ليام باين... سقوطٌ أخير باتجاه واحد

21 أكتوبر 2024
أمام الفندق الذي سقط باين عن شرفته (لوتشيانو غونزاليس/ الأناضول)
+ الخط -

فُجع محبّو فرقة الشبّان الموسيقية "اتجاه واحد" (One Direction)، بنبأ رحيل مغنّيها الأسبق ليام باين إثر سقوطه من شرفة غرفة في الطابق الثالث في فندق بعاصمة الأرجنتين بوينس آيرس. 

ما زال التحقيق جارياً في أسباب الحادث. إلا أن هنالك شريطاً صوتياً، حصلت عليه وكالة رويترز للأنباء من مصدر في وزارة الأمن في العاصمة الأرجنتينية، تُسمع فيه ضوضاء صادرة عن غرفة باين، إضافةً إلى أحد عمال الفندق يشكوه لتحطيمه الأثاث، ويطلب إرسال النجدة، منبّهاً إلى خطورة أن للغرفة شرفة، وأن نازلها قد يقذف نفسه. 

في ضوء شُحّ المعلومات وحداثة النبأ، ثمّة تصريحات كان النجم السابق قد أدلى بها، في ما مضى، إلى وسائل الإعلام، عادت اليوم لتطفو على السطح، تحدّث بها عن اعتلال صحّته النفسية، وعن لجوئه إلى شرب الكحول في مسعى إلى قهر القلق والاكتئاب اللذين فرضتهما عليه الشهرة والنجومية. 

قبل إعلانها سنة 2016 وقف نشاطها الموسيقي لأجل غير مسمّى، كانت "وَن دايركشن"، أو 1D، كما تُعرف في الصحافة، من بين فرق البوي باند الأكثر مبيعاً في كل الأزمنة. قد بلغت أوج تألّقها خلال السنوات الخمس الأولى من ثاني عقود الألفية الثالثة. وعليه، تُعد الفرقة واحدة من النماذج الأحدث عهداً لذلك التشكيل الموسيقي الجماهيري.

في حين أن أصول البوي باند ترجع إلى منتصف القرن الماضي، تُعد الجوقة الشبابية المعروفة باسم "رباعي دكان الحلاقة" (Barbershop Quartet) الشكل الأول لفرقة من الشُّبان يغنون معاً بانسجام سلس ضمن مديات متقاربة الطبقة الصوتية ومن دون مرافقة آلية، الأمر الذي يجعل الغناء خفيفاً سائغاً، يسهل تقبّله وشيوعه بين الشباب. 

بحكم التصميم الموسيقي، تُوزّع الأدوار الغنائية هرميّاً ما بين علويٍّ قائد، يضطلع بأداء الألحان الرئيسية، ليصير صاحبه أشبه بمغنٍّ منفرد (Solo)، بينما تتولّى بقيّة الأصوات مهام التوزيع الهارموني، وتأثيث الخلفية الموسيقية بالانسجامات الهارمونية، وحتى أحياناً، مدّ الأغنية بعنصر إيقاعي، غالباً ما يُسند إلى مُغنّي الباص الأدنى بين الطبقات.

استمرّ الترتيب الهرمي للأدوار الصوتية في تشكيل البوي الباند الحديث، وبات يؤثّر على توزيع الأدوار ضمن المجموعة. منذ أن أخذت الأجناس الموسيقية بالتلاقح تحت مصطلح مظلة "العبور" (Cross Over) مطلع الألفية الثالثة، باتت تُسنَد مهمّات إدماج عناصر موسيقية متنوعة إلى الأعضاء الثانويين.

 

هكذا، صار هناك لكل بوي باند عضوٌ ينظم الراب أو يكتفي بأداء شكله المُنغّم، المعروف باسم تراب. قدّم هوڤي دورو، عضو الفرقة الأيقونية Backstreet Boys المقاطع الأقرب إلى الهيب هوب. وفي الفريق الكوري الأشهر في الزمن الراهن، BTS، يرفد J-Hope الأغنية بالراب، ويؤازره آخرون في بعض المرات. أما في 1D فقد كان زين (Zayn) على الغالب، ذو الأصول الباكستانية المهاجرة، من يضطلع بدور الرابر. 

