عمر سي: "أعلينا انتظار حرب أوكرانيا لنُدرك فظاعات الحروب؟"

09 يناير 2023
عمر سي وألسّان ديونغ و"مناوشون" في "كانّ" 2022: حماية ذاكرة (أندرياس رانْتز/Getty)
+ الخط -

 

اجتزاءٌ، مقصودٌ أو لا، من حوارٍ في السينما والحروب والتاريخ، يؤدّي إلى نوعٍ من حملةٍ سياسية ـ إعلامية، على ممثل فرنسي ذي أصول أفريقية (السنغال). الممثل، الذي يعمل في الإنتاج والإخراج والكتابة السينمائية، يُدعى عمر سي (20 يناير/ كانون الثاني 1978)، وهو فُكاهيّ معروف أيضاً. جديده "مناوشون (Tirailleurs)"، إنتاج فرنسي سنغالي (2022)، يُخرجه ماتيو فادوبِيَه، ويشارك سي في إنتاجه (العنوان الإنكليزي المعتَمَد: "أب وجندي"). بدء عروضه التجارية في فرنسا، في 4 يناير/ كانون الثاني 2023، بعد افتتاحه "نظرة ما"، في الدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2022) لمهرجان "كانّ" السينمائي، يترافق وتلك الحملة، لطرحه سؤال الحروب في العالم عبر التاريخ، وصولاً إلى أوكرانيا، والحرب الروسية المندلعة فيها منذ 20 فبراير/ شباط 2022.

حوار مع "لو باريزيان" (صحيفة يومية فرنسية)، منشور في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2022 (إعادة نشره على الموقع الإلكتروني للصحيفة، في الأول من يناير/ كانون الثاني 2023، يؤدّي إلى تلك السجالات الفرنسية)، يُجتزأ منه ما يعتبره "وطنيون" فرنسيون إساءة للحسّ الوطني، فيُقارعون عمر سي في أقوالٍ له، غير قارئينها بكاملها. هذا يستدعي توضيحاً من الصحيفة نفسها (2 يناير/ كانون الثاني 2023)، مع استعادتها الفقرة الكاملة، المتحوّلة إلى سجال خالٍ من أي نقاش جدّي وعمليّ وهادئ.

يتساءل إيف ياغْلي، في بداية مقالته التوضيحية ("لو باريزيان"، 2/ 1/ 23) عن كيفية/ سبب بلوغ هذه اللحظة (السجال): "حوارٌ ثري ومُثير (للانتباه والقراءة والتمعّن به) عن الحرب، تلك المروية في فيلمه الأخير، عن حرب 1914 ـ 1918". يُضيف أنّ الحوار "حيويٌّ"، وأنّه خالٍ من "أدنى شعورٍ بمهاجمة أي شخص، أو التسبّب بجدلٍ لاحق (عليه). ها إنّ الممثل عُرضة (منذ وقتٍ) لهجومِ سياسيين، وموضوع نقاشات صاخبة على القنوات الإخبارية، بسبب جملٍ قليلة عن أوكرانيا، مُجتزأة من سياقها".

تعليق عمر سي على الحرب، عامةً، مذكور في مقالة ياغّلي: "الحربُ (تعني) غَرقَ البشرية، وإنْ كانت تقع في المقلب الآخر من العالم. لنتذكّر أنّ المرء قادرٌ على الغزو، ومهاجمة المدنيين والأطفال. هناك شعورٌ (منبثقٌ من هذا التساؤل): "هل علينا انتظار أوكرانيا كي نُدرك ذلك؟ آه، أيها الأصدقاء! أرى هذا منذ صغري. عند وقوع الحرب بعيداً عنّا، نقول لأنفسنا: هناك، إنّهم وحوش، ونحن لم نعد نفعل هذا. تماماً ككورونا، عندما نقول (حينها): إنّهم الصينيون فقط".

واضحٌ أنّ لهجته في الإجابة غير جدلية. بحسب ياغْلي، "لم يُسمعني الممثل، في أي وقتٍ، أنّنا نتحدّث كثيراً عن أوكرانيا، وإلّا كنتُ سألته تحديدَ فكرته أكثر. ما يقوله سلس وواضح. الحرب تُصيبه منذ طفولته، أينما تقع". أما بخصوص جملةٍ لعمر سي، تقول: "عندما يتعلّق الأمر بأفريقيا، تكونون أقلّ تأثّراً"، تُسبّب سجالاً إضافياً، فـ"لا تعني فرنسا والفرنسيين"، كما يرى أولئك الذين يُغذّون السجال: "هذا حوار. "أنتم" تعني أولئك الذين يشعرون بقلق أقلّ عندما يُقتَل أطفالٌ بقصف القنابل في الجانب الآخر من العالم، أينما كانوا. (عمر سي) يقول هذا من دون خبث. الأمر متعلّق بنقاشٍ عن "أنتم/أنتنّ"، التي يُمكنها (أنتم/أنتن) أنْ تكون في أي واحدٍ منّا. هذه طريقة ليكون لطيفاً، و(دعوة إلى) التفكير بشكلٍ مختلف. النبرة واثقةٌ (ومُقتنعةٌ ومُقنعة أيضاً)، لكنها لطيفة وإنسانية".

