تُجسِّد مجموعة من النساء حُبهن للتراث الوطني الفلسطيني، من خلال تصميم وتطريز الأثواب ومختلف الأدوات المُطَعمة بـ"نقلات" و"غُرز"، وهي الأزياء التي تحمل موروثاً ثقافياً وفلكلورياً شعبياً. ويُعبِّر كل ثوب من الأثواب المشغولة يدوياً، بألوانها وأشكالها المُختلفة، عن مدينة من المُدن الفلسطينية المُحتلة، إلا أن ما يجمع كل الأثواب الروح الوطنية، وشغف تجسيد التراث.
وتعمل النساء داخل بازار القبائل التراثي، في حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة، كخلية نحل متكاملة الأدوار، من خلال وضع التصاميم المُخصصة لكل ثوب أو قطعة، ومُباشرة العمل فيها، وصولاً إلى قطع مُطرزة بطريقة فنية متناغمة، تنسجم فيها سلاسة النقلات والألوان، مع تفاصيل الفلكلور الفلسطيني الأصيل. وتدمج العاملات بين حُب التراث وضرورة الحِفاظ عليه من الاندثار أو محاولات السرقة الإسرائيلية المتواصلة التي يتعرّض لها، وبين توفير الدخل الذي يعينهن على قضاء حوائج أسرهن، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي يُعاني منها قطاع غزة، المُحاصر إسرائيلياً منذ 16 عاماً.
وتوضح ناهدة محيسن (48 عاماً)، وهي إحدى العامِلات في بازار القبائل، أنها تعلمت أساسيات التطريز من الصغر، خلال حصص التدبير المنزلي في المدرسة الإعدادية، وقد بدأ منذ ذلك الحين وَلَعها بحُب التطريز، وتفاصيل التراث الفلسطيني. وتبين محيسن، وهي أُم لثلاثة أبناء، في حديث مع "العربي الجديد" أنها استغلت ذلك الحُب مهنياً، بهدف تحسين وضع أسرتها المادي، وتوفير المستلزمات الأساسية لها، إذ التحقت بالبازار منذ 13 عاماً، وبدأت بتطريز الأثواب والقِطع المتنوعة، وتقول: "من الرائع أن نمزج بين العمل، وبين التراث وأهميته للأجيال السابقة واللاحقة".
ولا تُخالِفها في الرأي، زميلتها رويدا أبو شليح (43 عاماً) التي تعيل مع زوجها أسرة مكونة من ثمانية أفراد، وتوضح أنها تقوم بأداء القِطع المطلوبة وفق موعد مُحدد، وفقاً للتصاميم المطروحة، والألوان المُحددة مُسبقاً، مُبينة أن التطريز وملامح التراث باتت تدخل في مُختلف الملابس والأدوات المنزلية، في محاولة لإبقاء الذاكرة مُنشغلة بالتراث، خاصة في ظل المُحاولات الإسرائيلية المتواصلة لسرقته.
ويضم البازار الأثواب، والعباءات، وملابس الأطفال، والقُرن (المساند بمختلف أشكالها وأحجامها)، والحقائِب، والمُعَلَّقات المُطعمة بخريطة فلسطين والعبارات الوطنية، والأواني المطبخية والمنزلية، والإكسسوارات النسائية والرجالية.
وتقول مُصممة الأزياء التراثية وصاحِبة مشروع بازار القبائل التراثي، سلوى عثمان (58 عاماً)، إن شغفها بالتراث بمختلف أشكاله، وتحديداً التطريز، بدأ في سن مبكرة، إلا أنها بدأت خطواتها العملية الأولى في الخامسة والعشرين، عبر افتتاح البازار، ومُشاركة عدد من الفتيات في الفكرة. وتبين عثمان أن المشروع انطلق في التسعينيات، بتصميم وحياكة وتطريز الأثواب والمعلقات والأدوات المنزلية، وجرى تطوير العمل وإضافة النقلات والملامح، من خلال الاستعانة بكتب تراث قديمة، إلى جانب زيادة عدد العاملات، إلى أن وصلن 40 عاملة.
يُقسّم العمل على العاملات في البازار، من خلال تصميم القطع، وتحديد الألوان والخطوط المطلوبة، فيما تستلم كل واحدة منهن العمل الخاص بها، لإنجازه خلال مُدة مُحددة بناء على معايير مُحددة يعملن على تطبيقها. وتُشارك النساء في المعارض والمناسبات الوطنية الخاصة بالأشغال اليدوية والتراث الفلسطيني، ويُحاولن على مدار الوقت تطوير العمل، بناء على حاجة السوق، مع الحفاظ على الملامح التراثية الأصيلة التي تعطي رونقاً إضافياً للعمل.
أما عن خطوات العمل، فتوضح عثمان لـ "العربي الجديد" أنه يبدأ بشراء الأقمشة، وقصها وفق الحاجة المطلوبة، سواء ثوب، أو مُعَلَّقة أو أدوات مطبخية، ثم تحديد الألوان التي سيجري التطريز بها، ويغلب عليها لون التوت والأحمر، إلى جانب الألوان النارية مثل الأخضر والأزرق والأصفر، مع إضافة ألوان أخرى، مثل الألوان الترابية، أو حسب الرغبة.
ولا تقتصر المعروضات في البازار على القطع المُراد بيعها، إذ يضم قطعاً تعود إلى عام 1948، وهو عام النكبة والذي هُجِّر منه الفلسطينيون عنوة من بلداتهم الأصلية، وعن ذلك تقول عثمان: "هذه الأثواب والقطع للاقتناء فقط، ولا يُمكنني بيعها بأي مبلغ كان، وذلك لقيمتها التاريخية والتراثية العالية".