من منا ينسى عاشق البهجة وساحر الابتسامة نهاد قلعي (1928 ــ 1993) الذي كان له ما له من شهرة ونجومية في مرحلة الستينيات؟ شكّل قلعي مع رفيق دربه دريد لحام ثنائياً رسم الابتسامة وزرع السعادة في قلوب الجماهير العربية، على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم وأمزجتهم، عبر أعمالهما البديعة.
كان نهاد قلعي شديد الذكاء، ولامع الموهبة والحضور. وأعتقد أنّ حب الناس لنهاد قلعي تحديداً كان سبب تعاسته ومأساته. والمأساة حدثت في "مطعم النبلاء" المعروف في الشام.
في يوم من الأيام، توجه نهاد قلعي مع أصدقائه لتناول العشاء في المطعم المشهور المذكور أعلاه. كان برفقته صديقه دريد لحام الذي استأذن لارتباطه بموعد آخر. وبعد مرور وقت جاءت شخصية نافذة اعتادت تناول العشاء في المطعم نفسه. جلسوا في البداية على منضدة مجاورة لمنضدة قلعي ورفاقه. يبدو أنه كان هناك تحضير مُسبق لهذا الأمر ليبدو صدفة. استأذنت الشخصية النافذة قلعي لأن يترك لهم الطاولة بالغمز والهمز واللمز، فثار وتلفظ بألفاظ ضد هذا الاستفزاز غير المبرر، وهنا نهضت الشخصية النافذة وضربت نهاد قلعي ضرباً مبرحاً. الأفظع أنه أمسك بكرسي وانهال به على رأس نهاد قلعي الذي راح في إغماء أدى إلى نقله للمشفى.
بالطبع نتج عن هذا الحادث المشؤوم ــ سواءً كان مدبراً بمؤامرة أم مجرد صدفة ــ إصابة نهاد قلعي بالشلل الذي أقعده عن الحياة والعمل. وشيئاً فشيئاً خبت الأضواء من حوله، وانسحب الأحباب والأصدقاء، ليجد نفسه وحيداً قعيداً مشرفاً على الإفلاس، ولا يجد من يواسيه أو يُقّدم له يد العون الحقيقية. وفي الوقت نفسه يعاني من شماتة الأدعياء وصلافة الأغبياء وجحود الأصدقاء، مما أدى إلى تدهور حالته.
فارق نهاد قلعي الحياة بعد أن قام الكثيرون بالتعري أمامه مسقطين أقنعتهم، ليظهروا بوجوههم القبيحة المقززة.
رحل نهاد قلعي عن الحياة، لكنه باق معنا بروحه البديعة وبفنه العفوي الذي كان يشبه أخلاقه وشخصيته وموهبته الكبيرة التي ظل مكانها شاغراً حتى الآن ولم يملأ فراغه أحد.