فيلم "الفقاعة"... خديعة السينما في ظل الوباء

26 ابريل 2022
يعكس الممثلون واقعهم المهني والاجتماعي والشخصي أثناء فترة انتشار الوباء (نتفليكس)
+ الخط -

ضمن قالبٍ كوميدي ساخر، يدعونا فيلم "الفقاعة" (The Bubble)، لمؤلفه ومخرجه جاد أبتاو، إلى الدخول إلى عالم صناعة السينما، خلال جائحة كورونا.
هذه دعوة غير مباشرة لكشف عمليات التصوير وكواليسها، التي تجري أحداثها في فندق "كليفتون هاوس" اللندني. مجموعة من الممثلين والإداريين والموظفين العاملين في مجال الأفلام الذين يشتبكون في علاقة غير تقليدية، فرضتها ظروف الوباء، التي أفرزت قوانين صحية واجتماعية صارمة، كالتباعد الاجتماعي والفحوص الدورية، والكمامات والحجر الصحي. آثار الجائحة طاولت قطاع الأفلام والترفيه. وتلك قوانين صحية يصعب التعامل معها في هذه المجالات. كان لا بد من خطة لإنقاذ الوضع، وسحب عمليات الإنتاج من السقوط إلى القاع وخسارة ملايين الدولارات. "الفقاعة" واحدة من هذه الخطط. 
تبدو الحكاية مؤهلة لابتكار وصفة جديدة في الخطاب السينمائي. لكنها لا تكفي لرفع معايير الجودة والإبداع. وربما لا تكترث أصلًا لهذه المعايير. فاللغة المتداولة، هنا، تسبح في مفردات متنوعة، تقصد الهجاء والاستهزاء في وجه المشاهد والممثل والمنتج معاً. فجميعهم يخضعون لرأسمالية موجهة ضمن مجتمع فني، ترتبط قيمه بنوع التواصل وشكل الاستثمار.

ولدينا، هنا وصفة شديدة السخرية من هذه القيم، تطفو على لسان الممثلين الغارقين في مواجهة أخلاقية محرجة مع الجمهور ومع أنفسهم. فكلّ ممثل له يد في خط رسائل الفيلم (نتفليكس) وغاياته. طاقم الممثلين أصبح رهينة يد الإنتاج داخل الفندق، باعتبار أنّ عقودهم لا تسمح لهم بالمغادرة قبل إنجاز العمل، وإلّا ترتب عليهم دفع تعويضات جزائية تبلغ ملايين الدولارات. لكنّ هذه التعويضات ستجر الممثلين إلى أبعد من تعويض مادي. فالبقاء في الحجر الصحي والتزام الشخصيات بالانعزال في غرفها أربعة عشر يوماً، هما ثمن نفسي وذهني لا بد من دفعه.
هكذا، نرى أبطال الحكاية يدورون في فلكهم الخاص منعزلين متذمرين، يلجؤون إلى الجنس والمخدرات وجلسات العلاج الروحي، وأية وسيلة ترفيهية تعكس نعمة التواصل البشري. في المقابل، نرى قلق المنتجين ومخاوفهم أمام الأسواق العالمية الراكدة بفعل الجائحة. فهم يبحثون عن نجاح نسخة سادسة من سلسلة الأفلام التي يشترك فيها الممثلون. وهم يعلمون أنّ جزءاً جديداً لن يضيف للمشاهد متعةً أو فائدة. فهي حاجة ملحة للاستثمار في عالم الترفيه، فرضت قيود الجائحة شكل الصناعة السينمائية العاجزة أمامها، فخبت أعداد الأعمال المنتجة مدة طويلةً من الزمن، فلا ضرر من استهلاك المهنة وصانعيها وحتى مشاهديها.
ولا بد من القول إنّ قوة الإنترنت ومساحة الدعاية التي توفرها منصات التواصل الاجتماعي كانتا ممارسة تضاف إلى بقية الممارسات التي استغلها منتجو العمل، وإلّا ما كانوا ليقحموا فتاةً ( آيريس أبتاو) لديها 120 مليون متابع على تطبيق تيك توك مع باقي الممثلين المشاركين داخل الشريط الخيالي الذي يصورونه، علماً أنّ هذا الإقحام فيه من الدعاية والتصويب التجاري قدر كبير من الاستفزاز والخبث من قبل منتجي الفيلم، حين أشاروا، على لسان كريستال كريس (فتاة التيك توك) إلى مكانة منصة يوتيوب أمام تطبيق تيك توك، الذي اكتسح عالم مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت. نستمع إلى كريستال تقول معلّقةً على ذلك: "هل لا يزال اليوتيوب موجوداً؟".
يأتي دور الممثلين في عكس واقعهم المهني والاجتماعي والشخصي أثناء فترة انتشار الوباء، وفرض القيود الصحية الصارمة. شخصيات وُظّفت بشكل طريف معبّأ بالكوميديا والسذاجة، إلى درجة تفسح المجال للجمهور ليستفسر عمّا هو حقيقي أو العكس. فهل الفخامة في الديكور وتوافر جميع النشاطات والخدمات الترفيهية في الفندق سيجعلان المشاهد يتقبل الصعوبات التي تواجه الفنانين خلال الجائحة؟

تقول إحدى الشخصيات لكارول كوب (كارين جيلان)، التي كانت تحاول إرسال استغاثة للجمهور عبر نافذة كريستال الخاصة بحسابها الشخصي على تيك توك، بهدف مساعدتها على الهروب من الفقاعة: "الجمهور لا يريد أن يسمع شكوى الممثلين وتذمرهم؛ فهي لا تقارن بمشاكلهم الحقيقية وصعوبة حياتهم".
ولو أردنا الالتفات قليلاً إلى حياة الممثلين الشخصية التي يعكسها لنا الفيلم، سنجد أنّ كارول تعاني من خيانة حبيبها لها، ومبرر الأخير هو غيابها وانشغالها بنفسها وبعملها فقط. وسنجد شكل الممثل الصاعد الباحث عن الشهرة والنجاح بأيّ وسيلة كانت من خلال شخصية شون (كيغان مايكل كي) ومدمن المخدرات ديتر (بيدرو باسكال) وشخصية لورين (ليزلي مان) المتملقة وطليقها داستن (ديفيد دوشوفني) المنتج المتحكم بشكل النص والمتجهم لأيّ حوار وسيناريو لا يناسب أفكاره الساطعة. وهنا إشارات يسلط العمل الضوء عليها من خلال شخصيتي لورين وداستن، حيث لدى الطليقين طفل متبنى ذو بشرة سوداء يعيش في عالمه الخاص حاقداً وكارهاً والديه المهملين البعيدين عنه. فالوجه الآخر لحياة الأطفال المتبنين التعيسة، والذي لا نراه بشكل مباشر على الشاشة، هو أمر يدعو للمتابعة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، اختيار طفل متبنى من ذوي البشرة السمراء هو محض استغلال وتنمق مهني أمام الرأي العام والإنسانية العالمية. وأخيراً، مخرج الفيلم الخيالي "دارين" (فريد آرميسن) والذي يعكس طبيعة المخرج ضعيف الشخصية والمهزوز، تتحكم يد الإنتاج به وبتفاصيل عمله، فكانت هذه المشاكل مبررات له وللمشاهد ليكون متحرشاً جنسياً يبحث عن هيمنته الذكورية المفقودة في مكان آخر.

المساهمون