كشفت بروفيسورة في جامعة هارفارد أنّ كلية كينيدي المرموقة فيها قررت عدم منح زمالة للرئيس السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش كينيث روث، بسبب انتقاداته لمعاملة الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين، وهو ما عرضها لانتقادات عدة واتهامات بمحاباة الكيان على حساب المبادئ التي تنادي بها.
كان مركز كار لسياسات حقوق الإنسان في كلية كينيدي قد تواصل مع كينيث روث الذي شغل منصب المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش من 1993 إلى 2022، العام الماضي، واتفقا على شروط الزمالة. وكانت الزمالة خاضعة لموافقة عميد كلية كينيدي دوغلاس إلمندورف.
لكن البروفيسورة في حقوق الإنسان في كلية كينيدي كاثرين سيكينك صرحت لمجلة ذا نيشن بأن إلمندروف أخبرها برفضه منح الزمالة لروث، بسبب ما وصفه بأنه "تحيز هيومن رايتس ووتش ضدّ إسرائيل". وأثار القرار الذي أوردته المجلة الأسبوع الماضي انتقادات من بعض الخريجين، واتحاد الحريات المدنية الأميركي، ومنظمة هيومن رايتس ووتش نفسها.
وقال روث لوكالة رويترز عبر الهاتف، أمس الثلاثاء، إنه يعتقد أن القرار اتخذ لتجنب إغضاب المتبرعين الأثرياء للكلية الذين يدعمون إسرائيل، ودعا الكلية إلى "إعادة تأكيد التزامها بالحرية الأكاديمية".
وعن الزاوية نفسها، كتب روث مقالاً نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية في وقت متأخر من الثلاثاء، عنوانه: "قدت هيومن رايتس ووتش سابقاً. هارفارد رفضت منحي الزمالة بسبب إسرائيل"، وقال فيه: "خلال العقود الثلاثة التي ترأست خلالها منظمة هيومن رايتس ووتش، أدركت أننا لن نجذب إطلاقاً المانحين الذين يريدون استثناء بلد يفضلونه من التطبيق الموضوعي لمبادئ حقوق الإنسان الدولية. هذا هو ثمن احترام المبادئ"، واستدرك قائلاً: "لكن الجامعات الأميركية لم تتبع قاعدة مماثلة. غياب الوضوح يعطي انطباعاً بأن المانحين الأساسيين قد يستغلون مساهماتهم في منع انتقاد مسائل معينة، وهذا انتهاك للحرية الأكاديمية، أو يشير إلى أنّ المسؤولين في الجامعة قد يتوقعون اعتراضات من المانحين على آراء أعضاء هيئة التدريس قبل أن ينبس هؤلاء بكلمة".
وأضاف روث في المقال نفسه: "يبدو أن هذا ما حصل معي في كلية كينيدي في جامعة هارفارد. إذا كانت هناك أي مؤسسة أكاديمية قادرة على الالتزام بمبادئها ورفض المساومة على الحرية الأكاديمية تحت ضغط المانحين الحقيقي أو المفترض، فهي جامعة هارفارد، الأغنى في العالم. ومع ذلك، فقد استخدم عميد كلية كينيدي دوغلاس إلمندورف حق النقض ضد زمالة حقوق الإنسان التي عُرضت عليّ، بسبب انتقادي لإسرائيل. أفضل ما يمكننا قوله إن رد فعل المانحين أثار قلقه".
وتحدث روث عن تواصل مركز كار لسياسات حقوق الإنسان في الكلية قبل عام معه، وقبوله بالزمالة التي عرضت عليه، واعتقاد الجهتين أن موافقة العميد "ليست إلا إجراء شكلياً"، كما قال إنه تواصل شخصياً مع العميد، و"أجريا محادثة ممتعة لمدة نصف ساعة"، لكن التلميح لما قد يحمله المستقبل برز في نهاية هذه المحادثة، إذ سأله "عمّا إذا كان لديه أي أعداء". وصف روث، في مقاله، سؤال العميد بالغريب، وقال: "شرحت له أن لدي أعداء بالطبع. هذه هي ضريبة العمل مدافعاً عن حقوق الإنسان"، وأضاف: "شرحت له أن الحكومتين الصينية والروسية فرضتا عقوبات عليّ شخصياً، وهذا وسام شرف من وجهة نظري. وذكرت أن مجموعة من الحكومات، بما فيها حكومتا رواندا والمملكة العربية السعودية، تكرهني. لكن كان لديّ حدس عما يريد الوصول إليه، لذلك أشرت أيضاً إلى أن الحكومة الإسرائيلية تبغضني بلا شك (...) اتضح أن تلك كانت قبلة الموت. بعد أسبوعين، اتصل بي مركز كار ليعلمني خجِلاً أنّ إلمندروف اعترض على منحي الزمالة".
وصف روث ما حصل بأنه مروع، فـ"كيف يمكن لمؤسسة تدعي معالجة السياسة الخارجية، وفيها مركز لسياسة حقوق الإنسان، أن تتجنب انتقاد إسرائيل؟"، وأضاف: "الكثير من المانحين الرئيسيين لكلية كينيدي هم من كبار المؤيدين لإسرائيل. هل تشاور إلمندروف مع هؤلاء المانحين أو افترض أنهم سيعترضون على تعييني؟ لا نعرف. لكن هذا هو التفسير الوحيد المعقول لقراره. وهو لم ينكر ذلك. زعم بعض المدافعين عن الحكومة الإسرائيلية أن رفض إلمندورف منحي الزمالة كان لأن هيومن رايتس ووتش، أو أنا، ركزنا على إسرائيل. اتهام التحيز يأتي من أشخاص لا ينتقدون إسرائيل إطلاقاً، وعادة ما يستخدمون أسماء مؤسسات محايدة لمهاجمة أي شخص ينتقد إسرائيل".
