ماذا عن "نعمة الأفوكاتو" مثلاً؟

19 مارس 2024
يمهد أداء مي عمر الطريق أمامها لتلقّي عروض كبيرة (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الدراما الرمضانية لهذا العام تتميز بالتنوع، مع غلبة الإنتاجات الضخمة والمسيّسة التي تتجه نحو الغرائبية والعنف، مما يخلق فجوة بين الدراما والواقع الاجتماعي الذي تدعي تمثيله.
- "نعمة الأفوكاتو" تبرز كمثال للأعمال التي تحاول استعادة الصلة بالواقع، من خلال قصة محامية شابة تجسد الذكاء والانحياز للحق، مما يعيد للدراما الاجتماعية مكانتها.
- على الرغم من التحديات المالية والنقدية، تستمر الإنتاجات الضخمة في الظهور، بينما تقدم أعمال مثل "نعمة الأفوكاتو" قصصاً تلامس الواقع وتؤكد على أهمية القصة والتطور الدرامي لجذب المشاهدين.

ماذا عن الدراما الرمضانية هذا العام؟ تتزامن مع التراجيديا الغزّية ولا تنسجم معها، وهذا مفهوم، فالفنون تتأخر في إعادة تمثّل أو مقاربة الواقع، فضلاً عن كون الدراما العربية لا تتأخر وحسب، بل تفارق وتزداد اغتراباً عن مجتمعاتها، خصوصاً في ظل صعود الإنتاجات الضخمة، المسيّسة غالباً وإن من تحت الطاولة كما يقال ("الحشاشين" مثالاً). فالجنوح نحو الغرائبي والعنف المتطرف في الدراما العربية شمل حتى الدراما الاجتماعية، فهي إمّا عالم الليل، وإمّا دراما الفقاعات البورجوازية، والتعبير الأخير ينتمي إلى الستينيات ومُستلّ من الماركسية.

على أن ثمة من يعاند ما يُراد له أن يكون تياراً عاماً، فتمركز الإنتاج العربي في عمومه في قبضة دول ثرية أفلح في تطوير جماليات الصورة، بفضل التقنيات الحديثة والاستعانة بالدرونز والعناية بالأزياء، لكنه ضرب في العمق علاقة الدراما بالمجتمع الذي تدعي أنها تمثله، وهو ما سمح للدراما الاجتماعية "الحقيقية" إذا شئت باستعادة مكانها ومكانتها وسط طوفان الدراما الفانتازيا أو التاريخية المشوّهة ودراما الكومباوندز التي أصبحت مستفِزة في السنوات الأخيرة.

هذا العام كسابقيه على الأقل، تسرق الدراما الاجتماعية الواقعية، أو الواقعية الخشنة أحياناً، الأضواء، وتتسيّد المشهد. فمسلسل مثل "نعمة الأفوكاتو"، الذي يتكون من 15 حلقة، استحوذ على الاهتمام ونسبة المشاهدة الأعلى، على الأقل في الأسبوع الأول من رمضان، تماماً كما فعل مسلسلا "تحت الوصاية" العام الماضي، من بطولة منى زكي، و"فاتن أمل حربي"، من بطولة نيللي كريم، في العام الذي سبقه، وكان ذلك وسط إنتاجات ضخمة تجتاح الشاشات، وربما تخلّف خسائر مادية كبيرة على خلاف ما يسوِّق القائمون عليها.

"معاوية" مثلاً لم يُبَثّ هذا العام على خلاف ما أشيع عند تأجيله العام الماضي، وتردّد أن تكلفته نحو 100 مليون دولار. أما "الحشاشين"، الذي يُبَثّ حالياً، فيقال إنّه أضخم إنتاج مصري على الإطلاق، ولا يرجح أن تكون عوائده المالية كبيرة، فضلاً عن أنه يقوم على الإبهار والجموع الضخمة، لا على البناء الدرامي المحكم، فثمة أحداث، لكن لا توجد قصة أو تطور درامي، وهو المأزق نفسه الذي واجه "سره الباتع" لخالد يوسف العام الماضي.

"نعمة الأفوكاتو" ضربة معلم لمي عمر، وأداؤها في المسلسلات السابقة عليه، متواضع، غير ذي أثر كبير، ولم يكن يؤهلها لأدوار البطولة، إلّا أنها في هذا المسلسل تقوم بدور عمرها: محامية شابة من الطبقة الوسطى، بريئة لكن بالغة الذكاء والاجتهاد، منحازة للحق والعدالة في عملها، مع طرافة وتلقائية في أداء دور بنت البلد الطيبة، كأننا أمام ممثلة أخرى.

يكاد بناء شخصية نعمة يكون متطرفاً، ولكنّه متسق ومنسجم، فالواقع وهو قاسٍ ربما لا يحتمل هذا الحب الذي تكنّه محامية جنائية لزوجها رغم أن كل المؤشرات تؤكد أنه لا يستحقها، فالخيال "الحكائي" فقط ربما ما يسوّغ أن تتنازل محامية شابة على 8 ملايين جنيه مصري، هي الجزء الأكبر من أتعابها، لزوجها الذي يبدو أنانياً، يعاني من عقدة الشريك الناجح، ورغم أنها تفعل ذلك، فإنه يواصل خيانة توقعاتها، فيتزوج امرأة أخرى، بل ويحاول وزوجته الثانية قتلها، إلخ...

القصة بسيطة لكنها درامية، وبناء الشخصيات متماسك متساوق مع سايكولوجياتها، فلا ماكياج لنعمة التي كانت تتخذ من طاولة في أحد المقاهي مكتباً لها، على خلاف أدوار مي عمر في أعمالها السابقة، حيث كان الأداء يقوم على الجمال لا الدور وتمثّله، ما يؤكد حقيقة يُقفَز فوقها في إنتاجات السنوات الأخيرة، وهي أن على الدراما أن تنتج شخوصها، وليس العكس، حيث كانت تُبنى الأدوار على مقاس الممثلين-النجوم، وتُكيّف الأحداث لينتصر.

هذا ما رأيناه أيضاً في "تحت الوصاية" و"فاتن أمل حربي"، حيث رأينا نساءً على الشاشات يشبهن ما نراه في أماكن العمل والأسواق والشوارع ومواقف انتظار الحافلات العامة، الأمر الذي جعلهن (الممثلات) يتألقن في أدوار يبدو أنها أدوار عمرهن فعلاً.

بقي أن نقول إنّ "نعمة الأفوكاتو" من إخراج محمد سامي، زوج مي عمر، ومن تأليفه بالاشتراك مع مهاب طارق، وإنه يمهد لها الطريق لتلقي عروض كبيرة للعمل بعيداً عن كونها زوجة المخرج، وهذا إنْ حدث فلتثبت موهبتها، وأظنها واعدة كما ظهرت في مسلسلها الأخير.

المساهمون