عن مهنة وأخلاقياتها ورحيل أفرادٍ

24 ابريل 2024
صلاح السعدني: وفاته دافعٌ إلى طرح تساؤلاتٍ (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وفاة الممثل المصري صلاح السعدني تثير قضية خصوصية الجنازات، حيث تطلب عائلته من نقابة الممثلين في القاهرة عدم تغطية الإعلام لمراسم الدفن والتعزية، مؤكدةً على احترام اللحظات الحميمة بعيداً عن عدسات الإعلام غير المهنية.
- النقاش حول التوثيق الإعلامي والشخصي في المناسبات الخاصة يبرز توتراً بين الحاجة إلى الخصوصية والرغبة في التوثيق، مع تجاوزات واضحة للأخلاقيات المهنية والشخصية، خاصةً مع استخدام الهواتف الذكية بشكل عشوائي.
- نقابة الممثلين تسعى لوضع قواعد لتنظيم تغطية الجنازات والمناسبات الخاصة، في محاولة للحد من التعدي على الخصوصية والحفاظ على كرامة الأفراد والعائلات، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل الإعلام والصحافة في مصر.

 

مسألة يطرحها رحيل الممثل المصري صلاح السعدني (19 إبريل/نيسان 2024). فعائلته تتمنّى، عبر "نقابة الممثلين" في القاهرة، عدم تغطية الصحافة والإعلام المصريين جنازته ودفنه، والتعزية به. تريد العائلة احتراماً مُطلقاً لخصوصيةٍ، تُتيح لأهلٍ ومقرّبين ومقرّبات فقط مشاركةً من دون أضواء عدسات، غالبيتها الساحقة غير مهنيّة وغير أخلاقية، أي إنّها لا تحترم فرداً في لحظةٍ حميمة، ولا تكترث بجماعة قليلة تُظهر حزناً وغضباً وقهراً، يولّدها رحيل قريب أو قريبة.

لحظات عربية سابقة تؤكّد فلتاناً، صحافياً وإعلامياً، إزاء حالاتٍ كهذه. التعدّي على خصوصيةٍ، فردية وجماعية وإنْ تكن الجماعة صغيرة، رائجٌ، من دون قيدٍ أو تنبّه إلى أولوية تلك الخصوصية، رغم أنّ الأخيرة حاضرةٌ في لقاء عامٍ. الأسوأ كامنٌ خارج صحافةٍ وإعلام: هواتف ذكية تلتقط أيّ شيءٍ وكلّ أحد، في أيّ لحظة وكلّ حالة، من دون احترام أو اكتراثٍ، فالـ"تريند" أهمّ، ونشر صُورٍ وتسجيلات بصرية سمعية يتجاوز كلّ مهنةٍ وأخلاقياتها، وكلّ حميمية ومتطلّباتها، إنْ يُدرك أصحاب الهواتف الذكية تلك أخلاقيات تصوير وتسجيل، وخصوصيةَ حميميٍّ وإنْ يظهر في مكانٍ عام.

هذا يحتاج إلى مزيدٍ من نقاشٍ: هناك دفاع عن أهمية توثيق لحظاتٍ كهذه، من دون التغاضي عن أصولٍ وقواعد تحترم أفراداً وحالات. وهناك، في المقابل، رفضٌ لهذا كلّه، فالتوثيق قائمٌ في التباسٍ حادٍّ بين أصولٍ وتفلّت، إذْ إنّ إتاحة المشاركة للجميع عاجزة عن ضبط التوثيق، والتفلّت قاتلٌ ومُهين.

الدفاع يطرح سؤال "أهمية" التوثيق، مع أنّ التوثيق (كلّ توثيق من دون استثناء) مطلبٌ، خاصة أنّ التوثيق العربي شبه غائب، وإنْ يحضر، فالبلبلة حاجزٌ أمام الموثَّق، الذي يظهر بصورة ما، وإنْ بوضوح فنّي أقلّ من المطلوب. الرفض مُصابٌ بعطبٍ أساسي: إنّه تسهيلٌ لمنع وقمع، غير محصورين بحالات كهذه. أي إنّ الموافقة على الرفض ربما تؤدّي إلى إشاعة الرفض في جوانب عدّة من يوميات أفرادٍ وجماعات.

فقرةٌ في بيان "نقابة الممثلين" دليلٌ على إمكانية بلوغ الرفض منعاً وقمعاً لمسائل أخرى. تقول الفقرة إنّ النقيب أشرف زكي يعمل على "اتفاقٍ" يضع أسساً وقواعد "تُحدّد آليات حضور مراسم الدفن أو الجنازات"، بين النقابة و"الصحافيين والمراسلين، حتّى لا تُسيء القلّة لهذه المهنة العظيمة". أيظنّ زكي أنّ "قلّة" فقط تُسيء إلى المهنة "العظيمة"؟ ألا تزال المهنة، في مصر تحديداً، "عظيمة"؟ أيكون النقيب عاجزاً (أم أنّه رافضٌ؟) عن معاينة الانهيار القاتل لصحافة وإعلامٍ مصريين، في مسألة كهذه، وفي مسائل أخرى؟

اتّخاذ موقفٍ صعبٌ. انهيارات أخلاقية عربية كثيرة مؤذية، وانعدام أصول مهن وأخلاقياتها كفيلٌ بتحطيم قِيَم وثقافات وأنماط عيش. أمّا التزام أخلاقيات مهنٍ فلا علاقة له البتّة بمنعٍ وقمع وانغلاق. الكتابة في مسألةٍ كهذه مرتبكةٌ. نقاشها يحتاج إلى مزيدٍ من تفكيرٍ ومعاينة. لكنّ السابق، المتكرّر مراراً، يُساهم في اتّخاذ جانب رفض الفلتان، وضبط الموافقة.

المساهمون