كلوني في الفضاء الخارجي: ميلودراما بكائية بلا معنى

13 يناير 2021
جورج كلوني: ماذا يُريد من الفضاء الخارجي؟ (دومينيك شارّيو/ وايرإيماج)
+ الخط -

مجدّداً، يخوض جورج كلوني تجربة سينمائية في الفضاء الخارجي. له مع هذا الفضاء رحلات عدّة، أبرزها نسخة أميركية عن "سولاريس" (1972)، رائعة أندريه تاركوفسكي، يُنجزها ستيفن سودربيرغ عام 2002. بعدها، يمثِّل في "جاذبيّة" (2013) لألفونسو كوارون، و"أرض الغد" (2015) لبراد بيرد. مع "سماء منتصف الليل" (2020)، يمثِّل ويُخرج ويُنتج اقتباساً عن كتاب "صباح الخير، منتصف الليل" (2016) للأميركية ليلي برووكس ـ دالتون (سيناريو: مارك أل. سميث).

تستدعي قراءة فيلمٍ جديد لجورج كلوني تجربته الإخراجية. فيها، يكشف أفكاراً واختباراتٍ وتحليلات، تتعلّق بأحوال أميركا وكواليسها في السياسة والإعلام والرياضة والاستخبارات. مغامراته متفاوتة الجودة. إخراجه ـ رغم كونه أهمّ من تمثيله في أفلامٍ كثيرة لمخرجين متنوّعي الأساليب والأمزجة ـ غير مُحافِظٍ على سوية، وغير متمكّن على تطويرٍ وبلورة. كشفه مكامن خلل وفضائح، في أجهزة سلطات أميركية واجتماع محلي وتاريخ عام، يعاني ارتباكاً في صنعه السينمائيّ. الفضاء الخارجيّ موضوع جديدٌ له كمخرج، من دون أنْ يمنح سيرتَه السينمائية إضافة نوعية، بل إنّه يُسيء إلى اختباراته وخياراته، وبعضها أساسيّ في صناعة سينمائية أميركية حديثة.

الأهمّ في لائحة أفلامه كمخرج يتمثّل بـ"اعترافات عقل خطر" (2002) و"عمتم مساء وحظّاً سعيداً" (2005) وThe Ides Of March، المُنجز عام 2011. للرياضة الأميركية حصّتها في قراءة كلوني، بإخراجه Leatherheads عام 2008. إمعانه في تفكيك حكايات أميركية راسخة مصنوعٌ بلغة بصرية تتكامل جوانبها الفنية والدرامية والجمالية في سرد تفاصيل وهوامش، وفي تحويل الصُور إلى مرايا تُعرّي مخبّأ في الذاكرة والتاريخ الأميركيين. أفلامه الأخرى في اللائحة نفسها أقلّ أهمية. أسوأها "رجال الآثار" (2014). بالإضافة إلى إخراجه، يؤدّي كلوني فيها أدواراً أساسية، باستثناء "سُبُربِكَن" (2017)، الذي يختار صيف 1957 زمناً لسرد حكاية عائلة أفروأميركية تصل إلى مدينةٍ (عنوان الفيلم)، تُجسِّد فعلياً "الحلم الأميركي".

جديد جورج كلوني المخرج مشروعٌ للمنصّة الأميركية "نتفليكس"، تعرضه عليه قبل وقتٍ. يوافق على إخراجه والتمثيل فيه، ويُشارك في إنتاجه. يبدأ العمل صيف 2019. في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2020، يبدأ عرضٌ تجاري محدود له في صالات أميركية قليلة. بعد 12 يوماً فقط (23/ 12)، يبدأ عرضه على شاشة المنصّة: "المشروع مُنجز ليُشاهَد على شاشة كبيرة. تصويره حاصل (بكاميرا) 65 ملم. مُصمَّم لعرضه في صالات IMAX" (جورج كلوني، حوار مع فردريك فوبير، منشور في المجلة السينمائية الفرنسية "بروميير"، نوفمبر/ تشرين الأول 2020): "أغواني المشروع لاختلافه عن أعمالي كلّها لغاية الآن".

