في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أطلت منة عرفة مع المقدّم العراقي نزار الفارس، على "قناة الرشيد الفضائية"، ورافقها زوجها طبعاً، ليتحدثا عن "الخطوط الحمراء" في مسيرتها المهنية. واختصرت عرفة الممنوعات بجملة واحدة واضحة وصريحة: "أنا لا بتشال، ولا بتحضن، ولا بتباس".
تحت فيديو المقابلة على "يوتيوب" وفي المقتطفات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، اندفعت الجموع العريضة تثني على "الأدب" و"الاحترام" و"العفة" التي عبرت عنها عرفة. واستأثر زوجها "الحريص" و"الشهم" و"الجدع" بالحصة الأكبر من المديح، كأنه فتح الأندلس وحرّر القدس. فمَن ينقذ المرأة عادة من "الخطأ" سوى رجل عرف دوره، وصان عرضه، وذاد عن أهل بيته؟
تريد عرفة الحفاظ على "نظافة" أرشيفها. ولمَن لا يعرف منة عرفة، فهي ليست ممرضة أو طبيبة تخط خطوطاً حمراء لزملائها وللمرضى، وليست عارضة أزياء تنتفض على استغلالها، وليست صحافية، وليست طباخة، ولا مدرسة، ولا حتى ممثلة تعترض على ما يجري في الكواليس. منة عرفة ببساطة ممثلة لا تعرف معنى التمثيل.
فهي حين تقول إنها "لا بتتباس، ولا بتتشال، ولا بتتحضن"، لا تقصد نفسها كمنة عرفة التي يحق لها أن تردد ذلك كما تريد، وأن تخرس كل من يتجرأ على الاعتراض. عرفة تحكي عن فتحية، أو علا، أو لواحظ، أو أمل، أو سارة، أو أي اسم آخر لدور يعرض عليها في فيلم أو مسلسل أو مسرحية. وكأني بها تتقدم لوظيفة في مجلة أو صحيفة أو موقع إخباري، فتقول صراحة: أنا لا أكتب، ولا أحرّر، ولا أصور، ولا أقرأ حتى، لكني سأمنّ عليكم بحضوري الكريم.
وقبل منة عرفة، صرّح زميلها يوسف الشريف، عام 2020، بأنه "يضع قيوداً لنفسه"، وهذه القيود تخص "المشاهد الساخنة" التي تتضمن قبلاً وأحضاناً... وللمفارقة أن توضيح الشريف جاء رداً على سؤال عن اقتطاع مشهد في مسلسله "النهاية"، يتكئ فيه وهو مصاب على زميلته، لتنقله إلى السيارة. مشاهد ساخنة فعلاً؟ ربما فات الاثنين أن كثيراً من "المشاهد الساخنة" في السينما، العربية والعالمية، لا أحضان فيها ولا قبل ولا "حد بيشيل حد".
طبعاً، نال الشريف حصته من الانبهار والإعجاب، فأدب كهذا "صار لافتاً في زمن الانحراف". وصُنع فارس جديد على الساحة.
ووسط هذا الاندهاش وموجة "الأدب" و"التهذيب" التي أغرقتنا وملأت الأرض أماناً وعدلاً، صدمتنا منى زكي. إذ تطل في بداية فيلمها الأخير "أصحاب... ولا أعزّ" لتخلع سروالها الداخلي وتضعه في حقيبة يدها. نحن لا نشاهد أصلاً كيفية خلعها له، ولا نرى فخذاً أو ساقاً أو كاحلاً، لكننا نرى القطعة التي هزت الدنيا وشغلت الناس.
من طبّل لعرفة والشريف سابقاً وجد في منى زكي تنفيسة. وهكذا، حُمّلت الممثلة المصرية، بسبب مشهد لا تصل مدته إلى عشر ثوان، المسؤولية عن انحراف الأخلاق، ودمار المجتمعات، والخيانة الزوجية، وخراب البيوت، وتفكك الأسرة، وانتشار المخدرات، وربما أيضاً المسؤولية عن كل من قُتلن وشُوهن ومُثِّل في سيرهن، بسبب صورة أو بسمة أو لفتة، أو حتى "بلا ولا شي". يا عيب الشوم يا منى. لا تعرف أن سروالاً داخلياً عن آخر يفرق. فحين نسي "شريف خيري" (عادل إمام) سروال عشيقته في جيبه كان يمهد لمعركة "أكبر مني ومنك"، إذ سيتصدى لاحقاً لـ"السفارة في العمارة"، وسيكون "رمز الصمود". فماذا فعلت منى زكي؟
وكأن فعلتها أيضاً لا تكفي، فها هو زوجها، أحمد حلمي، الممثل أيضاً، يضيع من يديه فرصة قدمت له على طبق من ذهب لينضم إلى أفواج الفرسان والفاتحين. ولو يا أحمد؟ ألم تقرأ سيناريو الفيلم؟ ألم تحدد لزوجتك الممثلة التي سبقتك إلى هذه المهنة ويفوق عدد أعمالها عدد أعمالك ما الذي يجب أن تقبل به وما الذي يجب أن ترفضه؟ ولو يا أحمد؟ ألا يكفي أنك أيضاً ضيعت فرصتك حين سمحت لها بالرقص في "أفراح القبة"؟ ومع من؟ مع رانيا يوسف التي أقامت بطانتها الدنيا ولم تقعدها! طلقها يا أحمد لترضى هذه الجموع الغفيرة التي تكلفت ودفعت اشتراك الإنترنت. طلقها، وانضم إلى قافلة الرجال الرجال. طلقها كي نسامح وننسى، فلا سروال داخلياً خُلع، ولا بطانة "اترفعت"، ولا أهين ذكر في البلاد.