فيلمان قصيران: في معنى الفوز والمستقبل

01 مارس 2023
الشقيقتان كسرواني وجائزة أفضل فيلم قصير في الـ"برليناله الـ73" (أندرياس رانتز/Getty)
+ الخط -

 

فوز "يرقة"، للبنانيتين ميشيل ونويل كسرواني، بـ"الدب الذهبي ـ أفضل فيلم قصير"، في الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير/شباط 2023) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، يُذكِّر بفوز "موج 98"، للبناني إيلي داغر، بـ"السعفة الذهبية" لأفضل فيلم قصير، في الدورة الـ68 (13 ـ 24 مايو/أيار 2015) لمهرجان "كانّ". تذكيرٌ نابعٌ من مشتركاتٍ قليلة بين الفيلمين، تبدأ بالفوز بأول جائزة في فئة الفيلم القصير، في مهرجانين أساسيين، علماً أنّهما "أول فيلم" لهم.

"أول فيلم، أول مهرجان، أول جائزة"، تكتب نويل كسرواني في صفحتها الفيسبوكية (26 فبراير/شباط 2023). هذا يختزل كلّ شيءٍ، ويفتح أفقاً واسعاً أمام الشقيقتين كسرواني، اللتين تمتلكان الآن فرصة مهمّة لتأسيس مسارٍ سينمائي، يُفترض به أنْ يستفيد من اختبار التجربة الأولى، المتوّجة بجائزة كهذه، كحال إيلي داغر، الذي يستلهم من فيلمه الأول كلّ إفادة ممكنة، تؤدّي به إلى أول روائي طويل، "البحر أمامكم" (2021)، المعروض للمرة الأولى دولياً في "نصف شهر المخرجين"، في الدورة الـ74 (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021) لمهرجان "كانّ" أيضاً ("العربي الجديد"، 30 مايو/أيار 2022).

الجائزتان مهمّتان، قياساً إلى صناعة السينما في العالم. الفائز بإحداهما يتمكّن من تواصل أسلم وأعمق مع جهات إنتاجية في مدنٍ مختلفة، وإنْ يكن الفيلم قصيراً، فالجائزة الممنوحة في أحد هذين المهرجانين تُسهِّل تواصلاً مطلوباً. أما الحصول على إنتاج، فرهنٌ بالمشروع، ومدى قدرته على إثارة انتباه الجهة الإنتاجية وحماستها له. الجائزة تُسهِّل التواصل فقط، والباقي مرتبطٌ بالمُقدَّم إلى صاحب المال. كما أنّ تجربة الفيلم القصير غير مفضية، حتماً، إلى قبولٍ إنتاجي لمشروع طويل، وإنْ يحصل القصير على جائزة أولى ومهمّة.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

هذا متعلّق بالإنتاج. الجوائز مهمّة للفائزين/الفائزات بها في مجال صناعة السينما. نقّادٌ عديدون غير معنيين بجوائز، تمنحها لجان تحكيم، مؤلّفة من أفرادٍ قلائل، لكلّ منهم/منهنّ مزاج ووعي معرفي وثقافة وميول فنية ودرامية وبصرية مختلفة. فرحة الفوز تُصيب نقّاداً، أحياناً، يرون في الفيلم الفائز جماليات واشتغالات مُثيرة لمتعة المشاهدة، ولنقاشٍ وحوار. اختبارُ إنجاز فيلم قصير محمّل بمعاينات ميدانية، تبدو كأنّها تمارين عملية في كيفية الاشتغال السينمائي، متنوّع المهن والمستويات والرؤية. الاستمرار في إنجاز أفلام قصيرة مهمّ أيضاً، لكنّ كثيرين/كثيرات يسعون، سريعاً، إلى الطويل. "مهرجان كليرمون فيران للأفلام القصيرة" (فرنسا)، الذي يُعتبر "كانّ الفيلم القصير"، مختبرٌ للمُشاهدة المفتوحة على مئات الأفلام حديثة الإنتاج، في كلّ دورة.

يختار إيلي داغر، في "موج 98"، تقنية التحريك، في قراءته السينمائية أحوال فردٍ ومدينة (بيروت) ومتغيّرات، محاولاً تفكيك تلك الأحوال، بحثاً في أسئلة عن البقاء والارتباك ومعنى العلاقة بالمدينة، وفضائها المفتوح على خيباتٍ وقلاقل وآلام. العلاقة بالذات مرتبكة، كالعلاقة بالمدينة أو بسببها. الأحلام موءودة. الألوان المستخدمة غامقة، والتقاط الكادرات بديع، تلك الكاشفة خفايا تلك الذات والمدينة ("ضفة ثالثة"، 22 مارس/آذار 2016).

"يرقة" مختلفٌ ("العربي الجديد"، 17 فبراير/شباط 2023). ركيزته الدرامية مبنية على شابتين مهاجرتين إلى ليون الفرنسية. تعملان في مقهى. ثقل التاريخ والذاكرة والراهن ينعكس في ملامحهما وحركاتهما. التواصل بينهما حاصلٌ بعد وقتٍ، والجولة في شوارع المدينة متنفّسٌ لهما، والكلام يُقرّب بينهما.

هاتان تجربتان مهمّتان. الجائزتان مهمّتان أيضاً. جديد الشقيقتين كسرواني مُنتظر، و"البحر أمامكم" تأكيدٌ على جمالية، يُتقن داغر الاشتغال عليها. رغم هذا كلّه، المقبل من الأيام والأفلام أهمّ.

المساهمون