وشدد روث في مقاله على أن هؤلاء "لا يريدون انتقادات أقل لإسرائيل. إنهم لا يريدون انتقاد إسرائيل إطلاقاً"، وقال إن "الحجة الأخرى التي يعرضها المدافعون عن إسرائيل هي أن منظمة هيومن رايتس ووتش، وأنا، نشيطن إسرائيل، أو أننا نحاول إثارة النفور والاشمئزاز منها. عادة ما تكون هذه مقدمة لتوجيه الاتهام لنا بأننا معادون للسامية (...) ما يحصل غير معقول وخطير، لأنه يقلل من خطورة مشكلة معاداة السامية من خلال اختزالها في انتقاد إسرائيل".
وعبّر عن مخاوفه قائلاً: "لن يؤدي حرماني من هذه الزمالة إلى إعاقة مستقبلي بشكل كبير. لكنني قلق بشأن الأكاديميين الأصغر سناً الذين هم أقل شهرة. إذا كان بالإمكان إلغائي أنا بسبب انتقادي لإسرائيل، فهل سيخاطرون هم بتناول القضية؟".
وطلب روث في نهاية مقاله من جامعة هارفارد "توضيح التزامها بالحرية الأكاديمية، عبر الإعلان أنها لن تقبل أي مساهمات من المانحين الذين يحاولون استخدام نفوذهم المالي لفرض رقابة على العمل الأكاديمي، وعبر عدم السماح لأي مسؤول بمراقبة الأكاديميين بسبب مخاوف المانحين المفترضة. هذا من شأنه أن يحول هذه الحلقة المخيبة للآمال إلى شيء إيجابي".
منظمات عدة عبرت عن دعمها لروث، بينها اتحاد الحريات المدنية الأميركي الذي وصف ما حصل بأنه "مقلق للغاية"، ومنظمة بِن أميركا التي تدافع عن حرية التعبير أشارت إلى أن هذه الخطوة تثير شكوكاً جدية حول إحدى المدارس الحكومية الرائدة في الولايات المتحدة. كما تلقى روث دعماً من ناشطين حقوقيين آخرين. وكتبت مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير التي تدافع عن حرية التعبير في حرم الجامعات إلى إلمندورف قائلة إن كلية كينيدي "تقوض التزامها الجدير بالثناء بالتنوع الفكري والاستعلام الحر عندما تلغي عرض الزمالة بناءً على وجهة نظر المرشح أو خطابه".
في المقابل، ذكر المتحدث باسم كلية كينيدي جيمس سميث، لـ"رويترز"، أن إلمندورف قرر عدم منح الزمالة لروث "بناء على تقييم مساهمات المرشح المحتملة في الكلية"، مضيفاً أن الكلية لا تناقش مثل هذه المداولات.
وقالت بعض الجماعات الموالية لإسرائيل، بما في ذلك المنظمات اليهودية البارزة في الولايات المتحدة مثل اللجنة اليهودية الأميركية، إن منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى أظهرت تحيزاً ضد إسرائيل في تقاريرها، ولا سيما من خلال وصف معاملة الفلسطينيين بأنها فصل عنصري، مثلما فعلت "هيومن رايتس ووتش" عام 2021. وأثنت هذه الجماعات على قرار عدم منح الزمالة لروث الذي وصفته بـ"الخبر الجيد".
وهذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها روث، إذ وجهت إليه سابقاً اتهامات بمعاداة السامية، على الرغم من أن والده كان لاجئاً يهودياً من ألمانيا النازية. وأشار روث إلى أن "هيومن رايتس ووتش" واجهت اتهامات مماثلة حين أصدرت تقريرها الذي حمل عنوان "تجاوزوا الحد... السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد"، في إبريل/نيسان الماضي.
وثق التقرير عمليات تمييز وفصل عنصري ممنهج ضد الفلسطينيين على أساس انتمائهم، سواء كانوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، أو من فلسطينيي الداخل، مع تفاوت مستويات اضطهادهم حتى داخل المنطقة الواحدة. وقدّم عدداً من التوصيات للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي، بما فيها الدول التي تدعم إسرائيل عسكرياً. وأكد ضرورة أن يعيد المجتمع الدولي النظر في علاقته مع إسرائيل واعتماد نهج يتمحور حول حقوق الإنسان والمساءلة.
ولفت تقرير "هيومن رايتس ووتش" إلى أن هناك "سلطة واحدة، وهي سلطة الحكومة الإسرائيلية، تحكم في شكل أساسي المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، حيث تسكن مجموعتان متساويتان في الحجم تقريباً، وتمنح امتيازاً ممنهجاً لليهود الإسرائيليين بينما تقوم بقمع الفلسطينيين، ويمارس هذا القمع بشكله الأشد في الأراضي المحتلة".
ودعم التقرير استنتاجات مماثلة من قبل جماعات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية. وقال روث حينها: "تظهر هذه الدراسة التفصيلية أن السلطات الإسرائيلية ترتكب اليوم جرائم أبارتهايد واضطهاد ضد الإنسانية".
في المقابل، وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية التقرير حينها بأنه "منشور دعائي" صادر عن منظمة تعتمد "منذ وقت طويل أجندة معادية لإسرائيل".