ناتالي لْوَزو (الوزيرة السابقة للشؤون الأوروبية، والنائبة السابقة) تكتب على تويتر: "هناك 58 جندياً فرنسياً يُقتلون في الساحل في أثناء كفاحهم ضد الجهاديين. كلّا، عمر سي. الفرنسيون ليسوا أقلّ انتباهاً إزاء ما يحصل في أفريقيا. البعض يُقدِّم حياته ليمنع تعرّض الماليِّين (شعب Mali) لتهديد الإرهابيين". لكنْ، لا سؤال واحداً عن Mali يُطرح على عمر سي. شارل كوسيني (سياسي فرنسي) يقول: "إنّه منفيّ ضريبيّ. لعلّه غير متأثّر بفقر الفرنسيين"، في إشارة إلى انتقال الممثل الفرنسي إلى الولايات المتحدّة الأميركية، للتهرّب من دفع الضرائب، بحسب إيحاءاته: "إنّه يتجاهل دفع جزءٍ من عائداته إلى الفرنسيين"، كما يتّهمه، مُستنكراً أنّ الفيلم بحدّ ذاته "يُشارك في المشروع الإيديولوجي للسينما الفرنسية". جوليان أودول (نائب ـ "التجمّع الوطني") يُشير إلى الآتي: "ليس لعمر سي درسٌ يُعلّمه. إنّه ينسى تفصيلاً: الحروب الأفريقية تُصيب الفرنسيين" (قاصداً الجنود الفرنسيين المقتولين في أفريقيا).

 

 

"مستخدمو إنترنت وشخصيات سياسية يتولّون المهمة. إنّهم يتّهمون الممثل بتقسيم فرنسا، وهو قابعٌ في منزله في كاليفورنيا. هذا يُعتَبَر غير لائق. آخرون يُلقّنونه درساً بتذكيرهم إياه أنّ جنوداً فرنسيين يُقتلون كي لا يُهدِّد الإرهابيون شعب Mali"، يكتب شارل فان ديفور، في La Libre Belgique (صحيفة يومية بلجيكية)، مُستعيداً في مقالته (3 يناير/ كانون الثاني 2023) أقوالاً له (مذكورة أعلاه)، بعد كتابته أنّ "عمر سي يُعلن قرفه ورعبه من الفظائع المرتكبة من دون توقّف، منذ مرحلة المناوشين، وليس فقط في أوكرانيا".

"مناوشون" تعبيرٌ يُقصَد به جنودٌ منفصلون عن الآخرين، يُفترض بهم أن يكونوا "باردين، ولا مبالين، وغير حسّاسين"، يُكلَّفون إطلاق الرصاص على العدو لإلهائه ومضايقته وإرباكه: عام 1917، يلتحق السنغاليّ باكاري ديالّو (عمر سي) بالجيش الفرنسي، للعثور على ابنه ثيَرْنو (ألسّان ديونغ)، البالغ من العمر 19 عاماً، والمجنَّد قسراً. يُذكِّر الفيلم بـIndigenes لرشيد بوشارب (2006)، "الذي تُحرّكه الرغبة نفسها في الاعتراف بالمقاتلين السابقين"، المحاربين في الجيش الفرنسي الاستعماريّ حينها، كما في مقالة فابيان بْرَادْفِر (MAD، الملحق الأسبوعي الصادر عن "لو سوار" البلجيكية، 4 يناير/كانون الثاني 2023).

في الدورة الأخيرة لمهرجان "كانّ"، يقول عمر سي، في تقديم فيلمه هذا: "لا نملك الذاكرة نفسها، لكنْ، لدينا الحكاية نفسها". في حواره مع بْرَادْفِر، يقول، ردّاً على سؤال "أيّ أهمية تكمن في إعادة تسليط الضوء على تلك الحكاية؟": "لأنّها ناقصة. ولأنّها ذاكرتي، في الواقع. في النهاية، ما يجعلني فرنسياً الرابط بين السنغال وفرنسا. إنّها ذاكرتي عن تاريخ فرنسا. إنّها هويتي. لهذا كلّه، إنّها مهمّة". إذاً، بأي طريقةٍ يُساعد تسليط الضوء على تلك الحكاية في مسألة الاندماج؟ يقول عمر سي، أولاً، إنّه لا يعرف، قبل أنْ يُضيف الآتي: "لا يمكننا التقدّم بهدوء، خاصة مع الأسئلة (المطروحة) حالياً، مع كل تلك الأمكنة التي يحاول البعض فيها الانفصال عن البعض الآخر". يُشير إلى أهمية التذكير "بامتلاكنا قصة منسوجة جيداً، وبعدم قدرتنا على فصل الأشياء، بعضها عن بعض، هكذا". يعتبر أنّ كلمة "اندماج" قوية جداً، ربما: "لن أبلغ هذه المرتبة. لكنّ معرفة الحاصل سابقاً، وتذكّره وفهمه، هذا كلّه يعني "خطوة كبيرة". أليس كذلك؟".

المساهمون