قانون تداول المعلومات في مصر: التوقيت والبنود والمخاوف

25 يونيو 2023
من وقفة احتجاجية للصحافيين والمصورين المصريين عام 2014 (محمود خالد/فرانس برس)
+ الخط -

 

بالتزامن مع بدء مناقشة قانون تداول المعلومات في مصر خلال جلسات الحوار الوطني الذي يقول منظموه إنه "يستهدف خلق أفق سياسي جديد"، ظهرت مخاوف عميقة من موعد طرح هذا القانون ومناقشته وعدد من بنوده، في ظل تشكيلة البرلمان الحالية، علماً أنه تعرض لمحاولات عدة لعرقلته منذ أكثر من عشر سنوات، بالرغم من كونه منصوصاً عليه في الدستور.

إذ نصت المادة 68 من الدستور المصري لسنة 2014 على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية، بعد الانتهاء من فترة العمل بها، في دار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة".

على مدار عقود، لم تكن التوجهات التشريعية داعمة لحرية التعبير وحرية تداول المعلومات، وعكفت الدولة، خلال السنوات الماضية، على اتباع نهج معاد لحرية تداول المعلومات، بإرساء الحجب والمنع والحظر، وبذلت الحكومة جهداً كبيراً لنفي الشائعات التي تتعلق بعملها، كما أحالت أجهزة الأمن، ولا تزال، المئات من المواطنين إلى النيابة العامة بتهمة "نشر الأخبار الكاذبة"، كذلك يمتنع مجلسا النواب والشيوخ عن بث جلساتهما، بالمخالفة للقانون والدستور. لذا، فإن المخاوف من مناقشة القانون حالياً منطقية لدى منظمات وشخصيات معنية.

المركز المصري للفكر والدراسات لخص أبرز المشكلات التي تدور حول قانون تداول المعلومات المزمعة مناقشته في "عدم وجود سياسة أو استراتيجية قومية للإحصاء والمعلومات، وضعف آليات التنسيق بين مختلف الجهات، وما يرتبط بذلك من تضارب المعلومات وعدم اتساقها، وتعدد الجهات المنتجة للمعلومات حول نفس الموضوع"، فضلاً عن "غياب آليات مراقبة جودة البيانات، بما يؤثر على المصداقية والثقة في البيانات الصادرة، وعدم تحديث الإطار التشريعي بما يتناسب مع التطورات الحالية نحو تطبيق المعايير العالمية لتنظيم وجمع ونشر وتداول المعلومات بسهولة وفي التوقيت المناسب، وقصور برامج إعداد القدرات البشرية المؤهلة، وغياب المهارات المطلوبة لدعم فاعلية وكفاءة النظام القومي للإحصاء والمعلومات".

وتخوف مدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير عماد مبارك من مشروع قانون تداول المعلومات، فمن المفترض التوافق على فلسفة التشريع أو تعريف الأمن القومي أو تحديد المدة الزمنية لفرض السرية على الوثائق وإتاحتها، وليس الاتفاق على إصدار القانون فقط، على ما قال.

خوف مبارك نابع من مشاركته، بصفته مدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في إعداد ثلاثة مشاريع قوانين لتداول المعلومات، الأول كان في 2011 حين انضم إلى مجموعة من المنظمات الحقوقية بالتعاون مع مركز دعم واتخاذ القرار، ثم في 2012 و2013 حين شارك في إعداد مسودة القانون المطروحة من وزارة العدل، وأخيراً شارك في صياغة المشروع المقدم من ثلاث منظمات حقوقية، وهي مؤسسة حرية الفكر والتعبير، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز دعم لتقنية المعلومات.

وأكثر ما يقلق مبارك المواد التي تتعارض بشكل صارخ مع الأهداف المرجوة منه. كما أن مشروع القانون يتجاهل العديد من الاقتراحات والصياغات التي قدمتها مجموعة المجتمع المدني.

وأوضح، الأسبوع الماضي، أن أوجه الخلل في المسودة النهائية لمشروع القانون، المعدّ من قبل وزارة العدل المصرية، تتمثل في "تعمد مشروع القانون عدم تعريف مصطلح الأمن القومي، وهو المصطلح المطاط الذي طالما وقف عقبة أمام الإفصاح عن المعلومات، والذي أشارت إليه المادة 33 عندما أجازت رفض طلب الإفصاح عن المعلومة إذا كان هذا الإفصاح سيعرض الأمن القومي للخطر". كما أن "مشروع القانون استثنى كلاً من جهاز المخابرات العامة والمخابرات العسكرية من الخضوع له، رغم أن موقف مجموعة المجتمع المدني المبدئي كان هو ألا تُستثنى جهات برمتها، بل يجوز أن تُستثنى بعض وثائق ومكاتبات ومعلومات تتعلق بهذه الجهات"، وفقاً لمبارك الذي أشار أيضًا إلى "انتقاص مشروع القانون من الاستقلالية التي يجب أن يتمتع بها المجلس القومي للمعلومات وحوّله، عملياً، إلى جهاز تابع للسلطة التنفيذية، وهي السلطة التي يفترض أن يكون المجلس رقيباً عليها". وأشار إلى أن مشروع القانون يسمح "لجهازي المخابرات العامة والعسكرية بمضاعفة فترة حجب المعلومات الحساسة، من 25 سنة إلى 50، وهو ما يعتبر تهديداً خطيراً للحق في معرفة التاريخ الحديث".

وفي مائدة مستديرة عن حرية وحق تداول المعلومات، ناقشت اللجنة الثقافية في نقابة الصحافيين المصريين موضوع إصدار قانون لحرية تداول المعلومات، قبيل الجلسة التي خصصت للموضوع في الحوار الوطني. وخلصت المائدة المستديرة إلى عدة مقترحات مقدمة لمجلس النقابة، ومنها "التقدم بمشروع لتعديل القانون 180 لسنة 2018، لتصفيته من النصوص المخالفة للدستور أو المقيدة لحق الصحافيين في الوصول إلى المعلومات، واستحداث عقوبة تأديبية للمسؤولين غير الملتزمين"، و"المطالبة بوضع نصوص صريحة وموحدة، على شاكلة الفقرة الثانية من المادة 9 من قانون الصحافة والإعلام الخاصة بتمكين الصحافي من الحصول على البيانات والمعلومات والأخبار، ولكن لصالح المواطنين وأصحاب المصلحة، في جميع القوانين المتعلقة بالاستثمار، والشركات المساهمة، وسوق المال، والتكنولوجيا المالية، والبحث العلمي، والمخطوطات، والآثار، والجنسية، والسلطة القضائية، ومجلس الدولة، والمحكمة الدستورية العليا، تتضمن إتاحة المعلومات الخاصة بالمؤسسات القائمة على تلك القطاعات، لتسهيل التواصل وتفعيل نصوص تلك القوانين مع جميع المتعاملين".

كما برز اقتراح بأن تتبنى نقابة الصحافيين عملاً مشتركاً، بالتعاون مع المؤسسات البحثية والأكاديمية، لإعداد مشروع قانون جديد لحرية تداول المعلومات انطلاقاً من المشروع الحكومي المجمد من 2018، وكذلك التوصية بالإسراع في إصدار اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات الشخصية. كما كان هناك اقتراح بـ"مطالبة الحكومة بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بإتاحة الجريدة الرسمية، وإتاحة القرارات الصادرة من لجان فض منازعات الاستثمار، وبنشر جميع القرارات التنفيذية المتعلقة بالصالح العام في الجريدة الرسمية والوقائع المصرية، وفقاً لمبادئ المحكمة الدستورية العليا".

المساهمون