقة، للالتحاق بجامعة كوينز في أونتاريو. انتقل إلى جامعة بنسلفانيا بعد عامين، وحصل على درجة البكالوريوس في الفيزياء والأعمال. بعد تخرجه من مدرسة آيفي ليغ، تخلى عن خططه للالتحاق بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا.

ترك الدراسة، وأسس Zip2، وهي شركة صنعت برمجيات للنشر عبر الإنترنت. جمع الملايين قبل بلوغه سن الثلاثين، عندما باع Zip2 لشركة كومباك الأميركية، مقابل أكثر من 300 مليون دولار، عام 1999. أسس "سبايس إكس" عام 2002، وأصبح رئيساً لشركة تِسلا لصناعة السيارات الكهربائية عام 2004.

بعد بعض الاصطدامات المبكرة والحوادث الوشيكة، أتقنت "سبايس إكس" صناعة المحركات الداعمة للهبوط على أرض صلبة ومنصات المحيط، مما جعلها قابلة لإعادة الاستخدام، وأرسلت أواخر العام الماضي أربعة سائحين إلى الفضاء، في أول مهمة مدارية على الإطلاق لا تضم رواد فضاء محترفين.

قال إنه يريد جعل البشر "كائنات عابرة للكواكب"، من خلال إنشاء مستعمرة على المريخ. من أجل هذه الغاية، تطور "سبايس إكس" نموذجاً أولياً لصاروخ ستارشيب، سعياً لنقل الأشخاص والبضائع إلى القمر والمريخ وما بعدهما.

تزوج ماسك، حامل الجنسيات الأميركية والكندية والجنوب أفريقية، وطلّق ثلاث مرات، مرة واحدة من الكاتبة الكندية جوستين ويلسون، ومرتين من الممثلة تالولا رايلي. لديه تسعة أطفال. الطفل العاشر مات في سن الطفولة. تقدر "فوربس" صافي ثروته الحالية بـ222 مليار دولار.

المساهمون