قصور المثقفين

17 أكتوبر 2022
كانت نوال السعداوي واحدةً من مثقفين كثر لم يجدوا من يدافع عنهم (ديفيد ديغنر/Getty)
+ الخط -

لم يأت هذا العنوان من فراغ، فقد كان قصور المثقفين حاضراً على مر العصور، القصور بمعناه المعيب والسلبي لا بالمعنى المكاني.

أمّا لماذا طرحنا هذا الموضوع في  مقالة اليوم، فذلك لأن المسألة تتعلق بمشروعية الثقافة والمثقفين بالشرق الأوسط على وجه التحديد، لأنّه إذا لم يكن للمثقف علاقة عضوية بالمجتمع، ولم يكن له موقف محدد للمشروع الإنساني ككل يعكس ماهيته ووجوده، فلا أمل في أن نخطو خطوة واحدة نحو القمر.

لهذا يؤلمني كثيراً تخاذل وصمت المثقفين وقصورهم، الذي يصل إلى حد التواطؤ بقصد أو بغير قصد. فالمثقف الذي يبشر بقيم الحق والخير والجمال، والذي يدعو دوماً إلى قيم الحرية والمساواة والعدل، ويخوض معارك من خلال مقالاته وكتبه ومحاضرات، هو نفسه الذي لا يحرك ساكناً أمام ظلم وقع على زميل له، أو قضية ثقافية آنية تشغل الرأي العام.

يتحجّج الواحد منهم بأنّه ليس مدافعاً أو محامياً عن أحد، ويقول: ليتولى أصحاب هذه القضايا الثقافية مهمة الدفاع عن أنفسهم، ومواجهة جحافل الجهلة والمتخلفين والظلاميين وحاملي قيم القبح الغليظ، ليغتالوا المثقف الشجاع الذي قاوم وقاوم، في ظل صمت عقابي من حركته الثقافية وكأنّ لسان حالهم يقول: لقد كنت جاداً ولم تفهم قواعد اللعبة.

نجد هذا التخاذل والصمت المريب الذي يصل إلى حد التواطؤ غير المقصود، كما ذكرنا في حالة الأديبة المهمة مي زيادة، التي كان لها صالون فكري أسبوعي بمنزلها، يرتاده كبار رجالات الثقافة والفكر والأدب، مثل طه حسين وعباس محمود العقاد وعبد القادر المازني والرافع، وغيرهم من القامات الثقافية والفكرية.

وقد كان هذا الصالون بحق صحبة لأهل الفكر والثقافة، ولكن كلّ هؤلاء لم يحركوا ساكناً عندما علموا بإيداع مي زيادة في مستشفى العصفورية للأمراض العقلية في لبنان، نتيجة مؤامرة من أقاربها لحرمانها من ميراثها والاستيلاء عليه. أدار الجميع ظهورهم في صمت وتجاهل تام لهذه الأديبة والمثقفة الكبيرة.

وبالطبع هناك أمثلة كثيرة، فيحضرني على سبيل المثال لا الحصر أزمة كتاب مقدمة في فقه اللغة العربية لصاحبه الدكتور لويس عوض، والذي تركه الوسط الثقافي لكي يواجه حملة مسعورة ظلامية عليه، بل وتركوه ليواجه مصيره المؤلم من التهميش والإقصاء ومحاصرته في رزقه، لم ينصره المثقفون، أو يتكاتفوا مع مثقفنا الكبير.

وهذا ما حدث أيضاً مع الدكتور نصر حامد أبو زيد، فقد غسل الجميع يدهم منه، عندما اغتيل معنويا وتمّ التفريق بينه وبين زوجته، في قضية الحسبة الشهيرة، التي أدت إلى رحيله إلى هولندا، ولم يرجع إلّا وهو مريض ليرحل عن دنيانا أيضاً في صمت مريب من مثقفينا.

والأمر نفسه تكرّر مع الشجاعة نوال السعداوي في حربها الضروس ضدّ التخلف والجهل الذي عشش في عقول الناس، ولكنّها واجهت من الحروب والتشويه ما لا طاقة لإنسان لمواجهته. وكما العادة، صمت المثقفون، من دون أن يقول أحدٌ كلمة حقّ دفاعاً عنها.

تحضرني أمثلة كثيرة عن قصور المثقفين، الذين يبدون الشجاعة بالتبشير بالقيم الإنسانية الخالدة، ولكنّهم يصابون بالقصور والخرس عند المواجهة الحقيقية، فالثقافة هي الفعل والقدرة على المواجهة، ولا تقتصر على مجرد كلام، وإلّا تحوّلت لمجرد حشو لا يغني ولا يسمن.

هكذا تعلمنا. أليس كذلك؟!

المساهمون