في النتيجة، فإن تلك الهرمية الموسيقية، الناتجة في الأصل عن التكوين الصوتي لطبقات مغنّي البوي باند، قد أفضت إلى هرمية في النجوميّة أيضاً، جعلت من صاحب الطبقة الأعلى، التينور، محرقاً جماهيرياً تتجه إليه الأضواء، وتلاحقه صحف المشاهير وبوستات المعجبين على مواقع التواصل الاجتماعي. 

لذلك، لدى تبنّيها أي مشروع فرقة شبابية صاعدة، تتمتع بفرص نجاح تجاري، تحرص مؤسسات الصناعة الموسيقية على اصطفاء العضو القائد في الفرقة ليكون من بين الأشدّ وسامة وجاذبية وقدرة ذاتية على الاستئثار بقلوب المعجبين، ليس فقط بالمقدرة على الغناء، وإنما أيضاً من خلال الرقص والحركة الاستعراضية على المسرح وأمام الكاميرا.

يترتب على ذلك أعباء نفسية هائلة تُثقل لاعبي الأدوار الرئيسية، خصوصاً عند الأخذ بعين الاعتبار اليفاعة وصغر السن. في عام 2017، تلقّت شقيقة قائد الفرقة الكورية SHINee كيم جونغ هيون رسالة تتضمّن "وداعاً أخيراً" منه، ما دفعها إلى إخطار السلطات تخوّفاً من احتمال عزمه على إنهاء حياته. أتت الاستجابة متأخرة. فقد عُثر على هيون فاقداً الوعي داخل غرفة أستأجرها في فندق، فنُقل إلى مستشفى قريب، حيث لم يتأخر إعلان وفاته نتيجة استنشاقه لغازٍ سام. 

في المقابل، فإن 1D التي جَمعت منذ تأسيسها فِتيَةً كلهم نجومٌ مُختارون عبر برنامج المواهب البريطاني الشهير "ذا إكس فاكتور"، تميّزت بغياب هرمية نجوميّة واضحة تنبثق عن تلك التي فرضتها هرمية التوزيع الموسيقي بحسب الطبقات الصوتية. لئن حظي عضوها هاري ستايلز، ذو الطبقة الصوتية القائدة (التينور) باهتمام الجمهور، فإن الفرقة قدّمت نفسها إلى التيار السائد بشكلٍ أقربَ إلى "تراتبيّة مسطّحة" لجهة تنوع وتشابه الأدوار الفنيّة التي لعبها كلّ واحدٍ من أعضائها.

الأمر الذي زاد من قيمة كل عضو من الأعضاء، لكونه سلعة مُدرّة تسوّق لها وسائل الإعلام، لتعود عليهم والصناعة الفنية من ورائهم بالربح. وعليه، غدت الفرقة كوكبة من نجومٍ تنافست على محبتهم الجماهير، فنرى اثنين من نجومها السابقين، يتحدثان عن التبعات النفسية للشهرة.


في سنة 2022، كان ستايلز قد ذكر لمجلة Better Homes and Gardens كيف أن خمس سنوات من العلاج النفسي، استغرقته لكي يتجاوز الوِزر النفسي الثقيل لسنوات التألق في 1D. 

عضوٌ آخر، لويس توملنسون، كان قد أقرّ لصحيفة ذا غارديان البريطانية سنة 2019 عن الرضوض النفسية التي عاناها على مرّ الأشهر الأخيرة من عمر 1D، وتزامنت مع فقدانه والدته وشقيقته، إذ شكلت له الفرقة مصدر إحساس بـ"الهوية" زال بزوالها، لتزول معه ثقته بنفسه وبقدرته على الإبداع الفنّي. أما ليام باين، في ما يبدو، فقد قفز قفزته الأخيرة من على مسرح الحياة.

المساهمون