عندما أصيب الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو بفيروس كورونا، بعد أشهر من تسخيف خطورته والتعامل معه كـ"نزلة برد" عادية، توقّع كثيرون أن يعود ويتوجّه إلى مواطنيه معترفاً بخطئه بالاستخفاف بالفيروس. لكنّ ذلك لم يحصل. وعاد بولسونارو إلى الحياة السياسية بتعالٍ أكبر، واستخفاف مضاعف بالفيروس، على اعتبار أنه شفي منه من دون أضرار صحية.
اليوم ومع إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالوباء، توقّع كثيرون أن يتغيّر تعامله هو الآخر مع خطورة المرض الذي حصد حياة أكثر من 210 آلاف أميركي حتى الساعة. لكن بعض التسريبات التي نشرتها وسائل الإعلام الأميركي، والتضارب في الكشف عن تطوّر الوضع الصحي لترامب، يكشف أن صياغة الأكاذيب المرتبطة بصحة الرئيس أمر شائع منذ عام 2015.
ليلة الخميس الماضي مثلاً، وفي حديث مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، ادّعى ترامب أنه اكتشف للتو أن مستشارته هوب هيكس مصابة بفيروس كورونا. لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" كشفت أنه عند ظهوره على التلفزيون كانت النتيجة الأولى لفحص الـpcr قد ظهرت لتكشف إصابته بالعدوى، وأن الهيئة الطبية المشرفة على الوضع الصحي للرئيس كانت تنتظر النتيجة الثانية.
إخفاء ترامب هذه الحقيقة لم يكن تجاوزاً أو خطأ واحداً، بل إن الصحيفة كشفت أن ترامب لم يرغب أيضاً بإخبار الموظفين الذين يعملون معه عن إصابته، وبالتالي إمكانية إصابتهم هم أيضاً.
38 في المائة من المقالات والتقارير الصحافية التي حللتها (38 مليون مادة صحافية) وتحتوي على معلومات مضللة حول الفيروس، مصدرها الرئيسي تصريحات دونالد ترامب
لكن ما سبق لا يبدو مفاجئاً، أو غير متوقّع، فترامب يعتبر أحد المصادر الأساسية للمعلومات المضللة حول الوباء. وقد نشرت جامعة كورنيل قبل أيام دراسة تظهر أن 38 في المائة من المقالات والتقارير الصحافية التي حللتها (38 مليون مادة صحافية)، وتحتوي على معلومات مضللة حول الفيروس، مصدرها الرئيسي تصريحات دونالد ترامب.
بعد إعلان إصابة ترامب بالفيروس، تواصل التلاعب بالمعلومات المرتبطة بصحته. فقبل يومَين وفي مؤتمره الصحافي، أعلن شون كونلي، رئيس الفريق الطبي لترامب، أن معنويات هذا الأخير "مرتفعة بشكل استثنائي". لكن بعدها بلحظات تحدّث عن تشخيص ترامب المبكر بالإصابة بالفيروس، وأنه تلقى علاجات أكثر من مرة، ووضع على آلات خاصة للتنفس. حصل كل ذلك في وقت لم يصرّح أي طرف وقتها عن الوضع الصحي للرئيس، وهو ما جعله يشارك من دون أي اعتراضات في مناسبات عامة عدة.
بعد المؤتمر، نشرت وسائل الإعلام معلومات منقولة عن مصدر مجهول في إدارة ترامب، يرجّح أن يكون رئيس الموظفين في البيت الأبيض مارك ميدوز بحسب ما كشفت وكالة "أسوشييتد برس"، تفيد بأن "المواد الحيوية في جسد الرئيس خلال الـ24 ساعة الماضية كانت مقلقة"، وأن "الساعات الـ48 المقبلة ستكون حاسمة".
هذا التضارب في المعلومات بدأ منذ اللحظة الأولى للإعلان عن أن ترامب مصاب بالفيروس. وهو ما يجعل التشكيك بكل المعلومات الصادرة عن فريقه الطبي أمراً طبيعياً. فصباح يوم الجمعة مثلاً، أعلن طبيب البيت الأبيض السابق روني جاكسون على قناة "فوكس نيوز" أن الرئيس لا يشعر بأية عوارض مرتبطة بالمرض. بعدها بوقت قليل، بدأت معلومات مختلفة ومصادر مقربة من ترامب تكشف أنه يعاني بالفعل من أعراض مختلفة وإن بسيطة، نقلت تقارير عدة أن التعب بدا عليه يوم الأربعاء الماضي، والكسل يوم الخميس (وهو اليوم الذي أعلن فيه ليلاً عن إصابته)، لينقل بعد ظهر الجمعة إلى مستشفى والتر ريد العسكري.
التضارب في المعلومات بدأ منذ اللحظة الأولى للإعلان عن أن ترامب مصاب بالفيروس. وهو ما يجعل التشكيك بكل المعلومات الصادرة عن فريقه الطبي، أمراً طبيعياً
هل هذا يكفي لطرح علامات استفهام حول صحة الرئيس ووضعه الحالي؟ الجواب نعم، وذلك عند النظر إلى سنوات حكمه الأربع، وطريقة تعامله مع صحته، وليس فقط مع فيروس كورونا.
فخلال حملته الانتخابة الأولى عام 2015، وبحسب صحيفة "ذا غارديان"، نشر الطبيب الشخصي لترامب هارولد بورنستين تقريراً طبياً يمتدح فيه صحة المرشح الجمهوري وقتها، وكتب في تقريره "إذا انتخب السيد ترامب، يمكنني القول بشكل لا لبس فيه أنه سيكون الشخص الأكثر صحة الذي انتخب للرئاسة على الإطلاق". وأرفقها بعبارات مديح وإعجاب بقوته الجسدية وقدرته على التحمّل.
لكن عام 2018 عاد الطبيب نفسه ليقول أن ترامب أملى عليه ما تجب كتابته في التقرير الطبي وقتها.
بعد دخوله البيت الأبيض، واصل ترامب تصدير صورة كاذبة عن صحّته. في عام 2018 ، ذكر طبيب البيت الأبيض وقتها رومي جاكسون أن وزن دونالد ترامب بلغ 239 رطلاً (108 كيلوغرامات)، وهو ما يجعل ترامب يصنّف في خانة البدناء. لكن التقرير الطبي نفسه ذكر أن طول ترامب هو 6 أقدام و بوصتين (190 سنتيمتراً)، في إشارة إلى أن وزنه وطوله متناسبان.
لكنها لم تكن سوى كذبة أخرى لتحسين الصورة الصحية للرئيس. إذ تبيّن أن طول ترامب الحقيقي هو 187 سنتيمتراً بحسب رخصة قيادته، لكن جاكسون اختار زيادة الرقم 3 سنتيمترات كي يتفادى تصنيف الرئيس في خانة البدناء أو أصحاب الوزن الزائد.
لم ينته الأمر هنا، بل بدا أن مهمة جاكسون الأساسية كانت التسويق للبنية القوية للرئيس، إذ برر النظام الغذائي غير الصحي لترامب وتأثير ذلك على صحته، قائلاً "لديه جينات جيدة وهذه هي الطريقة التي خلقه بها الله".