 

 

اختيار كلوني دور أوغستين لوفْتهاوس ـ العالِم الباحث في شؤون الفضاء، والمهووس بالعثور على كوكبٍ آخر غير الأرض يُمكن للبشرية أنْ تستوطنه ـ متأتٍ من انجذابٍ ذاتي ونفسي للشخصية: رجلٌ في بداية الشيخوخة، له لحية كبيرة ورمادية، يبحث عن أجوبة متعلّقة بالأبوّة تحديداً: "سأبلغ 60 عاماً (مواليد 6 مايو/ أيار 1961). هذا دورٌ أفهمه تماماً. أشعر أنّي قادرٌ على تأديته. لا يوجد في هوليوود ممثّلون كثيرون يملكون القامة المطلوبة لهذا الدور. صحيحٌ أنّ هناك ممثّلين يستطيعون حمل فيلمٍ، بميزانية ضخمة، على أكتافهم. لكنْ، في هذا العمر؟ ليس كثيراً". يُضيف: "الرجل الذي أؤدّيه يبحث عن شكلٍ للخلاص. عليّ القول إنّ شخصياتٍ كهذه يُثيرون شغفي واهتمامي" (الحوار نفسه). يَذكُر كلوني أنّ له أدواراً تنخرط في هذا الإطار، كـ"سيريانا" (2005) لستيفن غاغان و"مايكل كلايتن" (2007) لتوني غيلروي: "لي أدوارٌ منضوية في تنويعات عدّة على هذا النموذج الأصليّ".

كلامٌ يُستشفّ منه عمق في قراءة شخصية، تبحث عن خلاصٍ للبشرية خارج كوكب الأرض، وعن خلاصٍ ذاتيّ داخل مرصدٍ في قطبٍ جغرافي بعيدٍ عن العالم. مُشاهدة الفيلم تقول نقيض هذا. كأنّ كتابة الفيلم، التي تُغري الممثل، تتناقض وتنفيذه سينمائياً.

"سماء منتصف الليل" ميلودراما بكائية ساذجة، خصوصاً في فصلها الأخير. لقطات طويلة مملّة. مَشاهد فارغة من أي معنى. حوارات يندر العمق الفكري والإنساني والانفعالي فيها. تمثيلٌ عاديّ، إنْ مع جورج كلوني نفسه، أو مع آخرين، كفيليستي جونز وكايل تشاندلر وديفيد أويلوو. مؤثّرات بصرية وصوتية حِرفيّة، لكنّها غير مانحةٍ الفيلم إضافات أهمّ. جوهر الحبكة وتفاصيلها و"أسئلتها" (تلوث شعاعي يقضي على كوكب الأرض، البحث عن خلاصٍ، الأبوّة، العلاقات العاطفية، الإنجاب في الفضاء، المتاهة، إلخ.) يُمكن طرحه في مشروع سينمائيّ يُصوّر على الأرض، لا في غرفِ الكمبيوتر.

في اللقطات الأولى، أناس يتمّ إجلاؤهم من "مرصد باربو" (الدائرة القطبية الشمالية). يُذكر أنّ هذا حاصلٌ في شهر فبراير/ شباط 2049. متابعة الفيلم (118 دقيقة) لن تُقدّم فائدة واحدة بخصوص تحديد زمن الحدث بمستقبلٍ قريبٍ. كلامٌ عن الوطن والعودة إليه، لحظة إجلاء بعض الناس، عاديّ للغاية. النهاية تقول إجابات مختلفة: البقاء في الفضاء (رائدا فضاء يُشكّلان ثنائياً، والمرأة حامل)، أو في المرصد (العالِم وخرابه الداخلي ومحاولاته للتطهّر). العودة إلى الأرض بحثاً عن العائلة (رائدا فضاء آخران، مع جثة زميلتهما التي تتوفى في حادث خارج المركبة الفضائية).

باختصار، هذا الفيلمُ نكسة لوسيمٍ، ذي أداءات باهرة قليلة، واختبارات إخراجية أفضل.

المساهمون